| النـص :
في زمن تتكاثر فيه الأصوات المشككة، وتتعالى الخطابات التي تحاول أن تزرع اليأس في النفوس، أثبت أبناء الشعب العراقي أنهم أكثر وعيًا ونضجًا مما يتصور المتربصون. لقد كانت المشاركة في الانتخابات الأخيرة فعلًا وطنيًا بامتياز، عبّر عن روح الإصرار على التغيير من داخل النظام لا من خارجه، وعن إيمان عميق بأن الديمقراطية، وإن كانت معوقة أو مثقلة بأخطائها، تظل الطريق الوحيد لبناء مستقبل يليق بالعراق وشعبه.لقد أدرك العراقيون بفطرتهم أن الانسحاب أو المقاطعة لا يعاقبان الفاسد ولا يغيران الواقع، بل يفتحان الأبواب مشرعة أمام مشاريع الاستبداد والوصاية. ولذلك جاءت مشاركتهم ذكية ومدروسة، حاسمة وواضحة، تحمل رسالة مفادها أن الشعب هو من يمنح الشرعية، وهو من يسحبها متى شاء، وأن القرار العراقي لن يُختطف بعد اليوم من قبل أبواق إعلامية أو دعايات موجهة أرادت أن تُفرغ المشاركة من معناها.لقد جاءت النتائج لتؤسس لمرحلة جديدة، فيها وعي سياسي متنامٍ، ومحاسبة واقعية، وإيمان بأن التراكم الإيجابي هو ما يصنع التحول التاريخي. فالمشاركة الشعبية ليست فقط ورقة في صندوق، بل هي إعلان عن الوجود، وعن رفض كل المشاريع البديلة التي تحلم بإعادة الدكتاتورية تحت شعارات براقة.إن الديمقراطية المعوقة – بما فيها من عيوب وتأخير وتقصير – تبقى أرحم وأعدل وأضمن من الدكتاتورية المطلقة التي لا تنتج إلا الخراب والخوف والسكوت الإجباري. ففي ظل الديمقراطية، مهما اشتدت الأزمات، يبقى صوت المواطن مسموعًا، والباب مفتوحًا أمام الإصلاح والمحاسبة، ومع الزمن يضمحل الفساد ويُحاصر الفشل، لأن الشعوب الحية لا تكلّ ولا تملّ من المطالبة بحقوقها.لقد كانت المشاركة الأخيرة ملحمية بحق، عبّرت عن وعي جماهيري فريد، وعن جماهير إصلاح حقيقية وضعت أعداء العراق عند حدّهم، وكشفت حجمهم الحقيقي أمام إرادة الأمة. إنها رسالة واضحة تقول إن الشعب حين يشارك، يصنع التاريخ، وحين يعزف، يمنح المستبدين فرصةً للعودة. لذلك، تبقى الديمقراطية المعوقة أفضل مليار مرة من الدكتاتورية المطلقة، لأنها طريق الوعي والكرامة والسيادة، وإن كان طويلاً، فهو الطريق الصحيح.
|