الخميس 2025/11/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 12.95 مئويـة
نيوز بار
المنتجات الصينية والتركية وسبل حماية الاقتصاد العراقي
المنتجات الصينية والتركية وسبل حماية الاقتصاد العراقي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ماجد حميد
النـص :

اولاً: الخلفية السياقية

 

1.1 التطوّر في التجارة العالمية والإقليمية: تشهد العلاقات التجارية بين العراق والصين نمواً سريعاً، حيث ارتفعت حجم الصادرات الصينية الى العراق إلى نحو (14) مليار دولار في 2023، بزيادة كبيرة عن السنوات السابقة.تُشير بيانات حديثة إلى أن الصين تُصدّر إلى العراق عدداً كبيراً من السلع الاستهلاكية (أجهزة كهربائية، أدوات، ملابس، بلاستيك…الخ) إلى جانب معدات البنية التحتية.فيما يخص تركيا، فهي أيضاً تُعد مصدِّراً هاماً للدول المجاورة وخاصة العراق ، حيث ارتفعت حجم الصادرات التركية الى العراق إلى نحو (12) مليار دولار في 2023، ويُلاحظ أن المنتجات التركية دخلت السوق العراقية وتنافس بشدة، خصوصاً في الفئات متوسطة السعر.

 

1.2 لماذا يرى البعض أن هناك "غزوَاً" للمنتجات الصينية والتركية؟: من جهة، السعر: تمكَن الصادرات الصينية والتركية من تقديم منتجات بأسعار تنافسية، ما يسهّل وصولها إلى المستهلك العراقي الذي يبحث غالباً عن القيمة الجيِّدة مقابل السعر.من جهة أخرى، الجودة والتنوّع زادت تدريجياً، فصار ختم «صُنع في الصين» أو «صُنع في تركيا» ليس فقط بديلًا رخيصاً بل منافساً جدّياً للعلامات التجارية الغربية أو حتى المحلية.الاقتصاد العراقي يعاني من ضعف في قاعدة الإنتاج المحلي في كثير من القطاعات غير النفطية، مما يجعل السوق مفتوحاً على مصراعيه للاستيراد.

 

ثانياً: تأثير المنتجات الصينية والتركية على السوق العراقية

 

2.1 الفرص: دخول هذه المنتجات يعزّز من خيار المستهلك: توفر تشكيلة أكبر لمنتجات بأسعار أقل، مما قد يساعد في تحسين مستوى المعيشة.يمكن أن تستفيد الصناعة العراقية من هذه الصادرات كمدخل للقطع أو المواد الأولية الرخيصة، أو نقل التكنولوجيا أو التجميع المحلي.

 

2.2 التحديات والمخاطر: إزاحة الإنتاج المحلي: عندما تدخل منتجات مستورَدة بأسعار رخيصة جداً، فإنّ الصناعة العراقية التي قد تكون أقل تنافسية تتعرّض لخطر التراجع أو الإغلاق، مثلاً الصناعات الصغيرة والمتوسطة قد لا تستطيع الصمود او المنافسة امام هذه المنتجات المستوردة.اعتماد متزايد على الاستيراد: بدلاً من بناء القدرات الإنتاجية، يمكن أن يستمر العراق باستيراد ما يُمكن إنتاجه محلياً، مما يعني تسريب قيمة مضافة خارجية البلاد.المنافسة غير العادلة: قد يتم استيراد منتجات مدعومة أو ذات تكلفة إنتاج منخفضة جدّاً أو من دون معايير جودة صارمة، وباللتالي فأن المتضرر الوحيد هو المنتِج المحلي.فقدان ريادة السوق المحلي: إذا تركت الصناعة المحلية دون حماية أو تطوير، فقد تتحوّل إلى مجرد مستهلكة للمنتجات المجمَّعة أو المستورَدة، مما يقلّل فرص التصدير ويُضعف التوازن التجاري.التركيز على المنتجات الاستهلاكية فقط: غالباً ما نستورد السلع النهائية، وليس المواد الوسطية أو الموارد التي تُوفّر فرص تصنيع محلي وهذا يعني استنزافاً لإمكانات التصنيع المحلي.

 

ثالثاً:  تحليل خاص للسوق العراقية

 

3.1 الهيكل الاقتصادي العراقي: الاقتصاد العراقي يعتمد بصورة كبيرة على النفط، إذ إن الإيرادات النفطية تُشكّل النسبة الأكبر من صادرات الدولة وميزان المدخلات.الصناعة التحويلية والعِمَليّات غير النفطية ما زالت تواجه تحديات: ضعف البُنى التحتية، محدودية الربط بين الإنتاج المحلي والتصدير، ضعف في قدرات التصنيع والتصدير.من جهة العمل: القطاع الخاص يواجه تشويشاً من ناحية فهم السوق المحلي واحتياجات المستهلك، مما يقلّل مساهمته في الناتج المحلي ويُضعف مرونته.

 

3.2 كيف يدخل المستوردون الصينيون والاتراك؟: عبر توريد سلع استهلاكية (أجهزة، ملابس، أدوات منزلية، بلاستيك، سيراميك، إلخ) بأسعار منخفضة نسبياً.عبر المشاريع الكبيرة: الصين تُشارك في مشاريع بنية تحتية، طرق، كهرباء، إلخ في العراق، مما يرسّخ وجودها الاقتصادي.عبر اتفاقيات تجارية/استثمارية ربما تُسهّل دخول المنتجات أو الواردات ذات الصلة.غالباً يتم استيراد المنتجات النهائية بدلاً من توجيهها نحو التجميع أو التصنيع المحلي.

 

3.3 ما هي القطاعات العراقية التي تتأثر؟: الصناعات الخفيفة (النسيج، البلاستيك، السيراميك، الأدوات المنزلية): تواجه منافسة شرسة من المنتجات التركية والصينية.التجميع المحلي أو الصناعات الصغيرة التي تعتمد على مواد أولية مستورَدة أو إنتاج محلي ضعيف.التجزئة الاستهلاكية: دخول منتجات رخيصة قد يُضعف العلامات التجارية العراقية أو المحلية.القطاعات التي يمكن لها أن تتطور (كالتجميع أو الانتقال إلى مرحلة تصنيع أعلى) لكنّها مغلقة أو غير محفّزة.

 

رابعاً:  سُبُل حماية الصناعة والاقتصاد العراقي

 

من أجل التوازن بين الاستفادة من الفرص التي توفرها واردات المنتجات الصينية والتركية، وبين حماية الاقتصاد المحلي، يمكن اقتراح ما يلي:

 

4.1 سياسات وتشريعات: 1. تطبيق رسوم أو تعريفات حمائية مؤقتة على المنتجات التي تُشكّل تهديداً واضحاً للإنتاج المحلي، مع تحديد واضح لفئاتها (مثلاً سلع يمكن إنتاجها محلياً بكفاءة).2. فرض معايير جودة على الواردات: لضمان أن المنتجات المستورَدة ليست “جودة منخفضة” وتُضرّ بسمعة السوق، أو تضرّ بالمستهلك (العراقي) أو البيئة.3. إعطاء حوافز للمنتِجين المحليين: مثل الإعفاء الضريبي، دعم الطاقة أو النقل، دعم التدريب، تشجيع التكامل العمودي (من المواد الأولية إلى المنتج النهائي).4. تحديد محتوى محلي (local content requirement) في العقود والمشاريع: عند إدخال منتجات أجنبية، يُشترط نسبة من الإنتاج أو التجميع داخل العراق أو تعاون مع مصنع محلي.5. تطوير مناطق صناعية خاصة أو “مناطق اقتصادية حرة” تستهدف التصنيع في التعاون مع شركاء أجانب (صينيين أو أتراك) ولكن تحت إشراف عراقي، بحيث تستفيد الصناعة المحلية من التكنولوجيا والعمالة، بدلاً من أن تكون مجرد مستهلكة للسلع النهائية.

 

4.2 تنمية القدرات المحلية: 1. دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) لتتمكن من المنافسة، عبر توفير تمويل، تدريب، دعم فني، وربطها بسلاسل التوريد ، مع ضرورة ادخال الذكاء الصناعي في كافة مراحل الانتاج.2. تحسين البنية التحتية الصناعية: كهرباء، نقل، مخازن، شحن، اللوجستيات، لأن ضعفها يُضعف تنافسية المنتج المحلي.3. تشجيع نقل التكنولوجيا والشراكات مع الشركات الصينية والتركية: ليس فقط كموردين، بل كمستثمرين أو شركاء تصنيع محلي.4. رفع كفاءة الإنتاج المحلي: عبر التركيز على الجودة، الابتكار، التصميم، وتخصيص بعض الصناعات لتصديرها إلى الخارج وليس فقط السوق المحلي.5. تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط: الصناعة يجب أن تُصبح من ركائز النمو، لا مجرد استيراد.

 

4.3 التوجهات التجارية والتصدير: 1. استغلال موقع العراق الجغرافي كممرّ تجاري بين الشرق والغرب، وبناء سلاسل توريد صناعية (مثلاً تجميع أو تصنيع منتجات للصين أو تركيا في العراق لإعادة التصدير).2. التفاوض على اتفاقيات تجارة تفضيلية أو شراكات استراتيجية تُراعي حماية الصناعة المحلية، وليس فتح السوق بشكل مطلق.3. تشجيع التصدير المحلي للمنتجات العراقية، وخلق علامات تجارية عراقية منافِسة، حتى لا يُصبح المستهلك مجرد متلقٍ للمنتجات الأجنبية فقط.

 

خامساً:  مقترحات بسيطة وعملية

 

إطلاق “خطة عمل صناعية” وطنية لمدة (5) سنوات تُحدد أولويات التصنيع، السلع التي يمكن إنتاجها محلياً الآن، وتلك التي يمكن التخطيط لإنتاجها لاحقاً.تحديد قائمة “السلع المحمية” – أي المنتجات التي يُفضّل إنتاجها محلياً، ومنحها حماية مؤقتة لمدة (مثلاً 3-5 سنوات) حتى تصل الصناعة المحلية إلى حجم كافٍ.عقد شراكة تجريبية مع شركة تركية أو صينية لتأسيس مصنع تجميع في العراق (منتج مستهلك معروف)، بحيث يُشترط أن 50٪ من المكونات تُصنّع محلياً أو التجميع يتم في العراق.تنظيم حملات توعية للمستهلك العراقي حول أهمية دعم المنتج المحلي – مثلاً وضع شعار “صُنع في العراق” يسوّق له.تحسين منظومة الكمارك واللوجستيات لتخفيض تكلفة الإنتاج المحلي، وتسهيل تصدير المنتجات العراقية، وضمان عدم دخول سلع مخالِفة للمواصفات أو مدعومة بأسلوب يُضرّ بالإنتاج المحلي.

 

سادساً: خلاصة

 

إنّ دخول المنتجات الصينية والتركية إلى السوق العراقي هو واقعٌ لا يُمكن تجاهله، ويحمل معه فرصاً حقيقية من جهة، ومخاطر جدية من جهة أخرى. العراق أمام مفترق: إما أن يكون مستهلكاً للاقتصاد العالمي فقط، أو أن يخطو نحو بناء اقتصاد إنتاجي يمتلك فيه صناعة محلية تنافس وتصدّر. بالتوازن بين الانفتاح والتوجيه الصناعي، يمكن للعراق أن يستفيد من الصادرات الصينية والتركية – ليس كمنافسٍ فقط، بل كشريك أو نموذج لتطوير الصناعة – وفي نفس الوقت أن يحمي مكانة المنتج المحلي ويمنحه فرص النمو.

المشـاهدات 37   تاريخ الإضافـة 19/11/2025   رقم المحتوى 68434
أضف تقييـم