الأحد 2025/12/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 11.95 مئويـة
نيوز بار
قصة قصيرة يوم الحرب الأخير
قصة قصيرة يوم الحرب الأخير
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

عبد الأمير المجر

 

بدت نهايات الحرب تلوح في الأفق، وبقايا جسده ما زالت تقاوم في ميدان القتال. لم يبلغ العشرين من عمره، حين أُرسل إلى الحرب، وها قد تجاوزها بعام وأكثر.

بعد التحاقه بأشهر قليلة، تلقت عائلته طردا من وحدته، تضمن رسالة بإمضاء الجنرال قائده الذي كتب بخط يده عبارة مثيرة للفخر؛ (كان ولدكم بطلا بحق، لقد ظل يقاوم الأعداء بساق واحدة طيلة الهجوم الذي فقد فيه أيضا رفاق له بعض أعضائهم من دون أن يسلّموا موقعهم)، ولم ينس الجنرال باقة الورد العطرة التي أُرفقت بالطرد.

بعد أن مضى على وجوده في الحرب أكثر من عام ونصف لم يبق منه في الجبهة سوى الجذع ورأس بعين واحدة.

في الليل، كلما دخلت إمه إلى غرفته التي أبقتها مضاءة وجدت أعضاءه المبتورة موزعة على سريره بانتظام وفي مواقعها من جسده تماما، تتحرك وتتقلّب على فراشه، وأحيانا تطرد ضجرها بممارسة الرياضة قرب السرير، تحيطها باقات الورد وعبارات الجنرال التي كتبها بحقه.

عند غروب اليوم الأخير للحرب، اقتربت من بيتهم سيارة طويلة عالية نسبيا بلون أخضر داكن، وخلف قمرة القيادة حوض طويل يجلس على جانبيه شباب يرتدون قمصلات رمادية طويلة، تغطي رؤوسهم، لكن الذي أدهش الأم التي كانت تقف عند الباب هو أن بعضهم بلا أياد وآخرين بلا أقدام وهناك من هم بلا أعين أو ملامح.

نزل من القمرة ثلاثة رجال يرتدون لباسا أسود متشابها، فور نزولهم أطلق أحدهم كرة بلون أحمر قان، كان يحملها براحة يده، فأخذت تدور في فضاء المكان ثم اتجهت نحو باب البيت الذي دخلته ودارت مرة وأكثر في باحته وهي تكبر شيئا فشيئا وتغطي بلونها الباحة والحيطان، قبل أن تدخل غرفة المعيشة التي اصطبغت هي أيضا باللون الأحمر، بعدها دخلت غرفة الابن وراحت تدور وسطها، والأم تسير وراءها مشدوهة.

وقفت الكرة أخيرا فوق سرير الابن وقد تحولت تدريجيا إلى اللون الأسود ثم أخذت تصغر حتى تلاشت. انتبهت الأم إلى ابنها النائم في السرير، وقد صحا متثاقلا على صدى دوي مدافع وانفجارات وزخات رصاص، تأتي من بعيد لكنها جعلت الغرفة تهتز. انحنت أمه عليه ومدت يدها إلى خدّه ومسحته برفق. رفع الابن رأسه وقد التأم جسده الذي تكاملت أعضاؤه وقال لأمه بصوت خائف مرتجف: هل بدأت الحرب يا أمي؟!

رفعت رأسها ومسحت حيطان الغرفة بعينين ذابلتين، وتوقفت عند صورته التي غطّاها اللون الأحمر حتى غابت ملامحها تماما، وقالت: نعم يا بني، بدأت الحرب وأخوتك الجنود ينتظرونك عند الباب، لتنطلقوا معا للدفاع عن حدود الوطن!

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 27/12/2025   رقم المحتوى 69368
أضف تقييـم