أستمع منذ فترة للروائي والكاتب العراقي أحمد السعداوي وهو يقدم حلقات مصورة في اليوتيوب عن الفن والتاريخ الفني والثقافي العراقي، وأسعدتني حلقته عن أسطورة محاولة عباس بن فرناس الطيران، تلك الأسطورة الوهم التي قرأناها في مناهجنا الدراسية وشاهدناها في السينما العربية بشكل عام والعراقية بشكل خاص.ويتوصل كاتبنا السعداوي من خلال حفرياته في كتب التاريخ والسير إلى أن عباس بن فرناس من موالي الأمويين الذي كُتب عنه أكثر من مؤرخ بأنه عالم فلك وله اهتمامات فلكية، غير أن قصة محاولته الطيران بوضع ريش على ذراعيه لم يذكرها سوى المؤرخ ابن خلكان في القرن الثاني عشر الميلادي، أي بعد وجود عباس بمئات السنين، وجميع من ذكر هذه الأسطورة رجعوا لهذا المصدر الذي انفرد بتوثيق هذه القصة، مما يرجح أنها من وحي خيال من أخبر ابن خلكان بها!ورغم هذه الخرافة فإن الفكر القومي في الوطن العربي افتخر بها في القرن الماضي وحاول أن يجعل من سرديتها مفخرة من مفاخر التاريخ العربي!لذا خُلّدت في أكثر من بلد عربي بتمثال ونصب ولوحة، فسميت باسمه الساحة المحاذية لمطار بغداد الدولي مثلا باسمه، وطالما مُنعت سيارات الأجرة التي تحملنا إلى المطار من تجاوز هذه الساحة إلى باب المطار واستقلينا سيارة أجرة شركات الطيران والأحزاب والمسؤولين مقابل أجرة خمسة عشر ألف دينار عراقي لقاء نقلنا أمتارًا قليلة!وبقينا نستبشر إلغاء هذا الروتين فترة ونحزن عند عودته فترة أخرى، كل ذلك لعيون حجي عباس بن فرناس الوهمي!نتمنى من القائمين على إدارة بلداننا عدم المساهمة في ترجمة وهم التاريخ والاستعانة بالمحققين والكتاب في معرفة تاريخنا الحقيقي وتعليمه للأجيال، والأهم أن تستمر سيارات النقل في إيصالنا لباب المطار ولا تجعلنا ندفع عدة آلاف الدنانير كي ينقلنا صاحب السيارة المأجور من قبل الدولة وسط بهذلتنا نحن وحقائبنا وإخراج جمال السفرة من خشومنا مقدمًا كما يقول العراقيون!