الأحد 2025/10/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
نيوز بار
المثقـف العراقي بين الوطنية والطائفية
المثقـف العراقي بين الوطنية والطائفية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

عساف أغا الدوري

يُتهَم المثقف العراقي بأن أعماله باتت أسيره للحالة العراقية بكل تجلياتها بعد الاحتلال عام  2003 من التخندق على الشعب العراقي، فهناك فئة اصطفت مع مشروع الاحتلال مستخدمة مبررات واهية تصدر عن دوافع طائفية وعنصرية لا تتفق والانتماء الوطني والقيم الإنسانية، وراحت تروج لهذا المشروع وتزوِّق وجهه القبيح ليصبح مقبولاً، وانضوى تحت جناح هذه الفئة بعض الشعراء والمثقفين العراقيين وانتجوا أعمالاً تخدم هذا التوجه. وهناك فئة اتخذت خيار الرفض والمقاومة بكل الوسائل التي تكفلها القيم والمبادئ والأعراف الإنسانية لشعب يواجه هجمة شرسة استهدفت إرثه الحضاري والفكري والإنساني، وانتمى لهذه الفئة طائفة من المبدعين العراقيين، فقدموا أعمالاً فضحت جرائم الاحتلال، وهناك فئة آثرت الانزواء وانشغلت بأعمال شخصية حاملة شعار الحياد وهي تعرف قبل غيرها أن هذا الشعار لا يعدو كونه ستاراً زائفاً تتوارى خلفه حالة الانهزامية وتربص الفرص والمكاسب الشخصية عند من سيمسك بدفة القرار وسلطة البلاد من إحدى الفئتين دون أن تترك دليل إدانة يدمغ موقفها الهزيل. ولا شك في أن البلدان دائماً تعوِّل على طبقة المثقفين للخروج من خطر الفتن والانقسام الداخلي المبني على أسس طائفية بأقل الخسائر، والوصول بسفينة الحياة إلى مرافئ آمنة، لذلك هناك طائفة من المثقفين العراقيين بمختلف الانتماءات القومية والدينية والمذهبية تعمل بجد على تطهير البلاد من وباء الطائفية وقد خاطرت وتحملت الكثير من المتاعب وقدمت الأعمال والتضحيات من أجل بلوغ هذا الهدف، ونحن متفائلون بأنه في نهاية المطاف سينهزم أصحاب المشاريع الطائفية والتقسيمية وتنتصر جهود المثقف العراقي وإرادة الشعب المتسلح بعدالة قضيته ونبل غايته، وسيبقى موحداً على الرغم من شراسة المواجهة والتضحيات الكبيرة.                                                                                                          

فالطائفية لدى المثقف انحطاط فكري وروحي قبل كل شيء، والمرض الطائفي آيديولوجيا، تهين كرامة الإنسان، كونها تضع النصوص، والمقولات، فوق الإنسان ذاته، وتضحّي به من أجلها، ومن هنا خطورتها. وهي أيضا، سباحة ضد مفهوم الإنسانية الذي من المفترض أن يحكم عمل المبدع، سواء كان شاعرا، أم روائيا، أم فنانا، وهنا نحن أمام ثقافتين، الثقافة الوطنية التي تقاتل من أجل الإنسان، بمختلف انتماءاته الإثنية والدينية والمناطقية للوصول به نحو مجتمع متفتح، حر، يسوده العدل والمساواة، وبين منظومة طائفية تخص مجموعة بعينها تريد محق الآخر والهيمنة عليه، وربما إزالته من الحياة بسبب اختلافه في العقيدة أو الفكر أو الطقوس، وهي عادة ما تتسم بضيق الفكر والظلامية والتقوقع على النص والرمز التاريخي، لتجعل من كل ذلك بوصلة للنشاط اليومي، عدا عن العداء للآخر، رغم أن الأفق الحضاري الحديث يميل يوما بعد آخر إلى مشتركات عالمية، كوننا أصبحنا خلية حية واحدة، منذ عقود طويلة. وحين تهيمن الطائفية على نشاط مبدع ما تقوّض مباشرة مصداقية إنتاجه، فلا يمكن لك أن تكون إنسانيا في القصيدة والقصة واللوحة والأغنية، وطائفيا منغلقا ضيق الفكر، على صعيد النشاط اليومي والإعلامي والوظيفي، لأنك ستقوض الجزء المهم من شروط الإبداع ألا وهو المصداقية. فكيف يمكن للمثقف الطائفي إقناع قارئ أو متابع بمصداقية ما ينتج بعد أن أسفر عن حوامل الكراهية والظلامية ونبذ المختلف على صعيد وجوده الحياتي؟ وكيف تشترك مع عموم البشرية بهواجسها الملحة الحاضرة وأنت تحمل راية الكراهية والتطرف وقصر النظر، بدلا من التسامح والفهم والتقبل؟ وهناك شواهد عديدة في هذا المجال لا يتسع المكان لذكرها في ما يخص النبرة الطائفية والقومية، لدى شريحة واسعة من المثقفين العراقيين، قد لا تبرز واضحة في نصوصهم ونتاجهم، لكنها نافرة في تعليقاتهم وتصريحاتهم وظهورهم الإعلامي ووجهات نظرهم عما يدور حولنا من أحداث وهي بكل تأكيد مدفوعة الثمن.

المشـاهدات 25   تاريخ الإضافـة 25/10/2025   رقم المحتوى 67673
أضف تقييـم