معالجة العنف المتصاعد في العراق : درس من التجربة السويدية
![]() |
| معالجة العنف المتصاعد في العراق : درس من التجربة السويدية |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب أ.د حسين الانصاري |
| النـص :
تشهد الساحة العراقية توسعا مقلقا في ظاهرة العنف، حتى باتت جزءا من تفاصيل الحياة اليومية. هذه الظاهرة ليست طارئة، بل نتاج تراكمات اجتماعية واقتصادية وسياسية امتدت لسنوات طويلة. واذا كان العنف يظهر بأشكال متعددة، من العنف الاسري الى عنف الشارع والمؤسسات، فان جذوره واحدة ويمكن تشخيصها بوضوح وهو جراء ارث الحروب والازمات التي عاشها العراقيون لعقود من الصدمات الجماعية ، خلقت ثقافة خوف وتوتر، وانتجت اجيالا اعتادت رؤية القوة والعنف ضمن المشهد العام. والعامل الأهم هو ضعف تطبيق القانون وغياب الردع الفعلي مما فتح الباب امام انتشار السلوك العدواني، وجعل الاحتكام للقوة بديلا عن الاحتكام إلى الدولة والقانون ، وهناكً أسباب اخرى لارتفاع اهمية في ارتفاع مستوى العنف مثل الضغوط الاقتصادية والبطالة وتراجع مستوى المعيشة، وانعدام الفرص، والقلق المستمر إلى جانب سوء استخدام معطيات العولمة والاتصال الجديد المتمثل بمواقع الـتواصل الاجتماعي ومنصاته ، كلها عوامل تدفع الى الانفجار داخل المجتمع وتفكيك الاسرة . ولعل تراجع دور المدرسة وضعف الثقافة المدنية إلى جانب غياب برامج ترسخ قيم الحوار والتسامح، وعدم تدريب الكوادر على التعامل مع النزاعات، جعل البيئة التربوية جزءا من المشكلة بدلا من ان تكون جزءا من الحل. ولا نغفل ايضا تفكك الروابط الاجتماعية وضعف الحوار داخل الاسرة، وتراجع دور المؤسسات الثقافية والدينية نحو ترسيخ الوعي والتأكيد على النصح والإرشاد بدلا من انغماسها في المناكفات الجانبية والاهتمام بجزئيات لا تبني القيم وتهذب السلوك، كل هذا خلق فراغا قيميا يتيح للعنف ان ينمو. ويتصاعد يوم بعد آخر ولكن كيف يمكن معالجة الظاهرة والحد من آثارها؟ ان التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة يتطلب خطة وطنية لا تعتمد على ردود الافعال، بل على بناء سياسات واضحة للوقاية والتدخل. وتشترك فيها مؤسسات وطنية عديدة لعل في مقدمتها الداخلية والقضاء ،عبر تطبيق القانون بعدالة وحزم. كذلك التربية والتعليم العالي عبر برامج تمنع تفشي السلوك العدواني داخل المدارس والجامعات. ولا ننسى دور الشؤون الاجتماعية والتربويّة عبر تقديم الدعم للاسر المعرضة للانهيار. ولابد ان تساهم المؤسسات الثقافية والاعلامية عبر حملات توعية مستمرة. وبرامج علمية مدروسة كذلك ينبغي ان تنهض منظمات المجتمع المدني عبر برامج شبابية ومبادرات ميدانية تشخص وترصد وتجد الحلول التي ربما تحتاج لفترة طويلة ومكافحة العنف لا يقتصر على دول دون اخرى بل حتى الدول المتقدمة والمستقرة اجتماعياً تبادر إلى ذلك. كما في بلد مثل السويد، رغم كونه بلدا مستقرا، وأمنا يحترم حقوق الانسان بما ذلك ذلك الحق في الحياة، والحرية، والحماية من التعذيب، والتحرر من العبودية والمساواة وحظر التمييز ضد أي شخص بسبب جنسه أو لونه أو ثقافته أو دينه كذلك احترام حرية التعبير وحرية المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية تنطلق فيه سنويا حملات وطنية مثل اسبوع بلا عنف، ( الأسبوع البرتقالي) ويكون بمشاركة واسعة من الشرطة والمدارس والمؤسسات الاجتماعية، للتأكيد ان العنف ليس قضية خاصة بل قضية مجتمع كامل. والدرس الواضح هو ان مكافحة العنف تحتاج دولة قوية وبرامج مستمرة، لا معالجات شكلية. العنف في العراق ليس قدرا. بل هو نتيجة لسياسات ضعيفة ولثغرات اجتماعية يمكن اصلاحها. ما يحتاجه العراق اليوم هو ارادة وطنية تعيد الاعتبار للقانون والتشريعات العادلة ، وتحمي الاسرة، وتنهض بالمدرسة، وتمنح المجتمع فرصة لاستعادة توازنه. ان مستقبل البلاد لن يتغير ما لم تتغير الطرق التي نتعامل بها مع جذور العنف. وحين يدرك الجميع ان الامن قيمة يصنعها الوعي قبل الاجراء، يمكن للعراق ان ينتقل من بلد منهك بالعنف الى بلد يصنع السلام بقراراته، ومسؤوليته، واصراره على التغيير. والتطور والبناء المنشود |
| المشـاهدات 26 تاريخ الإضافـة 22/11/2025 رقم المحتوى 68453 |
توقيـت بغداد









