| النـص :
نعيش هذه الأيام ذكرى وفاة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام ) سيدة نساء العالمين ، هذه الإنسانة التي قال فيها أبوها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم : (إنها أم أبيها) ... ولكن كيف تكون البنت أماً لإبيها ..؟ لإنها كانت تعطيه من عقلها وقلبها وأحساسها وشعورها كل الحنان الذي أفتقده عند رحيل أمه السيدة آمنة في أول طفولته ، وهكذا قال (ص) : (إنها بضعة مني يغضبني مايغضبها ويرضيني مايرضيها) ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس شخصاً يخضع لعاطفته ومزاجه (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى) ، إنه ينطلق من أطمئنانه بأن فاطمة لاتتحرك إلاّ برضى الله ورضا رسوله ، ولاتختلف مع أحد إلاّ لبعده عن الله وعدم أتقائه لغضبه ، لذلك فإن رضاها هو من رضا الله ورسوله ، وغضبها من غضب الله ورسوله ..وهكذا كانت الزهراء هي الإنسانة التي قالت فيها زوجة أبيها السيدة عائشة : (مارأيت أصدق منها إلاّ أباها ).. وقالت فيها أيضاً : (مارأيت أعبد في هذه الأمة من فاطمة ) ..لقد كانت الزهراء تعيش لأبيها فتعطيه من جهدها مايريح قلبه ، وكانت تعيش مع زوجها علي فتجعل بيتها حضناً ومهداً للرسالة ، ويكون منزلاً إسلامياً يفيض بالخشوع والرحمة ، وتتألق فيه القيم الإسلامية وكانت الزهراء عليها السلام تعيش مع أولادها فتعطيهم من طهرها كل طهر ونقاء ، ومن أمومتها كل الأمومة والحب ، لقد كانت في سيرتها تمثل غاية الطهر والصفاء في روحيتها ، ولذلك كانت هي وأبوها وبعلها وإبناها في جو الطهر كله ، وكان الطهر يتفايض من عقولهم وقلوبهم ، فلا يدنوا الرجس منهم ، ولذلك لما كانوا جميعاً الطاهرين بالله وبرسالته أنزل الله فيهم هذه الآية : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) ..وأتت هذه الآية شهادة حق لاينال منها الباطل على عصمة الزهراء وبعلها وأبنيها (عليهم السلام ) كما كانت عصمتها بصفتها سيدة نساء العالمين .وكانت عليها السلام العابدة التي تقوم الليل حتى تتورم قدماها ، وتدعو للمؤمنين والمؤمنات وتطلب لهم العون والرحمة من الله عز وجل ، وقد سألها يوماً ولدها الأمام الحسن عليه السلام وهي الضعيفة في جسمها قائلاً : أماه : لم لاتدعين لنفسك ؟ فقالت عليها السلام : (يابني: الجار ثم الدار ) ، وهذا هو خط أهل البيت عليهم السلام ، فهم يفكرون بالآخرين قبل أن يفكروا بأنفسهم...( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) ..لقد كانت الزهراء عليها السلام الإنسانة التي مثلت بالإضافة إلى فضائلها العظيمة مثلت المرأة المتحدية القوية الصلبة الواثقة بنفسها ،المدافعة عن حقها، لقد وقفت الزهراء في المسجد تتحدث بلهجة الواثق المؤمن ، إلى نساء ورجال المهاجرين والأنصار، وتحتج عليهم ، وكان قمة أحتجاجها أنها أوصت أن تدفن ليلاً حتى لايحضر جنازتها من لاتريد ، لتحتج بعد موتها بما أحتجت به في حياتها ..إن علينا أن نستوحي عظمة الزهراء سلام الله عليها في كل قضايانا ، ونتعلم منها الثبات والصبر في الشدائد ، فهي لم يشغلها ألمها ومرضها وحزنها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الوقوف مع الحق لتدافع عنه بكل ماأتاها الله من قوة ، فهي عليها السلام تمثل لنا الدرس الكبير ..بإن الإنسان إذا تعرض لبعض المشاكل والضغوط والآلام فعليه أن لا يجعل ذلك مبرراً للإبتعاد عن مسؤولياته العامة والخاصة ، وهذا مايجب أن نفهمه عندما نذكر سيرة الزهراء عليها السلام في يوم وفاتها ..
|