السبت 2025/11/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
نيوز بار
ذاكرة اليد
ذاكرة اليد
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

شيماء حسين

 

اليد

كتاب صامت يحمل تاريخ الإنسان كلّه. في الأصابع تنطوي الحكايات، وعلى الكفّ تنطبع التجارب، حتى لتبدو اليد وكأنها ذاكرة حيّة تحفظ ما ننساه ونغفل عنه.

ذاكرة اليد تبدأ منذ الطفولة من أوّل ارتعاشة وهي تحاول الإمساك بلعبة، إلى أول خطٍّ مرتجف على ورقة بيضاء. هناك، حيث تعلّمت الكتابة، انحنى القلم ليكشف أنّ اليد ليست ناقلاً للأفكار وحسب، بل شريكًا في خلقها، كأنها عقل آخر يترجم ما يفيض من الروح.

وعندما تكبر، تُصبح اليد خزانة للأفعال اليومية لمسة حانية على كتفٍ متعب، مصافحة صادقة تُوثّق عهداً، أو صفعة غاضبة تحفر جرحاً لا يُمحى. كل حركة، مهما بدت عابرة، تُضاف إلى أرشيفها الداخلي. ومن يتأمل يديه جيداً سيكتشف أنّ الخطوط المنقوشة ليست مجرد صدفة، بل خريطة عمرٍ مشى بها بين تعبٍ وفرح.

تلك الذاكرة تتجاوز الفرد لتصير ذاكرة جماعية. فاليد التي تنسج البسط، أو تنحت الحجر، أو تعزف على أوتار العود، تحمل في طيّاتها تاريخ أمةٍ بأكملها. اليد العاملة تخلّد المدن والمعابد، واليد المبدعة تحفظ الألحان والكلمات، لتبقى شاهدة على أن الحضارة لم تُكتب بالعقول وحدها، بل صيغت بأنامل صبورة ومع ذلك، تبقى أعمق ذاكرة لليد هي اللمس. فاليد تعرف كيف تترجم العاطفة بلا كلام: حضنٌ يتيمٍ، دفءُ أمّ، رجفة عاشقٍ في أول لقاء. كل تلك اللحظات تتسرب عبر الجلد لتُخزّن في ذاكرةٍ لا تنسى. وربما لهذا السبب، حين نفتقد الأحبة، نبحث أولاً عن أثر لمساتهم في أصابعنا قبل أن نفتش في عقولنا إن اليد ليست مجرّد أداة تنفّذ، بل ذاكرة ناطقة بلغة صامتة. وإذا كانت الذاكرة العقلية قد تخوننا أحياناً، فإن ذاكرة اليد تبقى شاهدة، تحفظ ما لا يُقال، وتمنح حياتنا ملمساً لا يُمحى.

المشـاهدات 112   تاريخ الإضافـة 26/10/2025   رقم المحتوى 67724
أضف تقييـم