الأربعاء 2025/12/17 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 7.95 مئويـة
نيوز بار
بِدونِ عَلاقةٍ
بِدونِ عَلاقةٍ
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب م. حسين زين العابدين الشيخ عبوش
النـص :

 

 

أَصبَحنا نَرى في كُلِّ زاويةٍ مِنَ المُجتَمَعِ أُناساً مُتَكَلِّفينَ، يُبالِغونَ في إِظهارِ ما لا مَعنى لَه. فَمَثلاً: ما عَلاقةُ القَهوةِ بالإبداعِ؟ وما عَلاقةُ الإنكليزيّةِ بالثَّقافةِ؟ وما عَلاقةُ الكافيهاتِ الحَديثةِ بالكِتابةِ والشِّعرِ؟ وما عَلاقةُ المَلبَسِ بالعِلمِ؟  ومَن يَزعُمُ أنَّ لهذهِ المواضيعِ صِلةً بَعضُها بِبَعض، فَليتَأمَّلِ الماضي القَريب؛ فَلَم نَرَ مَعرُوفَ الرُّصافي والزَّهاوي في كافيهٍ يَكتُبانِ فيه، بَل كانا يَجلِسانِ في المَقاهي مَع عَوامِّ النّاسِ مِنَ البُسطاءِ، لِيَنقُلا تَجرِبةَ الحَياةِ. هُم والكُتّابُ الكِبارُ مِن أَمثالِ نَجيب مَحفوظ والعَقّاد.  لكن المُشكِلةَ أنَّنا اكتَفَينا بِقُشورِ الأُمورِ، فَشَغَلنا أَنفُسَنا بِنَوعِ الوَرَقِ والقَلَمِ أَكثَرَ مِنَ المَضمونِ، واهتَمَمنا بِأشكالِنا مِنَ الخَارِجِ أَكثَرَ مِنَ عُقولِنا مِنَ الدّاخلِ وتَطويرِها وتَغذيتِها.  فَتَرى الآنَ الكاتِبَ الفُلاني بِبَدلَةٍ رَسميّةٍ تَصِلُ إِلى أَلفِ دُولارٍ سِعراً، والكاتِبةَ العَلانِيّةَ الّتي لَم تَترُك عَمليّةَ تَجميلٍ إِلّا أَجرَتها على نَفسِها، وهي لا تَصِلُ إِلى رُبعٍ أو عُشرٍ مِمّا كانَت عَلَيهِ الكاتِباتُ مِن أَمثالِ نازِكِ المَلاِئكة ولَميعةَ عَبّاس عَمارة، تِلكَ الّتي كانَت فَتاةَ أَحلامِ مُعظَمِ الشُّعراءِ.  إنَّ اهتِمامَنا المُبالَغَ بِالشَّكليّاتِ انعَكَسَ سَلباً على إِنتاجِ عُقولِنا، الّتي اضمَحَلَّ وَعيُها تَحتَ تَأثيرِ البَهرَجِ والمُبالَغةِ والتِّكنولوجيا، الّتي حَرَمتنا مِنَ المُعاناةِ والشُّعورِ بإحساسِ الآخَرِ مِنَ الفُقراءِ والبُسطاءِ. فَأَصبَحنا نَعيشُ في إِعاقةٍ فِكريّةٍ أَصابَت إِبداعَنا في الكِتابةِ والتَّأليفِ بِشَلَلٍ تامٍّ وتَلفٍ في إِيصالِ الفِكرةِ المُركَّزةِ الّتي تَنقُلُ الأَحاسيسَ عَبرَ الكَلِماتِ إِلى القارِئِ، مِمّا خَلَقَ فَجوةً بَينَ الكاتِبِ والقارِئِ لا يُمكِنُ أَن تُسدَّ إِلّا إِذا استَطاعَ المُبدِعُ أَن يُجرِّدَ نَفسَهُ مِن كُلِّ المَظاهِرِ المُبالَغِ فيها، ويَنزِلَ إِلى قاعِ المُجتَمَعِ لِيَعيشَ حَياتَهُ في وَسَطِ النّاسِ الحَقيقيّينَ، ويَستَفيدَ مِن تَجرِبتِه في وَسَطِهِم.  يَرى كُلَّ الأُمورِ بِوُضوحٍ: طَيبتَهم وقُسوتَهم، مُكافَحتَهم لِإنهاءِ اليَومِ بِأَقَلِّ خَسارةٍ، فَرحَةَ الآباءِ المُحمَّلينَ بِأكياسِ المَسواقِ إِلى المَنزِلِ، وسَعادةَ الأَبناءِ بِالحَلويّاتِ الّتي اشتَراها لَهُم. وُجوهَ النِّساءِ الّتي رَسَمَت عَلَيها الحَياةُ القاسيَةُ والحاجَةُ مَسحَةً مِن حُزنٍ، وعُيوناً نِصفَ مُغلَقةٍ وكَأنَّها تُريدُ أَن تُقفِلَ.  هَذهِ الأُمورُ هِيَ الّتي تَصنَعُ المُبدِعَ، ولَيسَ المَلابِسُ الّتي يَرتَدونَها لِيُغطّوا نَقصَهُم العِلميَّ، ولَيسَت عَمليّاتُ التَّجميلِ الّتي تَجعَلُ مِنَ النِّساءِ مَحوَراً لأُمورٍ أَبعَدَ ما تَكونُ عن الإبداعِ.  نَحنُ بِحاجَةٍ إِلى تَصفِيَةٍ وعَزلٍ لِكُلِّ ما يُسبِّبُ السَّطحيّةَ مِنَ الأَفكارِ والاهتِماماتِ لِلكاتِبِ الّذي يُريدُ أَن يُطلَقَ عَلَيهِ مُبدِعٌ، كما نَحتاجُ إِلى أَمانَتِه في نَقلِ مَواضيعِ كِتابتِه بِكُلِّ أَمانَةٍ وحِياديّةٍ، لأَنَّ ما تَكتُبُهُ الآنَ هُوَ تاريخٌ سَوفَ يُدرَسُ فيما بَعدُ.

المشـاهدات 54   تاريخ الإضافـة 15/12/2025   رقم المحتوى 68953
أضف تقييـم