الأربعاء 2025/11/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 11.95 مئويـة
نيوز بار
زمنُ الأقنعة… حين صارتِ السرقةُ فضيلةً
زمنُ الأقنعة… حين صارتِ السرقةُ فضيلةً
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

‏ الشاعرة : وجدان وحيد شلال .

 

‏علِّموا أبناءَكم الصدقَ، فالعالمُ من حولِنا يَغرقُ في فوضى الأخلاق.

‏صرنا نعيشُ زمنَ الأفكارِ المقلوبة، زمنَ الضمائرِ الغائبة.

‏الأفكارُ المقلوبةُ سجونٌ نصنعُها بأنفسِنا، نَقبلُ أسوارَها طوعًا، دون وعي. حين يتحرّكُ الإنسانُ بدافعِ المصلحةِ لا بدافعِ المبدأ، يخرجُ من دائرةِ النورِ إلى عُريٍ أخلاقيٍّ كامل؛ لا وازعَ يردعُه، ولا ضميرَ يَحميه. يُدَجَّنُ العقلُ في مزارعِ الفسادِ الإداريِّ والماليّ، لتبقى النفوسُ أسيرةَ الطاعةِ العمياءِ، خاضعةً لسلطةِ الجماعةِ وجاذبيةِ الطقوسِ الجاهزة.

‏خلال عملي، تعرّضتُ لحملةٍ شرسةٍ لإقصائي، فقط لأنني تجرّأتُ وقلتُ إنّ ما يحدثُ أخطاءٌ جسيمةٌ يُحاسَبُ عليها القانون: سرقةٌ، تلاعبٌ، وتزوير. جاء الردّ قاسيًا وسريعًا؛ فالخوفُ كثيرًا ما يُعطِّلُ التفكير. تجمهروا حول الباطل،وصلَ الأمر التهديد من قبل أحد الأشخاص الذي يدعى أنه يعمل في جهة عليا لإصدار أحكام جاهزة تَخدمُ

‏ مَصالحُ فئة معينة ،مقيّدينَ بخيوطٍ غير مرئيةٍ من التمثيلِ والزيف، حتى جعلوا من السارقِ نبيًّا، ومن الكذبِ شجاعةً.

‏هكذا تُبرَّرُ السرقاتُ، ويُزَيَّفُ الحقُّ بحجّةِ "خدمةِ الجماعة"، لأنّ المستفيدَ من الباطلِ لا يقولُ الحقَّ.

‏السرقةُ — صغيرةً كانت أو كبيرةً — جرمٌ واحدٌ لا يغيّرُ حجمُه جوهرَه. والتلاعبُ بالأوراقِ الرسميةِ خيانةٌ للقانونِ، أمّا التزويرُ لحمايةِ المفسدينَ فهو جريمةٌ يحاكمُها الضميرُ الحيّ، إن كان لا يزالُ حيًّا.

‏في طقوسِ العتمة، يُعدُّ الخارجُ عنها خائنًا، وتُنسَجُ حوله الأكاذيبُ لتشويهِه.

‏والمجتمعُ، للأسف، أباحَ لهم فعلَ ذلك بألفِ مبرّرٍ وعذرٍ. تقبّلَ الكذبَ، واحتضنَ المخادعَ، ومالَ إلى القويّ صاحبِ المنصبِ الملغوم، خشيةَ خسارةِ المنافع.

‏الكلُّ صامتٌ، وإن نطقَ فبالباطل.

‏هكذا صارَ الفكرُ الجمعيُّ سيّدَ الموقف، يُخدّرُ الضمائرَ ويقودُها نحو أسفلِ الهرمِ الأخلاقيّ، تحت ذريعةِ الحروبِ القديمةِ التي علّمتنا الصمتَ، ووأدتِ الحقيقةَ في التراب.

‏الكلُّ يسرقُ، والكلُّ يستفيدُ، وكأنّها سرقاتٌ "صغيرة" لا تُؤذي أحدًا! لكنها في جوهرِها سرقةٌ تظلُّ سرقةً، مهما غُلِّفتْ بالأسماءِ البراقة.

‏يُرادُ لنا أن نرضخَ، أن تمضيَ القافلةُ، وأن تُكممَّ أفواهُ الكلابِ — رغم صدقها ووفائها.

‏أحاولُ أن أقولَ إنّ المجتمعَ صارَ مزيفًا، يبحثُ عن قشورٍ يُغطي بها عورةَ السرقة.

‏الحلّ، برأيي، يبدأُ من التربيةِ: من تعليمِ الأطفالِ الصدقَ والأخلاقَ، وتغذيةِ الضميرِ الإنسانيِّ منذ الصغر.

‏علِّموا أبناءَكم أنَّ إيذاءَ الآخرِ خطأٌ يُوجِعُ الضميرَ، وأنَّ الصدقَ لا يُكلّفُ أكثرَ مما تُكلّفهُ الكذبةُ الواحدة.

‏علِّموهم أنَّ الاستماعَ إلى المختلفِ احترامٌ، لا خيانةٌ، ما دامَ لا يخالفُ القانون.

‏ذكّروهم أنَّ المنصبَ زائلٌ، وأنَّ المبدأَ هو الباقي.

‏خُذوا حقوقَكم، ولا تسكتوا عنها.

‏اثبتوا على المبدأِ مهما كانَ الثمنُ، ولو كنتم وحدَكم في معركةٍ شرسةٍ وسطَ الضباع.

‏انقذوا المجتمع من آفة الكذب.

‏وربما أحلمُ، لكنْ لا حرجَ على من يحلمُ بصدقٍ في زمنٍ يعبدُ الزيف.

المشـاهدات 22   تاريخ الإضافـة 18/11/2025   رقم المحتوى 68404
أضف تقييـم