خطاب السبي .. وخطاب ما بعد استعمار الجسد
قراءة في رواية (حب في ظلال طاووس ملك)![]() |
| خطاب السبي .. وخطاب ما بعد استعمار الجسد قراءة في رواية (حب في ظلال طاووس ملك) |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص : ولاء الصوّاف صوت المطر المنهمر على السطوح وعلى سفوح قباب المزارات، في عالم مثالي، عالم ميتافيزيقي خالٍ من الأدران عالم من نور وضياء لا يمسسه سوء تلك هي قرية بحزاني الأيزيدية، حيث تدور أحداث رواية (حب في ظلال طاووس ملك) للروائي العراقي حمودي عبد محسن والصادرة عن بيت الكتاب السومري 2017م، إذ تبدأ في وصف الموجودات من النباتات والحيوانات والجمادات، والإتيان على أدق التفاصيل في وصف الحياة والاندماج مع الطبيعة في المجتمع الأيزيدي، وتكوين كتلة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، العلاقة الوطيدة مع الحيوانات الأليفة وكأن بعضها يفهم لغة بعض.. الطبيعة البشرية المسالمة وممارسة الحرية بأبهى صورها، مدن وجماعات تعيش على مبدأ الفطرة الأولى، الفطرة التي مازالت نافذة في رؤية الأيزيديين وفي عقولهم، وايمانهم بتجدد الحياة، والتأكيد على الولادة المتكررة لهم متمثلة في نقائها منذ الخلق الاول، حتى يخيّل للمتلقي بأنها مثال المدينة الفاضلة مدينة المثل العليا وهي تعطي درساً في النقاء والسمو، مدينة يوتوبيا خالصة، تلقي بظلالها على الموجودات، والتي شهدت قصة حب مثالية بين هنار وميرزا في زمن مضى عليه قرابة مئة عام، ومن خلالهما يقوم الروائي باستعراض طبيعة الشعب الأيزيدي، البنى المجتمعية والروابط الحاكمة فيه، نمط عيشه، الطقوس والعبادات والمسميات الدينية، كاشفا عن كلّية التفاصيل في الديانة الأيزيدية والموروث الشعبي بشكل مكثف وبقدرة كبيرة عن طريق الفتى ميرزا والفتاة هنار، بوصفهم المثال للشعب الأيزيدي ورمزاً للتضحية ومزارهما قبلة للعاشقين. هذه الجماعات المنتمية للمثل العليا الافلاطونية أدركت أنها تعيش ضمن جغرافية واسعة تضم مدن كابوسية مدنسة، مدن ديستوبيات متعددة بانماط وسياسات مختلفة- اطلاق اسم المدينة بمعنى الدولة- وعليه هذه التجمعات أخذت الحيطة والحذر لمقاومة ضغط الديستوبيا عليها والحفاظ بما أمكن على يوتبياتهم الخاصة بهم والعيش في محيط منعزل.. " كان جده دائما يغرس فيه حب الآخرين، الجمال والتآلف مع البشر، لتكون روحه دائما نظيفة صادقة، وهو يكرر دائمًا بعد كل حكاية: كن مثل وجه الخبز يا ولدي" الرواية ص11.
اذن هو صراع غير خفي بين اليوتوبيا والديستوبيا صراع الخير والشر، الرذيلة والفضيلة، صراع المصالح والاستحواذ على المقدرات الاقتصادية للآخر.. محاولة ردع الدستوبيا القاسية الصلدة الخشنة بنعومة اليوتوبيا وهشاشتها ورقّتها.. تأتي الرواية على وصف الأمور الدينية والمعاشية، الصلوات والتراتيل، لتؤكد على قدم الديانة الأيزيدية الضاربة في العمق، منذ مرحلة طفولة البشر، في البدء وعند التكوين الأول، وللتأكيد على أن البحزاني الايزيدي ضارب في العمق التكويني فمنذ أن تخلت الأم الكبرى عن الإلوهية لصالح الذكر كانوا موجودين وقتها. يحاول الروائي اظهار المشتركات بين الديانات الرافدينية القديمة وبين الديانة الأيزيدية، وإنها كانت على تماس مباشر معها، وكلاهما تعرض للمسخ والتشويه من قبل التجمعات البشرية الأخرى المستعمِرة لهم وفرض نمط عبادي ديني جديد عليهم فمنهم من تحوّل تدريجيا الى عبادة الإله الجديد ومنهم من ظل ايمانه راسخا بإلاهه ومعتقده فبقي محافظا عليه وكتمه في صدره محاولا ابقائه نقيًا من غير سوء، وهذا ما نلاحظه في الديانة الايزيدية فهناك مسميات باقية في الصدور جاء الروائي على ذكرها من مثل، "عيد اكيتو البابلي ودخول تموز الى العالم السفلي ثم صعوده الى الأرض ونزول طاووس ملك من الأعلى لتخضر الحياة" .. الرواية ص 79. صلاة الشروق، صلاتهم تبدأ باسم ازدان المقدس الرحيم، احتفال رأس السنة (سر سالي) في أول أربعاء من شهر نيسان، القوالون الذين يحفظون الأدعية والأعياد عن ظهر قلب، عزف ناي القوال الكبير يدعوهم للنهوض في الفجر، مصحف رش، مراحل نشوء الكواكب وخلقها وتحولاتها التاريخية، ((الكوجك) (المستبصر)) ، صوت الاجراس، صوت الاذان، عزف الناي، " موكب الإله نابو القادم من معبد أيزيدا في سيبار على ضفة نهر الفرات .. التي كانت تواجه أسوار بابل" الرواية ص 80. هذه الجماعات العرقية وقعت تحت تأثير البطش والانتهاك، تحت تأثير الإبادة والسبي واستعمار الجسد، الاستعمار بمسمياته المختلفة مارس أشد أنواع القسوة اتجاههم، بطش السيف بهم قرابة 800 سنة، "هكذا دبر مكيدة بمكر ودهاء تمكن بها ان يستدرج شيخ الأيزيدين (الشيخ حسن) ثم حبسه في القلعة وقتله خنقا بوتر عام 1246" الرواية ص 314 . الخطاب الاستعماري الذي تم فرضه بحد السيف لنشر التعاليم والقيم الجديدة، خطاب السلطة الغاشمة الذي تم انفاذه في بنية المجتمع الأيزيدي في محاولة لإذابة هويته ودمجه في مجتمعها وفق نواميسها وعاداتها وديانتها، وطمس لغته وتهجين خطابه وبث معطيات دخيلة على حياته، أدى إلى نشوء حالة الإنكفاء على الذات والتمترس حول الجسد وهذه الحالة ليست وليدة اللحظة بل غائرة في القدم، جعلت المجتمع الأيزيدي منغلقاً على ذاته له خطابه الخاص، لكن في كل مرة يتعرض فيها إلى الاستعباد والسبي. بعد التحرر من استعمار السيد للجسد وخطاب السيد للعبد، خطاب العواء البشري على امتداد عمره الزماني والمكاني، يبرز الخطاب الأيزيدي المضاد، خطاب ما بعد استعمار الجسد، كرد فعل طبيعي لما مورس ضده في السابق، خطاب البقاء في مواجهة خطاب المحو، ومحاولة رد الاعتبار والرجوع إلى الهوية الأصيلة والتخلص من الهيمنة وفرض القرار واظهار المكنون الثقافي القديم الذي غيّب عن قصد في محاولة محوه من الذاكرة واستبداله بمنظومة فكرية جديدة، أُجْبِرَ العبد المستعمَر على التفاعل معها وعيشها بوصفها الخطاب الأقوى المفروض من قبل السيد المستعمِر، مع ملاحظة أن خطاب العبد ما بعد الاستعمار في أغلب الأحيان هو خطاب غير خالص بالضرورة، وربما يكون تبعيًا غير مؤثر فعليا بوصفه خطاب الهامش، أو ربما هو خطاب هجين حسب (هومي بابا) ، وهناك تجمعات بشرية ما زالت تحت الخطاب الاستعماري لم تتحرر منه بسبب الذوبان فيه كوحدة اندماجية بحيث تحافظ القوة الاكبر المهيمنة على كل الصفات الجديدة الناتجة من الاندماج وضياع الصفات الجينية او ضعفها من قبل الآخر، بينما نجد الخطاب الايزيدي ما بعد استعمار الجسد وما بعد السبي هو خطاب ينبع من الذات الايزيدية دون تأثير الآخر عليه، في وقت أن الايزيدي المستعبَد لم يواجههم بالخطاب الدموي المماثل وممارسة خطاب المحو، بل بخطاب المحافظة على الروح وعلى الهوية وعلى الوجود الايزيدي، خطاب المحبة والسلام والمحافظة على الموروث الثقافي والاجتماعي بما تفرضه شروط المدن الفاضلة، أي أنه قد خرج من اطار خطاب العنف، وأنتج خطابًا ما بعد استعماري خاصًا به يؤكد مدى صلابة العقيدة الايزيدية الخالدة في ظل (طاووس ملك) وتمسكها بالقيم والاعراف التي توراثوها جيلا بعد جيل. الرواية تضرب مثلاً بالفرق بين الايزيدي المحافظ على خطاب البقاء والنقاء والآخر غير المنتمي له، وإذ تؤكد أن استجابة التجمعات البشرية الأخرى المستعمَرة، للطقوس الجديدة بفعل سلطة القوة أدى الى صناعة شخوص منها، كانوا يتحينون الفرص للإيقاع بالسيد المحتل، أو التحول من الهامش الى المركز ما أن تسنح الفرصة لهم، حتى يقوموا بفتك- المحتل- المتن السابق، بوصفهم متونًا جددًا. الخطاب الروائي منحاز كلياً اتجاه الشعب الأيزيدي بوصفهم سكان المدن الفاضلة، فهو يُبعد الشخصية الايزيدية عن ممارسة فعل الخطاب الدموي المضاد، بعدما حصلت الإبادة والسبي من قبل تنظيم الذئاب البشرية الهائجة – داعش - وقتله وتنكيله بالشعب الايزيدي. (حب في ظلال طاووس ملك ) رواية العشق الأيزيدي، رواية الظل الظليل الذي ينشر في مداه الحب والسلام، الوقائع تلقي بظلالها على جسد الأرض، وعلى ربوة من الأرض وقفا .. (هنار وميرزا) .. ومن خلفهم شمس الضحى ترمي بظلالهما على المرج الأخضر .. الفضول دفع الناس للتساؤل، هما اثنان على الربوة وعلى الأرض ثلاثة ظلال .. لمن كان الظل الثالث؟ |
| المشـاهدات 26 تاريخ الإضافـة 21/12/2025 رقم المحتوى 69173 |
أخبار مشـابهة![]() |
معلقا على دوره في مسلسل العوالي
الفنان زهير محمد رشيد: شخصيتي تحمل النقيض وسيكرهها الجمهور في العمل |
![]() |
دبي أوبرا تستضيف أمسية موسيقية يمنية ضمن نغم في دبي السيمفونيات التراثية
|
![]() |
تتويج مركز اللغة العربية لدول الخليج بالشارقة بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي |
![]() |
الفيلم يحيد عن رسالته الأساسية ليسقط في تمجيد بطولات الجيش الأميركي
قلوب أرجوانية.. نقد حاد لنظام الرعاية الصحية الأميركي |
![]() |
نقل الفنان محيي إسماعيل للمستشفى إثر وعكة صحية مفاجئة
|
توقيـت بغداد









