الخميس 2025/12/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 7.95 مئويـة
نيوز بار
فتح باب الترشح للإطار التنسيقي بين إملاءات الواقع وإرادة التغيير
فتح باب الترشح للإطار التنسيقي بين إملاءات الواقع وإرادة التغيير
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علاء الطائي
النـص :

 

 

 

في مشهد سياسي كان يعاني من هشاشة الشرعية الناجمة عن عزوف انتخابي قياسي وبعدما اندملت جروح القطيعة بين الجمهور والمؤسسة السياسية إرتفع  صوت "الإطار التنسيقي" كأكبر كتلة برلمانية ليعلن عن خطوتين تبدوان منطقية. فتح باب الترشح لرئاسة الوزراء وتشكيل لجنتين إحداهما لدراسة سير المرشحين   والأخرى صياغة التحالفات السياسية. هذا القول في ظاهره يحمل بذور أمل لمن يطمح برؤية عمل سياسي مؤسسي يستند إلى الكفاءة والمعايير. ولكن في واقع الحال فإن الممارسات على الأرض تروي قصة أخرى مختلفة تماماً.إن هذا التناقض بين "القول" و"الفعل" ليس مجرد هفوة تكتيكية عابرة بل هو تعبير جوهري عن أزمة بنيوية في الثقافة السياسية السائدة. إنه الصراع الخفي بين "إملاءات الواقع" المحاصصة القائم على حسابات القوى والزعامات وبين "إرادة التغيير" التي تتطلع إلى مأسسة العمل السياسي وتحويل الإطار من تحالف انتخابي ظرفي إلى مؤسسة استراتيجية قادرة على قيادة الدولة.

 

الشرعية القوية ومسؤولية البناء.

 

لا يمكن تحليل هذا التحرك بمعزل عن البيئة التي أفرزته. فتحقيق كتلة الأغلبية في ظل مشاركة جماهيرية واسعة ونسبة إقبال عالية يمنحها شرعية متجذرة تستمد قوتها من إرادة ناخبين فعليين وأرضية شعبية واضحة.في مثل هذه البيئة يصبح التركيز موجهاً نحو ترجمة هذه الشرعية القوية إلى برامج عمل ملموسة وتعزيز المكاسب عبر حوار مجتمعي واسع وليس عبر مناورات ضيقة. القاعدة الراسخة تتيح هامشاً للمناورة السياسية البناءة لكنها في الوقت نفسه تفرض مساراً شفافاً يهدف إلى توسيع دوائر التأييد وتعزيز الثقة بدلاً من الاضطرار إلى تعويض أي نقص في المشروعية.إن محاولة خلق "وقائع جديدة" على الأرض وفرض مرشح بعينه تحت ذريعة القدرة على إدارة التحالفات متجاوزة بذلك المسار الجماعي الذي كان من المفترض أن يضفي شرعية وديمقراطية على عملية الاختيار.

 

المؤسسة الشكلية ونهاية وهم الإصلاح.

 

هنا تكمن المأساة الحقيقية. فقبل أسابيع قدمت نخبة عراقية أوراقاً مفاهيمية تدعو إلى تحول الإطار إلى مؤسسة استراتيجية ووضع معايير موضوعية لاختيار رئيس الوزراء. وكان رد فعل القيادات ظاهرياً إيجابياً بل وبدا أنهم يتبنون هذه اللغة عندما أعلنوا عن فتح باب الترشح وتشكيل اللجان. ولكن ما إن بدأت عجلة التحالفات بالدوران حتى تبخرت كل تلك المبادئ أمام "الحسابات الواقعية" وصراعات النفوذ الداخلية. وعليه يشكل هذا التجاوز ضربة قاصمة لفكرة "المؤسسة" ذاتها. فهو يرسل رسالة واضحة مفادها أن الآليات المؤسساتية ما هي إلا ديكور جميل يُستخدم حيناً ويُهمل حيناً آخر وأن القرار الحقيقي يتخذ في الغرف المغلقة بناءاً على موازين القوى داخل التحالف وليس بناءاً على معايير الكفاءة أو المصلحة العليا. إنه إعلان عن أن "خطة باء" الاستثنائية التي لجأ إليها الإطار في دورات سابقة لم تكن استثناءً بل هي القاعدة التي تطفو على السطح كلما دعت الحاجة.

 

ما العمل؟

 

استعادة المبادرة من براثن الفوضى في مواجهة هذا المشهد لا يجوز للنخب الوطنية والمهتمين بمصلحة العراق أن يقفوا موقف المتفرج. إن إنقاذ الموقف يتطلب تحولاً من النقد إلى تقديم البدائل العملية القابلة للتطبيق ١. المطالبة بالتفعيل العلني للمعايير. يجب الضغط لإجبار لجنة الاختيار على الإعلان العلني عن معايير مفصلة وقابلة للقياس "كفاءة إدارية مثبتة سجل نزاهة رؤية اقتصادية وأمنية واضحة".  وأن يتم تقييم كل مرشح بمن فيهم من أعلنوا  ترشحهم  مسبقاً أمام هذه المعايير بشكل شفاف. ٢. ربط المصادقة بالمسار المؤسسي. على الكتل والقوى السياسية الصغيرة داخل الإطار التنسيقي أن تعلن رفضها المصادقة على أي مرشح لم يمر عبر آلية الاختيار الجماعي بشكل نزيه وكامل ولم يقدم برنامجه للجمهور. هذه قوة ضغط حقيقية يمكن أن تحد من التحركات الأحادية. ٣. تحويل "فتح الباب" إلى عملية حقيقية.  الدفع نحو جعل عملية الترشح منافسة علنية حول البرامج والأفكار وليس مجرد استقبال لسير ذاتية تتبعها مساومات خلف الكواليس. ولاضير من دعوة المرشحين – بما فيهم قادة الإطار التنسيقي إلى مناظرات علنية أو جلسات استماع تشرح فيها رؤيتها وكيفية تحقيقها.خلاصة القول إن الإطار التنسيقي اليوم أمام مفترق طرق تاريخي. إما أن يستمر في منطق "إملاءات الواقع" القصير المدى الذي ينتج حكومات ضعيفة ومشروعات دولة متعثرة أو يلتفت بجدية إلى "إرادة التغيير" الطويلة المدى فيعطي مثالاً نادراً في السياسة العراقية بتفضيل المصلحة العليا والمؤسسة على المصالح الضيقة والزعامات العابرة. الخيار الأول سهل ومألوف لكنه يقود إلى الهاوية. أما الخيار الثاني فهو صعب وشائك لكنه السبيل الوحيد لاستعادة ثقة العراقيين وبناء دولة تستحق الاسم.

المشـاهدات 26   تاريخ الإضافـة 04/12/2025   رقم المحتوى 68652
أضف تقييـم