| النـص :
الانتخابات كما هو معلوم عملية منظمة يقوم من خلالها الأفراد باختيار ممثليهم أو تحديد موقفهم بصدد قضية ما، والتصويت هو قيام الشخص باختيار أحد المرشحين لتمثيله في الهيئات المنتخبة التي تتولى مهمة التشريع وإعداد القوانين أو في بعض المناصب التنفيذية، إن حق الانتخاب والترشيح هما من الحقوق السياسية التي صارت من الحقوق الأساسية في العصر الراهن، فلم يعد من السهولة بمكان قبول تفرد وهيمنة شخص أو أشخاص محدودين على مقدرات الدول ومصير شعوبها؛ لهذا صارت الانتخابات حقاً من حقوق الإنسان والشعوب في عصرنا الراهن، فالشعوب عن طريق الانتخابات تقرر مصيرها وتختار من تراه مناسباً لتمثيلها في إدارة شؤون البلد، هذه هي ببساطة فلسفة الانتخابات التي صارت تعبر عن الديمقراطية التي يتمتع بها الأفراد وتنعم بها الشعوب. وفي العراق وبعد سقوط نظام الحكم فيه في 9/ 4/ 2003 ولحد يومنا هذا جرت انتخابات كثيرة بدءً من التصويت على الدستور ومروراً بانتخابات مجلس النواب وانتخابات مجالس المحافظات انتهاءً بانتخابات التشريعية الأخيرة لاختيار أعضاء مجلس النواب في دورته السادسة لعام 2025، وكان من المؤمل بل ومن المفترض للعراقيين وبحكم التجربة والخبرة لعشرين سنة ولأكثر من دورة انتخابية في العراق أن يكون لديهم الوعي الكامل والنضوج التام في اختيار الانزه والأقدر والأصلح لتمثيلهم وأن لا يكرروا الأخطاء نفسها، ولكن للأسف هذا لم يحصل!! فالانتخابات الأخيرة على الرغم من أن نسبة كبيرة من الشعب قد قاطعها فنسب المشاركة في هذه الانتخابات خصوصاً في محافظات الفرات الأوسط والجنوب لم تصل إلى 50% بحسب المفوضية العليا للانتخابات إلا أنه قد تمخض عنها صعود ذات الكتل والأحزاب والأشخاص التي حكمت العراق بعد 2003 مع تغييرات بسيطة في الشخوص، وهنا يتساءل المرء ما الذي قدمته هذه الأحزاب والكتل على مدار 20 سنة حتى يُعاد انتخاباهم من قبل المشاركين في الانتخابات من العراقيين؟!! فالفساد الإداري والمالي في أعلى مستوياته في البلد حتى صار مشرعناً، والبطالة تزداد نسبتها سنوياً مع الكم الهائل من الخريجين من الجامعات والكليات والمعاهد فأعدادهم تزيد سنوياً على 250 الف فضلاً عن غيرهم من الشباب غير المتعلم والقادر على العمل، والفقر زادت نسبته في العراق، فحسب الاحصائيات الرسمية العراقية أن نسبة الفقر الحالية قد بلغت 17.5% أي من بين كل 30 عراقي هناك 5 أشخاص تحت خط الفقر، والاقتصاد العراقي على كف عفريت كما يقال نتيجة اعتماده على النفط بنسبة تزيد على 90%، ورواتب الموظفين يتم تأمينها وإكمال النقص فيها عن طريق الاقتراض نتيجة تقلب أسعار النفط وقله السيولة، وهذا ما جاء بكتاب رسمي عن وزارة المالية صدر مؤخراً تحتج بذلك لعدم صرف الزيادة التي أقرها مجلس النواب في قانون التعديل الأول لقانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011، كما وجهت هذه الوزارة كتاباً رسمياً لوزارة التربية تقر فيه بعجزها عن توفير تخصيصات أجور المتعاقدين. وفي مجال قطاع الزراعة فالوضع المأساوي فيه لا يختلف عن حال بقية القطاعات في البلد من حيث السوء، فالعراق وصل إلى مرحلة القحط المائي وبالتالي يتعذر عن الفلاحين زراعة الملايين من الدونمات مع وجود هذا القحط، فالفلاحين في العراق بانتظار رحمة الله في نزول المطر، ورحمة الجانب التركي بإطلاق الدفعات المائية الكافية لزراعة أراضيهم، أما الصناعة فهي في العراق أسم بلا فعل في الوقت الذي يستورد فيه العراق كل احتياجاته من الخارج، ومع كل هذه الكوارث والمآسي والمصائب ينتخب العراقي من جديد من كان سبباً في هذه الكوارث والمصائب، ينتخب من أنفق المليارات من الأموال المشبوهة في الحملات الانتخابية في الوقت الذي يعاني منه البلد من عجز في الموازنة ورواتب الموظفين بالكاد يتم تأمينها!! ينتخب من أصبح بين ليلة وضحاها من أصحاب المليارات بعد أن كان لا يملك شيئا!! ينتخب قادة الفساد ومن عُرفوا به على مدار سنوات عديدة!! هل فكر الناخب العراقي عندما أدلى بصوته وهو يجدد الثقة لمن عُرف بالفساد والسرقة أنه بانتخابه لهؤلاء سيكون مشاركاً لهم في فسادهم وراضياً بسرقاتهم!! نحن لا نلوم الحزبيين أو المنتفعين من هذه الأحزاب والكتل والأشخاص فهؤلاء قطعاً سيؤدون الدين لأرباب نعمتهم، فكل إنسان يعمل لمنفعته ويسعى لتحقيق مصلحته وهو أسير لها، ولكن كل اللوم على المواطن الذي ينتقد الفساد ليل نهار، ويذم الفاسدين والسراق على ما جنوه بحق هذا البلد وأهله ثم يجدد الثقة لهم أو لأحد المرشحين من أحزابهم وكتلهم. نقول لهؤلاء لا تندب الحظ بعد ذلك، ولا تتذمر على ما حصل وسيحصل، ولا تتأسى على وضع البلد فيما بعد، فرسولك ونبيك عليه الصلاة والسلام علمك أنه: "لا ينبغي لمؤمن أن يلدغ من جُحر واحد مرتين". وأنت رضيت أن تلدغ من ذات الجحر أكثر من مرة!!
|