الثلاثاء 2025/12/9 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي: قرب الخشبة وبعيدًا عنها
مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي: قرب الخشبة وبعيدًا عنها
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب وائل سعيد
النـص :

 

 

 

على مدار خمسة أيام، أقيمت النسخة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، الذي امتدت فعالياته من الخامس والعشرين حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر. حملت هذه الدورة اسم الفنانة إلهام شاهين، بعد فترة وجيزة من إطلاق اسمها على الدورة التاسعة والثلاثين من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، كما تم تكريمها في المهرجان القومي للمسرح ضمن مكرمي الدورة الرابعة عشرة.بهذا تواصل شاهين حضورها المكثف في أجندة المهرجانات الفنية، حتى أصبحت واحدة من أكثر الأسماء تكرارًا خلال السنوات الأخيرة. وربما زادت إدارة المهرجان الشبابي هذا العام جرعة الاحتفاء بصورة لافتة؛ فإلى جانب الجاليري الذي ضم أفيشات وصورًا وبعض الملابس من أعمال سابقة، لم تغب شاهين عن المشهد، ولا عن الشاشات بالأخص، طوال أيام المهرجان، الأمر الذي بدا أقرب إلى استراتيجية منه إلى تكريم.وقد أثار المهرجان حالة واسعة من الجدل عقب انعقاد المؤتمر الصحافي للكشف عن فعاليات الدورة الجديدة، بدأت بانتقادات موجهة للإدارة على اختيار يسرا في مقدمة المكرمين لهذا العام، وحصولها على درع سميحة أيوب التقديري، لا سيما ومشوارها الفني يخلو من "رصيد مسرحي حقيقي"، كما علق البعض. على صعيد آخر، اعترض قطاع واسع من المسرحيين على كتابين من إصدارات الدورة العاشرة، وهما "مسرح الألفية الثالثة... قراءة في تجارب أبرز المخرجين الشباب"؛ من بينهم مازن الغرباوي، رئيس المهرجان، فيما يأتي الكتاب الثاني بعنوان "النقد الشبابي في مصر... قراءة وتوثيق لأكثر من 30 ناقدًا شابًا".كان الاعتراض على الكتابين أنهما لم يلتزما بالجمع الدقيق أو منهجية الاختيار العلمي، سواء في تسجيل التجارب أو في اختيار الأسماء، حيث تجاوز عدد منها سن الخمسين على سبيل المثال، رغم أن الهدف المفترض كان يقتصر على رصد التجارب الشبابية. أما بالنسبة ليسرا، فقد جاء الجدل مضاعفًا؛ إذ كانت الدورة الثامنة لمهرجان الجونة السينمائي قد احتفت قبل نحو شهرين بتكريمها بمناسبة مرور خمسين عامًا على مشوارها الفني، الذي على الرغم من امتداده اقتصر على السينما في المقام الأول، يليه الدراما، حيث لم تشهد خشبة المسرح وقوفها كممثلة إلا في حالات نادرة، من بينها "كعب عالي" 1996 و"لما بابا ينام" 2002.هذا التوجه اللافت لهذا النوع من التكريم، لا يعكس مجرد احتفاء فردي، بقدر ما يكشف عن نمط أصبح يشكل هوية غالبية المهرجانات المصرية، ما يثير التساؤلات حول معايير الاختيار وحدود التوازن، في ظل آلية التسويق المستحدثة بين المهرجانات، المسرحية منها بالأخص، بالاستعانة بنجوم الشاشة الكبيرة لجذب الإعلام والجمهور، معًا.قبل عامين تابعنا واقعة مشابهة في الدورة الثلاثين لمهرجان القاهرة للمسرح التجريبي، حين اختيرت ليلى علوي للتكريم قبل أن تعتذر بسبب ما أثير حول أحقيتها. حينها دافع مدير المهرجان، الممثل أيمن الشيوي، عن هذا التوجّه باعتباره جزءًا من أدوات الترويج، معلقًا: "لنعتبر نجمتنا قطعة الكريم شانتيه على تورته التجريبي". كذلك احتفت دورة العشرية بعدد من الأسماء من بينهم: هاني رمزي، صابرين، محمد رضوان.

 

ديالوج لا ينتهي

 

خلال العقد المنقضي، كان المهرجان يخطو في كل دورة خطوة أوسع من سابقتها. في عام 2019 مثلاً، استضاف المسرحي العالمي يوجينو باربا لتقديم سلسلة من المحاضرات عن مدرسته في فن الأداء والتنظير المسرحي. يحتل باربا مكانة عالمية تترجم إلى أرقام إذا ما حل ضيفًا على أي مهرجان. مع هذا قبل الاستضافة بدون أن يتقاضى أجرًا، حتى تذكرة سفره، إيمانًا منه بدور المسرح الشبابي، وهو ما يقوم به معظم الضيوف والمكرمين في المهرجان سواء على نحو فردي أو من خلال بروتوكولات تعاون مسرحية دولية.هذا العام، وبالتعاون مع منصة Ncader وشركة عين للإنتاج الفني، أطلق المهرجان مسابقة جديدة لاكتشاف الوجوه الصاعدة، لذلك، كان على لجنة التحكيم مشاهدة جميع العروض المشاركة لاختيار مجموعة من الفائزين الشباب، تمهيدًا لانضمامهم لاحقًا إلى أعمال تُنتج عبر المنصة، كأول تجربة مصرية متخصصة في دراما الموبايل، أو الميكرو دراما.

 

فضاء لسيمفونية مفتوحة

 

منذ آلاف السنين، خرج الفن المسرحي من داخل جدران المعابد والأماكن المخصصة للعبادة، حيث استخدم الكهان ورجال الدين القدامى الفعل المسرحي - متمثلاً في ظواهره الأولى- لأداء الطقوس الدينية، وذلك بالاعتماد على ثلاثة عناصر رئيسية: الحركة والكلمة والصوت الذي ينقسم بدوره إلى أغنيات وموسيقى حتى وإن كانت في صورة أناشيد وتراتيل أو ابتهالات دينية. من هنا لم يكن من الغريب أن تنشأ علاقة وثيقة بين الموسيقى وخشبة المسرح، أفرزت العديد من ألوان الدراما الموسيقية بداية من التراجيديات اليونانية وعروض الأوبرا وحتى المسرح الهزلي. ومن المعروف أن أي عرض مسرحي يهدف إلى تحقيق أقصى جماليات التداخل والتكامل بين أنواع فنية كان بوسع المسرح "أبو الفنون"، صهرها وإعادة تشكيلها من جديد فوق خشبته.لا شك في أن الموسيقى تحتل الصدارة وسط ذلك الكرنفال، ليس على مستوى المسرح فحسب بل كعنصر وضيف دائم مع جميع الفنون الأخرى، حتى إن السينما في مهدها لم تجد أفضل من الموسيقى لمصاحبة الأفلام وقت العرض لتعويض غياب الصوت، وكيف لا، وهي لغة التواصل الأولى عالميًّا.من الموضوعات الهامة والمتميزة التي عالجتها الورش الفنية هذا العام، تأتي ورشة "حول المسرح الموسيقي"، قدمها من جورجيا المخرج والملحن الشهير ديفيد سكفارلدزه، الرئيس الحالي للمركز الوطني الجورجي. تتلمذ سكفارلدزه على أيدي عدد من الأسماء العالمية من بينهم المخرج البريطاني بيتر بروك، كما يُنسب له تطوير لغة إبداعية خاصة للمسرح الموسيقي في جورجيا، يقول ديفيد: "أميل إلى سماع العالم لا مشاهدته، فالحياة من حولنا سيمفونية مفتوحة".إلى جانب هذا، قدم المهرجان في دورته الجديدة خمس ورش مسرحية، ثلاث منها عن الدراما "بناء الشخصية الدرامية، مفهوم الشخصية الدرامية والفرق بين الأداء المسرحي والسينمائي، الدراما للأطفال"، كذلك حظى مسرح الناشئة بورشة "التراث وأثره على مسرح الطفل والمسرح المدرسي". بخلاف ورشة أخرى عن "الارتجال بين التعلم والفطرة الإنسانية"، جاءت ورشة المخرج الأميركي سكوت تروست كإحدى أقدم الورش في البرنامج، حيث استكمل فيها ما كان قد بدأه في عدد من الدورات السابقة حول "مبادئ طريقة مايزنر في فن الأداء التمثيلي".فيما تنافس على جوائز دورة اليوبيل البرونزي، عشرون عملاً مسرحيًّا، تمثل أكثر من اثنتي عشرة دولة عربية وأجنبية، تنوعت هذه العروض بين المسرح الجماعي والفردي ومسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية، إلى جانب مسرح الطفل، الذي شهد أربع مشاركات وهي: "الجميلة والوحش – مصر، بيوتي – روسيا، حماة الأرض – تونس، الفأر الخياط – الجزائر"، وذهبت الجائزة إلى العرض الأول، كأفضل عرض متكامل، كما حصل العرض التونسي على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

 

عروض وجوائز

 

نجحت غالبية العروض هذا العام في تقديم وجبة متكاملة، ضمت مختلف التوجهات والرؤى للأساليب المسرحية المعاصرة، ما يسمح بالتأمل في تقاطعات هذا المسرح وراهنه، سواء عن طريق الجمع بين التقاليد والابتكار أو من خلال معالجة قضايا إنسانية معاصرة، على طريق تتلاقى فيه هموم الإنسان مع استفساراته الوجودية، إلى جانب هشاشة العلاقات وتناقضات المجتمع، حينئذ، تغدو الخشبة أقرب إلى مساحة للاختبار، تُستكشف بأساليب متباينة يسعى كل منها إلى ابتكار صيغة خاصة للحوار مع جمهوره.كما شهد برنامج العروض، الليالي الأولى لعشر مسرحيات في عرضها الأول، فيما شاركت مصر بأربعة عروض، استحوذ معظمها على جوائز الدورة؛ فبخلاف جائزة مسرح الطفل، حصدت مسرحية "الأولاد الطيبون يستحقون العطف"، إخراج محمد أيمن، ثلاثًا من جوائز مسابقة مسرح الشارع والفضاءات غير التقليدية. البداية كانت مع جائزة الجمعية العمانية للمسرح لأفضل عرض متكامل، فيما حصل كل من نوار سامح وعبد الرحمن مصطفى على جوائز التمثيل. في السياق نفسه، نال حسن منصور جائزة التمثيل عن دوره في العرض السعودي "الرجل الأخير"، إنتاج جمعية ضوء للمسرح والفنون الأدائية، كذلك حصلت آنا بوغوسيان من أرمينيا على شهادة تميز في التمثيل عن دورها في مسرحية "مخاطرة".لا يتعامل عرض "ماسح الأحذية"، (قطر/ تونس)، مع الخشبة بوصفها مجرد منصة للحكي، بل يشيد فوقها طقسًا جنائزيًا يُعرّي المعاناة الوجودية للضعف الإنساني أمام حقيقة الاغتراب. يأتي العرض في صيغة مونودراما كتبها القطري خالد الجابر، وأخرجها حافظ خليفة في أولى تجاربه في مسرح المونودراما، إلى جانب وضعه للسينوغرافيا، بينما قدمها على الخشبة الممثل التونسي محمد علي العباسي، في حضور لافت. يتمتع النص بمرونة مكنته من توظيف الإضاءة والتقنيات الرقمية في بناء السينوغرافيا، ومن ثم تحويل الخشبة إلى فضاء تفاعلي تتقاطع فيه الذاكرة الشخصية مع الذاكرة الجمعية.استند الكاتب إلى قصة حقيقية رواها له أحد ماسحي الأحذية في إسطنبول، وكان في السابق يعمل أستاذًا جامعيًا قبل أن تضطره الظروف إلى المهنة التي تشكل قلب العرض، وتصنع من الراوي عرافًا يستهل حديثه إلى الجمهور قائلًا: "أستطيع معرفة ما يدور في أذهانكم من خلال الأحذية التي تنتعلونها"، لينطلق بعد هذا في جولة سردية تؤمن بأن "لكل مقام حذاء" مؤكدًا على أن كل حذاء يروي قصة، وفي ذلك ستعرض أشهر أحذية التاريخ بدءًا من حذاء السندريلا وحذاء أبو القاسم الطنبوري، الذي عاد بخفي حنين، ثم حذاء موسى حين أمره الله بخلع نعليه في الوادي المقدس، منتقلاً إلى السيد المسيح الذي أمر الحواريين بخلع نعالهم في العشاء الأخير.ومع توالي الحكايات، تتكشف فلسفة العرض خصوصًا حين يصل به المطاف إلى أحذية جنود الاحتلال، "التي تسحق المقاومين في كل مكان"، كما يقول، قبل أن يصل في نهايته إلى خلاصته الساخرة معلنًا: "الحذاء هو بيت الداء". حصل العرض على جائزة الرئيس الفخري للهيئة الدولية للمسرح، محمد سيف الأفخم، كأفضل عرض متكامل في مسابقة المونودراما، كما نال العرض السعودي جائزتين من نفس المسابقة، الأولى جائزة لجنة التحكيم الخاصة لبلدية ظفار، فيما حصلت أفنان عبد السميع الخضر على جائزة مسابقة المواهب. تُجسد أفنان شخصية كاتبة روائية تحاصرها الذكريات داخل مكتبتها. النص من تأليف عهود القرشي، وإخراج تركي باعيسى.تستعد إدارة المهرجان حاليًّا، لوضع برنامج الدورة القادمة، ولكن بشكل مغاير، يجمع بين العروض التجارية المدفوعة والعروض الجماهيرية، على غرار مهرجان أفينيون العالمي، أحد أعرق المهرجانات المسرحية في العالم، على أن تمتد الفعاليات لعشرة أيام، مع طموح بأن يتحول الحدث مستقبلًا إلى شهر كامل، أسوة بنموذج أفينيون، كما أعلن رئيس المهرجان في ختام الدورة، مشيرًا إلى أن مصر ستحل ضيف شرف دول البحر المتوسط في النسخة المقبلة من المهرجان الفرنسي.

المشـاهدات 34   تاريخ الإضافـة 09/12/2025   رقم المحتوى 68723
أضف تقييـم