الخميس 2025/10/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم سلاح ذو حدين
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم سلاح ذو حدين
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب م.م عمر حامد فليح
النـص :

في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم اليوم، برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي بوصفها من أبرز الأدوات المساعدة في تطوير العملية التعليمية، لا سيما في سياق التعليم المعاصر للقرن الحادي والعشرين. فقد احتلت هذه التقنيات مكانة متقدمة كمساعدات افتراضية ذكية، تُسهم في تعزيز جودة التعليم وتوسيع نطاقه، من خلال تقديم حلول مبتكرة تدعم مختلف مفاصل العملية التعليمية. ولم يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على القاعة الدراسية فحسب، بل امتد ليشمل بيئات تعليمية رقمية متكاملة، داخل المدرسة وخارجها، تعمل على تلبية احتياجات المتعلمين المتنوعة، وتوفر لهم فرصًا للتفاعل والتعلم الذاتي، بما يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي ومهارات المستقبل.من المعروف عن هذه المساعدات الافتراضية، ولا سيما برامج المحادثة الذكية مثل ChatGPT وCopilot وGemini وDeepSeek، أنها تمثل نقلة نوعية في أساليب التفاعل بين الإنسان والآلة. فقد صُممت هذه النماذج المتقدمة لتفهم اللغة الطبيعية وتولّد استجابات دقيقة وسياقية، مما يجعلها أدوات فعالة في دعم المتعلمين والمعلمين على حد سواء. وتتميز هذه البرامج بقدرتها على تقديم محتوى تعليمي مخصص، والإجابة عن الاستفسارات المعقدة، وتبسيط المفاهيم المجردة، بل وحتى محاكاة الحوار البيداغوجي الذي يعزز التفكير النقدي والتعلم الذاتي.لقد أثبتت المساعدات الذكية، وفي مقدمتها برامج المحادثة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، جدارتها في التعامل مع المسائل المعقدة التي تتطلب تحليلًا منطقيًا أو رياضيًا دقيقًا، حيث باتت قادرة على حل المعادلات، وتقديم شروحات تفصيلية للخطوات، وتوليد نماذج تعليمية تفاعلية تساعد المتعلم على فهم المفاهيم المجردة بأسلوب مبسط وسلس. كما امتدت خدماتها لتشمل مجالات اللغة، فأتاحت للمتعلمين أدوات فعالة لتعلم اللغات الأجنبية، والترجمة الفورية، والتدقيق اللغوي، وإعادة الصياغة، فضلًا عن دعم مهارات النحو والمحادثة المباشرة، مما عزز من قدرة الطلبة على التعبير والتواصل بلغات متعددة.وفي سياق الكتابة والتأليف، توفر هذه التقنيات الذكية إمكانات متقدمة لترتيب النصوص، وتحرير المحتوى، وتوليد الأفكار، وصياغة المقالات والبحوث بأسلوب أكاديمي أو إبداعي، وفقًا لاحتياجات المستخدم. ولم تقف عند حدود النصوص، بل تجاوزتها إلى دعم المحتوى البصري، من خلال أدوات قادرة على توليد الصور والفيديوهات التوضيحية، وتصميم العروض التقديمية، وإنشاء الرسوم البيانية، مما يفتح آفاقًا واسعة أمام الطلبة الجامعيين لتطوير مشاريعهم، وتقديم أعمالهم بأسلوب احترافي يجمع بين الدقة العلمية والجاذبية البصرية.وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي في دعم التعليم، إلا أن بعض مظاهر الاستخدام السلبي بدأت تطفو على السطح، لا سيما في الأوساط الطلابية التي تميل أحيانًا إلى توظيف هذه الأدوات بشكل سطحي ومفرط. إذ يُلاحظ اعتماد مفرط على المساعدات الذكية في إنجاز المهام الدراسية دون بذل جهد حقيقي في الفهم أو التحليل، مما يُضعف من روح المبادرة ويُقلل من فرص تنمية المهارات الذاتية. كما أن هذا النمط من الاستخدام قد يُكرّس الاتكالية ويُشوّه أهداف التعلم، حين يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة داعمة إلى بديل غير مدروس للجهد الفردي، وهو ما يتنافى مع فلسفة التعليم التي تقوم على بناء القدرات وتنمية التفكير المستقل.إن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي من قبل طلبة الجامعات، وخصوصًا في مرحلة الدراسات الأولية، يمثل سلاحًا ذا حدين. فإن ما توفره هذه التقنيات من سهولة ويسر في الوصول إلى المعلومات، وتقديم الحلول بصيغ متعددة، قد يفتح الباب أمام سوء الاستخدام، سواء من حيث الاتكالية على التقنية أو إغفال أهمية الجهد الذاتي في التعلم. فسهولة الوصول إلى الإجابات الجاهزة قد تُغري بعض الطلبة بتجاوز مراحل التفكير والتحليل، مما يضعف من قدرتهم على اكتساب المهارات الأساسية التي تُعد حجر الزاوية في التعليم الجامعي، مثل التفكير النقدي، والابتكار، وحل المشكلات.ومن المنطقي والصحيح تربويًا أن تتلقى هذه الفئة العمرية من المتعلمين تدريبًا ممنهجًا وتعليمًا متدرجًا، يُمكّن الطالب من بناء قدراته المعرفية والمهارية بخطى ثابتة، وفق معايير صارمة وشروط تربوية مدروسة، تضمن تحقيق الأثر التعليمي المرجو على المدى البعيد. فالتقنيات الذكية، مهما بلغت من التطور، لا يمكن أن تحل محل التجربة التعليمية المتكاملة التي تصقل شخصية الطالب وتُنمّي استقلاليته الفكرية ومهاراته الحياتية.ذلك، فإن الإلمام بثقافة الاستخدام الصحيح لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والوعي بمخاطر سوء توظيفها، لم يعد خيارًا بل أصبح ضرورة ملحة أمام جميع المستخدمين، سواء كانوا متعلمين أم معلمين، في هذا القطاع التعليمي الحيوي. فالتعامل مع هذه البرامج الذكية يتطلب إدراكًا عميقًا لطبيعتها، وحدودها، وأثرها التربوي، بما يضمن توظيفها بشكل مسؤول يخدم أهداف التعلم، ويعزز من جودة العملية التعليمية. إن غياب هذا الوعي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، تضعف من استقلالية المتعلم، وتحدّ من قدرته على التفكير النقدي، وتُخلّ بتوازن العلاقة بين التقنية والمعرفة. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى بناء ثقافة رقمية رشيدة، تُرسّخ قيم الاستخدام الأخلاقي، وتُوجّه هذه الأدوات نحو تحقيق التنمية المعرفية المستدامة.

المشـاهدات 30   تاريخ الإضافـة 30/10/2025   رقم المحتوى 67797
أضف تقييـم