الإثنين 2025/12/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 10.95 مئويـة
نيوز بار
تداخل الحكم بالشعر في (قالت لي الفراشات) للأديبة السورية ميادة مهنّا سليمان
تداخل الحكم بالشعر في (قالت لي الفراشات) للأديبة السورية ميادة مهنّا سليمان
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د. حيدر علي الاسدي ( ناقد واكاديمي عراقي)

 

 

 

الاديبة السورية ميادة مهنّا سليمان كانت ذكية حينما جنست مجموعتها (قالت لي الفراشات) بعنوان فرعي (مجموعة من الحكم) ولم تقل عنها مجموعة شعرية ، لأنها تتوزع من حيث الجمال والفكر الى وعظيات قيمية وفضاءات شعرية ترتكز على جمال المفردة ووقعها الحياتي ، اذ ان الشعر والحكمة لهما علاقة عميقة متجذرة في المعنى والمفهوم فالشعر وسيلة لنقل الحكم والتجارب الحياتية من خلال الفصاحة وقوة المعنى وامتاز العديد من الشعراء بان وظفوا الحكم في نصوصهم الشعرية، اذ يستخدم الشاعر فكره النير ورأيه الوعظي في تأثيث فضاء قصيدته الشعرية بما تحمل من مفردات شاعرية وكما قيل ان من الشعر لحكمة ، ومن خلال العنونة (فضاء المتكلم/ الفراشة/ الاخر) إزاء (فضاء الذات/ انا/ قالت لي/ انا)  اذ تتحول الفراشات رمز الوعي والنور والسعادة والنقاء والبهجة والروحانية والحرية والجمال والامل والتجديد والفرح والتواصل الروحي ، ففي اليونانية القديمة، كلمة "فراشة" (نفسية) تعني روح ، والاهم انها ترمز الى (الانوثة) تتقسم المجموعة الى فراشات ( الذكريات) (شمس الفرح) (العدالة في الحب) (الرفوف العليا لأرواحنا) (اجادة قراءة قلب الانثى) (الرجولة ان تطلب يدها بعد كل قصيدة حب) (الرجولة ان تمسح دمعها بمنديل نبلك وتربت على رأس حزنها بيد انسانيتك)  (احلام وردية....على رفوف ذاكرتنا) تكرار ثيمة ( الذاكرة)  يمثل حالة من الحميمة إزاء هذه الذاكرة بما فيها من حب ونقاء واشتياق رمزي لما مضى  كما تمضي الفراشات في توزيع رمزيتها على امتداد نصوص الحكم : (ازهري في فصل الحب الدائم) (كونت انت، لا الاخريات) تمتين الذات إزاء الاخر، تقوية الثقة إزاء مخاطب (هي/ المرأة/ موضوع خارجي ينصهر بذات القائلة/ الشاعرة في متن حكمتها الشعرية). وهي تستل حكمها من مرجعيات مقولة حياتية تارة وشاعرية احايين كثيرة تمثل مقولات حاكمة في القيم العربية ضمن نسق التقييم والتشبيه، (اسمى عشق في الوجود...عشق الله) ( انقى قلب قلب يخشى الله ) ( اطهر اللحظات ذكر الله وعبادته والتضرع اليه) وكذلك :  (رش العطر على حاوية قمامة او وضعها في مكان فخم لا يجعلها انية زهور ، ولا تحفة جميلة، كذلك بعض البشر/ الفراشة العاشرة ص27) الكاتبة هنا تسعى الى التجريب في وصف شخوص فضاء نصها (الأشخاص/ غائب مشار له بالسلوك والفعل) فضاءات عامة تمثل (ظواهر وسلوكيات عامة) هي حكم من قيمة واقعنا العربي بما يمتلك من نسق المحافظة والوعظ جاءت بسلاسة المفردة ببناء شعري واقعي يومي (سهل ممتنع) من المفردات وتكويناتها ودلالاته بما يضمن قراءة النص ( من الكل) بسهولة لان الهدف يتمثل في (ثيمة الحكمة) لا تأثيث النص وتراكيبه اللغوية كما يتوضح ذلك من خلال قراءة كل نصوص المجموعة ، وتمثل ( الفراشة الثامنة والثلاثون) من اروع الفراشات في هذه المجموعة لما فيها من حكم رمزية تمثل واقعنا العربي صاغتها الاديبة بطريقة ادبية جميلة: ((اخبرني موظف شريف...ان ثمن ضميره ..يطعمه في افخم المطاعم)) ((اخبرني قاضي محكمة انه لم ير كفتي الميزان متساويتين الا عند البائع/ ص75)) (( اخبرتني طالبة جامعية ...ان القلم الاحمر...لطالما انتهك عذرية ورقتها)) ، ويتكرر الرمز القيمي ودلالته في (الفراشة الخامسة والاربعون) بنفس النسق الدلالي تستمر الاديبة في هذا الحكي الاخباري ( مخبر داخلي يمثل ضمير يسرد تمظهرات الحياة) للخروج بلحظة حكيمة تقدمها الاديبة للقارئ بطريقة ادبية ومفردات شفافة ، لتختم (كونوا اوفياء للصباح...كي تظل شمس الامل مشرقة ...على حياتكم) ان مجموعة ميادة امتلئت بالحكم والقيم والوعظية التي تميزت بلغتها الأدبية الشاعرة والمرهفقة بالإحساس مما يشكل وقعها بصورة اكثر جمالية من الحكم المباشرة وهذا ما يميز هذه المجموعة على انها يمكن قراءتها للتمتع بالمفردات وتركيبات الجمل النصية وفي الوقت ذاته للخروج بالإفادة من ثيم تلك النصيات وما تمثله من عبر ودروس في الحياة ممكن ان تتحول من المقولات النصية الى السلوك الواعي الخارجي، انها مجموعة نصوص تستحق القراءة بدقة وتمعن وانها مجموعة صيغة بالروح والقلب والعقل لا القلم بما تشتمله من مرامي الامل والصباحات الجديدة والتقاط الازمات والعثرات والبحث عن المفازات والسعادات في ظل هذا العالم المتناقض والشائك والمشتبك والبحث عن لحظة نقاء سعيدة ممكن ان يعيشها الفرد متصالحاً مع ذاته ومع الاخر (الرجل/ المراة) ضمن هذه الثنائية تتمظهر كل العلامات الفارقة التي بحثت عنها الكاتبة في متن مجموعتها هذه والتي تمثل حلقة دراسية من الحكم الموقرة والثيم الراسخة في قيمنا العربية.

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 21/12/2025   رقم المحتوى 69175
أضف تقييـم