شربت حجي زبالة… وحقيقة ما يتغيّر
![]() |
| شربت حجي زبالة… وحقيقة ما يتغيّر |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب رياض الفرطوسي |
| النـص :
عجيبٌ هذا الشارع الذي كلّما مررتُ به ظننتُ أنّه يشهق من فرط ما رأى… شارع الرشيد لا يمشي، بل يروي. وكلما دنوتُ من شربت حجي زبالة أحسستُ أنني لا أدخل محلاً، بل أفتح باباً صغيراً لزمنٍ كبير.
أشرب عصير الزبيب، لكن الحقيقة؟ أنا لا أشرب زبيباً… أنا أشرب بغداد.
منذ تأسس هذا المكان في مطلع القرن الماضي، ظلّ قائماً كأنه حجر أساس في ذاكرة المدينة. جدرانه ليست جدراناً؛ هي صفحات مكتظة بصور ملوكٍ زالوا، وجنرالات تبخروا، وانقلابات رجّت البلاد ثم خمدت، وأحزاب صعدت محمولة على ضجيج وهبطت محمولة على خيبة.
كل شيء تغيّر… حتى أسماء الشوارع تبدّلت، والمباني هرمت، والناس صاروا أسرع في النسيان من سرعة الضوء. لكن هذا الاسم — حجي زبالة — بقي واقفاً مثل شجرة عنيدة ترفض أن تنحني للريح.
وهنا تكمن المفارقة: الأنظمة تسقط… الخطابات تُنسى… الوزارات تُقصف أو تُحاصر… والقوانين تتبدّل بوميض قلم… لكن قدح زبيب واحد يبقى شاهداً على كل ما تغيّر، وعلى كل ما لم يتغيّر فينا نحن.
نحن الذين ما زلنا نعيش بثقافة بصريّة سطحية، نلهث خلف المشهد ونترك المعنى على الرصيف. نحن الذين نرى الصور على الجدار ولا نرى ما وراءها: رصاصٌ مرّ من هنا، مكتبات احترقت هناك، مفكرون قُتلوا بصمت، وكتب نُسيت كأنها لم تُكتب. التاريخ كله يلوّح أمامنا، لكن وعينا يقفز فوقه كما يقفز طفل فوق بركة ماء.
ومع ذلك، ثمة شيء صلبٌ في هذه المدينة لا يذوب ولا ينكسر: صوت داخل حسن وهو يخدش القلب بحشرجته. علي الوردي وهو ينحت وعياً عربياً على مقاس العقل لا على مقاس الخطبة. جواد سليم وهو يجعل الجدارية تنبض أكثر من كثير من السياسيين الأحياء. وحجي زبالة… الذي تصادفه فتشعر أنك تلتقي بقطعة من بغداد التي لم تخنك يوماً.
هذه الرموز لم تكن “ديكوراً” في زمن مضى. كانت نوراً صغيراً في وجه العتمة، وكانت تقول — من دون خطب ولا شعارات — إن ما يبقى ليس ما نتباهى به، بل ما يلمس روح المكان.
وهكذا، بينما تبدّل العراق مئة مرة، ظلّ شيء واحد ثابتاً كأنه حجر زاوية لا يتحرّك: فكرة أن الذاكرة الحقيقية لا تتغير… حتى لو تغيّر كل شيء حولها.
عصير الزبيب مجرد مشروب. لكنّ الحقيقة التي يلمع سطحه فوق الطاولة تقول شيئاً أكبر: إن بعض الأماكن تحفظ التاريخ أكثر من الكتب، وإن بعض الأسماء تصمد لأنها لم تُخلق لتنافس أحداً… بل لتذكّرنا بمن نحن. |
| المشـاهدات 49 تاريخ الإضافـة 23/11/2025 رقم المحتوى 68511 |
أخبار مشـابهة![]() |
العتبة العباسية تعلن اسماء الفائزين بمسابقة القصة القصيرة عن السيدة الزهراء عليها السلام |
![]() |
مهرجان البحر الأحمر السينمائي يختار المخرج شون بيكر، رئيساً للجنة تحكيم الأفلام الطويلة
|
![]() |
مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي |
![]() |
معيارية الوعي الفني والسردي في رواية( نصف السماء) للشاعر الراحل ارشد توفيق |
ماذا بعد نجاح الانتخابات النيابية في العراق؟
|
توقيـت بغداد








