الأربعاء 2025/11/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 11.95 مئويـة
نيوز بار
تنهيدة الشرق الأخيرة
تنهيدة الشرق الأخيرة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د.لمياء موسى
النـص :

 

 

 

تحية من القلب إلى قرّائي الأعزاء،مع كل مأساةٍ تهزّ الشرقَ الأوسط، تنهض مصر الكنانة كعادتها، تمدّ يدها لتكون مفتاحَ الحلّ وميزانَ العقل. منذ بدايات الأزمات، كانت مصر هي البوابة التي تُفتح حين تُغلق الأبواب، وهي الصوت الذي يعلو حين يصمت الجميع. يشهد تاريخها الطويل أن الأزمات، مهما اشتدّت، تتكسّر عند عتباتها؛ فهناك، حيث يلتقي التاريخ بالحكمة، تضع مصر بصمتها الأخيرة على الجرح، لتعيد إلى الشرق توازنه، وإلى العالم بعضًا من إنسانيته.لا يخفى على القاصي ولا الداني ما أفرزته الحرب المشتعلة في قطاع غزة من مأساةٍ إنسانيةٍ غير مسبوقة. فقد أسفرت — بحسب وزارة الصحة في القطاع — عن مقتل أكثر من 65 ألف فلسطيني وإصابة نحو 166 ألفًا، منذ اندلاعها عقب هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 1200 شخص واختطاف 251 رهينة.وعلى مدى عامين من الصراع، شهدت غزة دمارًا شاملًا في بنيتها التحتية في كل القطاعات، حتى غدت الحياة اليومية هناك شبه مستحيلة. نزح أكثر من مليون إنسان إلى مناطق أخرى داخل القطاع، يطاردهم الجوع والعطش، وسط نقصٍ حادٍّ في الغذاء والمياه، وانهيارٍ تامٍّ في النظام الصحي، وتفشٍ للأمراض وسوء التغذية، إضافة إلى انتشارٍ واسعٍ للصدمة النفسية والاكتئاب والخوف المستمر بين السكان، ولا سيما الأطفال.ومع التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي، تحوّلت هذه المأساة إلى قضية ضمير عالمي، فاشتعلت موجات الغضب في شوارع العواصم، وخرجت مظاهرات حاشدة تندّد بالعدوان وتطالب بوقف الحرب فورًا. كما امتلأت المنصات الإلكترونية بحملات تضامنٍ غير مسبوقة، كشفت حجم التعاطف الإنساني مع غزة، ووضعت الحكومات الغربية في موقفٍ حرج أمام شعوبها التي رفعت صوتها عاليًا باسم العدالة والإنسانية.لقد جاءت هذه الحرب لتُحرّك مياه القضية الفلسطينية الراكدة بعد عقودٍ من الصمت، ولتفتح صفحةً جديدة في الوعي العالمي تجاه معاناة شعبٍ حُرم من حقّه في الحياة. فقد شهد العالم تحوّلًا ملحوظًا في المواقف الأوروبية، بعدما عجزت إسرائيل عن تبرير رفضها دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهو الموقف الذي فجّر موجة غضبٍ عارمة تجاوزت حدود الشوارع والمظاهرات، لتتحول إلى اضطرابٍ داخلي في كثير من الدول الغربية. وتحت ضغط شعوبها، وجدت بعض الحكومات نفسها مضطرةً إلى الاعتراف بدولة فلسطين، في محاولةٍ لإجبار الكيان الإسرائيلي على مراجعة سلوكه وسياساته.ورغم ما خلّفته الحرب من دمارٍ شامل في القطاع، فإنّ آثارها الثقيلة لم تتوقف عند حدوده، بل امتدت إلى دول الجوار، حيث تصاعدت المخاوف من اتساع رقعة الحرب، واحتمال موجات نزوحٍ فلسطيني جديدة مع تزايد الدعوات لفتح الممرات الإنسانية. كما تعطّلت حركة التجارة والمعابر، وتراجعت السياحة بسبب الخوف من التصعيد، فيما ولّد الغضب الشعبي المتصاعد توترًا سياسيًا داخليًا في أكثر من دولة، بين مواقف الحكومات وضغوط الشارع المتضامن مع فلسطين.ولهذا، وقّعت كلٌّ من مصر وقطر وتركيا، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، في مدينة شرم الشيخ المصرية اتفاقًا برعاية الرئيسين المصري والأمريكي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بمشاركة قادةٍ إقليميين ودوليين، إلى جانب ممثلين عن منظماتٍ دولية. وقد وُصفت هذه الخطوة بأنها تحوّلٌ جوهري في مسار الصراع، وبداية عهدٍ جديد من المساعي الدبلوماسية نحو السلام.فيما أكّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الاتفاق يفتح صفحةً جديدة من السلام والاستقرار، مشددًا على أن السلام يظلّ خيارًا استراتيجيًا دائمًا لمصر وللمنطقة بأسرها. وفي كلمته، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القمة بأنها “يوم عظيم للشرق الأوسط”.وقد حملت القمة اسم “قمة السلام حول غزة”، وجاءت كمبادرةٍ دوليةٍ مشتركة تهدف إلى إيقاف نزيف الدم الفلسطيني، وتهيئة الأرضية لعودة مفاوضات التسوية العادلة، في محاولةٍ لإعادة الأمل إلى المنطقة التي أنهكتها الحروب، وترميم الثقة في إمكانية تحقيق سلامٍ حقيقيٍّ يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها وعدالتها.تتضمن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مجموعةً متكاملةً من البنود السياسية والأمنية والإنسانية، أبرزها: الالتزام بوقفٍ فوريٍّ لإطلاق النار، تبادل الأسرى، وانسحاب أو إعادة تموضع القوات الإسرائيلية في أجزاء من غزة، إلى جانب فتح المعابر للمساعدات الإنسانية وبدء عملية إعادة إعمار القطاع. كما نصّت الخطة على إدارةٍ انتقاليةٍ للقطاع، تشمل إدارةً محليةً تكنوقراطية لتسيير الخدمات اليومية لمدة 12 شهرًا، مع تحويل غزة إلى منطقةٍ منزوعة السلاح لا تشكّل تهديدًا لجيرانها، وضمان عدم تهجير الفلسطينيين، وإنشاء آليةٍ أمنيةٍ تضمن أمن جميع الأطراف.إلى جانب لجنة مراقبةٍ مشتركة من الدول الأربع الموقعة لمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار، مع تقديم تقارير أسبوعية لمجلس الأمن حول مدى الالتزام، ونشر قواتٍ دوليةٍ في القطاع بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي.وكان من بين أبرز إيجابيات القمة أنها ركّزت على الجانب الإنساني من وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية، مما ساعد على زيادة الضغط على الجانب الإسرائيلي لضمان التزامه بالاتفاق، وجعل القضية الإنسانية في غزة محورًا أساسيًا في الجهود الدولية للسلام.ومما يُحسب لقمة شرم الشيخ أنّها وحّدت الجهود الدولية والإقليمية في مشهدٍ نادر، مما أعاد الزخم الدبلوماسي للقضية الفلسطينية إلى الواجهة، وعزّز الدور المصري والعربي ودور دول المنطقة بوصفها أطرافًا رئيسية في أي حلٍّ عادلٍ للقضية، مما أعاد التوازن إلى المبادرات الإقليمية وفتح الباب أمام تعهداتٍ ماليةٍ لإعادة الإعمار.لكن، وعلى الرغم من كثرة الإيجابيات التي حملتها القمة، فإن الخطة في جوهرها لا تتجاوز كونها إطارًا عامًا للمفاوضات، أو مجموعة مبادئ أولية ما تزال بعيدة عن أن تكون خطةً تفصيلية لإنهاء الحرب فعليًا. فالغموض الذي يكتنف بنودها يفتح الباب أمام مساحاتٍ واسعةٍ للمناورة والتأويل، مما يجعلها عرضةً للتقويض في أي لحظة، حيث يمكن لكل طرفٍ أن يُلقي بمسؤولية الفشل على الآخر، فتعود الأزمة إلى نقطة البداية من جديد.والأخطر من ذلك، أن حماس وإسرائيل لم تكونا طرفين مباشرين في التوقيع على المبادئ العشرين التي أُعلن عنها، ما يجعل الالتزام بها سياسيًا أكثر منه قانونيًا. فحماس لم توقّع على الإعلان الكامل، بل وافقت فقط على المرحلة الأولى من الاتفاق، في حين ما زالت تتحفّظ على البنود اللاحقة، خصوصًا ما يتعلق بتسليم السلاح أو تقليص السيطرة الأمنية في القطاع.أما المرحلة الثانية من الخطة، المقرّر عقدها عام 2026، فتهدف إلى استئناف مفاوضات حلّ الدولتين، لكنها تظل رهينة نجاح المرحلة الأولى. ولهذا فقد وُصفت قمة شرم الشيخ بأنها ليست نهايةً للحرب بقدر ما هي بدايةُ مرحلةٍ جديدة، يتوقف نجاحها على مدى التزام الطرفين بوقف إطلاق النار، وعلى قدرة الدول الراعية على فرض ضماناتٍ حقيقية، وتسريع جهود المساعدات والإعمار.ويرى المراقبون أن المشهد السياسي لا يزال مضطربًا، وأن النار السياسية ما زالت تحت الرماد، في ظل غياب رؤيةٍ واضحة بشأن الجهة التي ستتولى إدارة غزة بعد المرحلة الانتقالية، الأمر الذي قد يفتح الباب أمام صراعٍ جديد على الشرعية والسلطة. كما لم يحدّد الاتفاق آلية تشكيل الهيئة الإدارية الانتقالية المزمع تشكيلها ولا طريقة اختيار أعضائها، إضافةً إلى غياب جدولٍ زمنيٍّ واضح لتنفيذ البنود. وفي الوقت ذاته، تبقى ضمانات الدول الأربع الموقعة محدودة، نظرًا لأنها لا تمتلك صلاحيات قوات حفظ السلام، ما يجعل تنفيذ الاتفاق مرتبطًا بالإرادة السياسية أكثر من ارتباطه بضماناتٍ تنفيذيةٍ ملزمة.ومع كل ما أُعلن من مبادرات، لم يُتح بعدُ تمثيلٌ حقيقيٌّ للفلسطينيين، إذ لم تُتح مشاركةٌ حقيقيةٌ لممثلي الشعب في صياغة الاتفاق أو آليات تنفيذه. لذلك، يُعدّ إعلان شرم الشيخ فرصةً لتفادي تصعيدٍ جديد، لكنه ما زال أقرب إلى هدنةٍ مؤقتةٍ منه إلى تسويةٍ نهائية، إذ يظل إطارًا سياسيًا عامًا لا يرقى بعد إلى مستوى اتفاقِ سلامٍ دائم.ومن هنا، ننادي بأن نجاح قمة شرم الشيخ لن يتحقق إلا إذا انتقلت الرؤية من الخطاب إلى الفعل، ومن النوايا إلى التنفيذ، وأن يكون الفلسطينيون في قلب الحل لا على هامشه. يجب أن تشارك كل الأطراف الفلسطينية — حماس، والسلطة الفلسطينية، وممثلون عن المجتمع المدني — لضمان أن يكون الحل فلسطينيًا قبل أن يكون إقليميًا أو دوليًا.ويجب وضع جدولٍ زمنيٍّ واضح لتنفيذ البنود، مع إنشاء هيئة إشرافٍ دوليةٍ محايدة من الجهات الأممية لمراقبة التنفيذ، ورفع تقارير شفافة لمجلس الأمن، إلى جانب آليات مراقبةٍ فعّالة ووجودٍ دوليٍّ يضمن تطبيق الاتفاق على الأرض، لا بالتصريحات فقط.كما يجب أن تنطلق عمليةٌ فعليةٌ لإعادة إعمار القطاع بتمويلٍ واضح من الدول المانحة، مع مراقبةٍ دقيقة لتوجيه الأموال بعيدًا عن الفساد، وأن تُرسَم رؤيةٌ واضحة لحل الدولتين تقوم على قيام دولةٍ فلسطينيةٍ ذات سيادةٍ كاملة.يجب أن يُصان التوازن بين السيادة والأمن، بحيث لا يتحوّل نزع السلاح إلى وسيلةٍ لإضعاف الفلسطينيين، وتبقى السيطرة الأمنية بيد إسرائيل وحدها. كما يجب أن يبقى الدور الإقليمي بارزًا في إدارة الحل، لتبقى القضية الفلسطينية في أيدٍ عربية تراعي مصالح الشعب الفلسطيني وتحقق له الحق في الحياة والسلام.وفي النهاية، بالإرادة الصادقة، والفعل السليم في الوقت المناسب، يمكننا تجاوز الأزمة.إن نجاح أي خطوةٍ نحو السلام هو نجاحٌ لإنسانيتنا جميعًا. يبقى الأمل هو ما يحركنا نحو الحرية والحياة. كما تعلو الشمس وتنبثق أشعتها من وسط الظلام، يظل أملنا شامخًا ليعيد الحياة إلى مدن الركام والأنقاض.الأرض التي طالما داستها أقدام الحروب والمدافع، قد آن لها أن تنبت من جديد أغصان الزيتون. الأرض التي كانت رمزًا للموت والشهادة، آن الأوان أن تصبح رمزًا للحياة والخير.إن انتصارنا في هذا المؤتمر ليس انتصارًا لقضيةٍ بعينها، بل انتصارٌ لضمير العالم الغائب منذ سنين.وإلى اللقاء يتجدد كل أسبوعين، أعزائي القرّاء، مع قضيةٍ جديدة نفتح ملفها سويًا.الوقت ذاته، تبقى ضمانات الدول الأربع الموقعة محدودة، نظرًا لأنها لا تمتلك صلاحيات قوات حفظ السلام، ما يجعل تنفيذ الاتفاق مرتبطًا بالإرادة السياسية أكثر من ارتباطه بضماناتٍ تنفيذيةٍ ملزمة.ومع كل ما أُعلن من مبادرات، لم يُتح بعدُ تمثيلٌ حقيقيٌّ للفلسطينيين، إذ لم تُتح مشاركةٌ حقيقيةٌ لممثلي الشعب في صياغة الاتفاق أو آليات تنفيذه. لذلك، يُعدّ إعلان شرم الشيخ فرصةً لتفادي تصعيدٍ جديد، لكنه ما زال أقرب إلى هدنةٍ مؤقتةٍ منه إلى تسويةٍ نهائية، إذ يظل إطارًا سياسيًا عامًا لا يرقى بعد إلى مستوى اتفاقِ سلامٍ دائم.ومن هنا، ننادي بأن نجاح قمة شرم الشيخ لن يتحقق إلا إذا انتقلت الرؤية من الخطاب إلى الفعل، ومن النوايا إلى التنفيذ، وأن يكون الفلسطينيون في قلب الحل لا على هامشه. يجب أن تشارك كل الأطراف الفلسطينية — حماس، والسلطة الفلسطينية، وممثلون عن المجتمع المدني — لضمان أن يكون الحل فلسطينيًا قبل أن يكون إقليميًا أو دوليًا.ويجب وضع جدولٍ زمنيٍّ واضح لتنفيذ البنود، مع إنشاء هيئة إشرافٍ دوليةٍ محايدة من الجهات الأممية لمراقبة التنفيذ، ورفع تقارير شفافة لمجلس الأمن، إلى جانب آليات مراقبةٍ فعّالة ووجودٍ دوليٍّ يضمن تطبيق الاتفاق على الأرض، لا بالتصريحات فقط.كما يجب أن تنطلق عمليةٌ فعليةٌ لإعادة إعمار القطاع بتمويلٍ واضح من الدول المانحة، مع مراقبةٍ دقيقة لتوجيه الأموال بعيدًا عن الفساد، وأن تُرسَم رؤيةٌ واضحة لحل الدولتين تقوم على قيام دولةٍ فلسطينيةٍ ذات سيادةٍ كاملة.يجب أن يُصان التوازن بين السيادة والأمن، بحيث لا يتحوّل نزع السلاح إلى وسيلةٍ لإضعاف الفلسطينيين، وتبقى السيطرة الأمنية بيد إسرائيل وحدها. كما يجب أن يبقى الدور الإقليمي بارزًا في إدارة الحل، لتبقى القضية الفلسطينية في أيدٍ عربية تراعي مصالح الشعب الفلسطيني وتحقق له الحق في الحياة والسلام.وفي النهاية، بالإرادة الصادقة، والفعل السليم في الوقت المناسب، يمكننا تجاوز الأزمة.إن نجاح أي خطوةٍ نحو السلام هو نجاحٌ لإنسانيتنا جميعًا. يبقى الأمل هو ما يحركنا نحو الحرية والحياة. كما تعلو الشمس وتنبثق أشعتها من وسط الظلام، يظل أملنا شامخًا ليعيد الحياة إلى مدن الركام والأنقاض.الأرض التي طالما داستها أقدام الحروب والمدافع، قد آن لها أن تنبت من جديد أغصان الزيتون. الأرض التي كانت رمزًا للموت والشهادة، آن الأوان أن تصبح رمزًا للحياة والخير.إن انتصارنا في هذا المؤتمر ليس انتصارًا لقضيةٍ بعينها، بل انتصارٌ لضمير العالم الغائب منذ سنين.

المشـاهدات 43   تاريخ الإضافـة 18/11/2025   رقم المحتوى 68395
أضف تقييـم