| النـص : لم يعد الخطر في العراق سياسياً أو اقتصادياً فحسب بل أصبح خطر التجهيل هو الأعمق والأخطر فبينما ينشغل الناس بالترندات اليومية تتراجع مكانة الوعي ويغيب صوت العقل وتتصدر الساحة أصوات الضجيج والسطحية لقد تحوّل الإعلام الرقمي الذي كان يُفترض أن يكون منبراً للمعرفة والتنوير إلى ساحةٍ مفتوحة لكل من يملك القدرة على إثارة الجدل لا على بناء الفكر وصار النجاح يُقاس بعدد المشاهدات والإعجابات لا بما يقدّمه المحتوى من قيمة أو فكرة وهكذا، تسلل الجهل إلى الوعي الجمعي حتى صار كثيرون يصدقون ما يُروّج أكثر مما يتحققون منه إن غياب المثقفين الحقيقيين عن المشهد وضعف دور الإعلام الواعي فسح المجال أمام من لا يملكون سوى الكلام العالي دون مضمون فأصبحنا نعيش زمناً تتقدّم فيه الشهرة على المصداقية والسطحية على العمق والجدل الفارغ على التفكير المنطقي والمؤسف أن هذه الحالة لم تعد مجرد ظاهرة عابرة بل أسلوب حياة إعلامي جديد تُصنع فيه الحقائق داخل غرف الترند وتُدفن فيه الأصوات العاقلة وسط صخب لا ينتهي وإذا استمر هذا المسار فسنجد أنفسنا أمام جيل يعرف كل شيء على السطح لكنه يجهل أساس المعرفة العراق اليوم بحاجة ماسة إلى نهضة فكرية جديدة تعيد للمثقف مكانته وتُعيد للإعلام رسالته وتُعيد للوعي صوته فالتجهيل ليس قدراً بل نتيجة صمت العقلاء وتراجع دور التعليم والثقافة أمام إعلامٍ يسوّق الجهل على أنه نجاح إن مواجهة التجهيل تبدأ من وعي الفرد لان ما نقرأه ونشاركه ونروّجه يصنع ملامح مجتمعنا القادم فحين يعود العقل إلى موقعه الطبيعي يعود العراق إلى مكانه الحقيقي بين الأمم الواعية والمستنيرة
|