فوق المعلق بغداد بتاريخ غيمة و أمنيات خيمة |
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب الدكتور صباح ناهي |
النـص : أدخل اليها متحمساً كي أرى ما اختزنته ذاكرتي ، عن مدينة شغفت بها منذ بواكير وعيّ ، وشممت نسيم هوائها و بقايا عطرها ، ابحث عن أشجار الكاردينيا التي ملأت ذاكرتي عطرا ، وفاضت شذى عطر مدينة ترفل بالبذخ التبغدد ، في تاريخها الباذخ بالذكريات ، وكأنها تغني (لم نقل ما فات مات، نحن في عمر الهوى والامنيات ) ، أمسك كاميرتي اصور أزقتها وشوارعها ، نخيلها أشجار اليوكالبتوس التي ظلت افياوها ظلاً سميكا حماية للماشين في دروبها ، أستحث ذاكرتي المليئة بصور مدينة أنفقت جلّ عمري أختزنها في ذكرياتي لأروي فيها وعنها ، أمشي في شوارعها في البرد القارس والصيف اللاهب منتقلاً من الباب المعظم صوب الباب الشرقي متمنيا ً اختزان صورها ، دون أن اعرف لماذا يقودني ذاك الإصرار على تأمل ملامح مدينتي التي سكنت فيها وعشت طفولتي وصباي وشبابي وكهولتي، كأن مناديا يستحثني قبل الرحيل ، أحساس غريب بأني ساودعها يوما ً ، لا اعرف سره ، لا أدري كيف أعب سنين عمري فيها متشربا ً صورها بين الاعظمية والجادرية، بين المنصور ومدينة الثورة ، أسير قاطعاً مئات الكيلومترات ، كي أقابل اصدقاء من كل المشارب من كل الأحياء ، أداوم في اربع دوائر في بغداد علّي أن اتشبع بتلك المدينة السحر والتنوع ، الضاجة بالحكايات والأصوات واللهجات ، والتشكيل العجيب الذي لا يمت بصلة لعاصمة أخرى مثلها ، في كل الدنيا التي رأيتها فيما بعد ، مدينة من تراكيب مدن، من أثار توزعت من تل محمد نحو عكركوف ، عوالم من عمارة أنيقة بل مفرطة أنتجها عشرات المعماريين الافذاذ والبنائين المهرة ، مساجد وجوامع وحسينيات تمتد من أقصاها لأقصاها ، من شتى الألوان والأحجام ، تلاوين لوحات خلفها نحاتون ورسامون وخطاطون' نقشوا تاريخ مدينة لا تموت رغم الطغاة والغزاة والطارئين عليها ، والوافدين اليها الذين تحتويهم بلا وجل او تمنع أو كبر كما تفعل العواصم الكبرى الأخرى ، وكأن الناس فيها يأتونها ويتسللون اليها وهم من أسرة كبيرة، لا تعرف الظن بالناس ، لكنها لا تقبل غير العشاق المعاميد الذين وصفهم يوما صديقي الفيلسوف مدني صالح ، او كما قال لي الأستاذ على الوردي بان طباع المدن تغلب على تطبعها، وكنت ازوره لبيته دارسا في مرحلة الماجستير ، واراه بغداديا من طراز فريد، نتاج ثقافتها التي لاتؤمن بالقوالب الجاهزة والأفكار المتقولبة ، فهي تعشق صعاليكها وتتماشى مع تواشج عراقية ابناىها ، المنبثين فيها من شتى المدن والأ قضية والنواحي والقصبات ، إنها مدينة أكبر بكثير من قدرة امانتها ومحافظها ، شأنها شأن كل المدن العالمية التي تطغى شخصيتها ،على مساحات المباني وشاغليها ، فهي بسعة حلم الرشيد الذي تمادى قبل الف عام في مخاطبة الغيمة أينما تمطرين فخراجك لي ، يوم كانت بغداد عاصمة أمبراطورية ، وهي بسعة حلم دفعت لتخطي الوردي لقوالب السياسة السائدة التي وجدها ضيقة ، فراح يسخر من جدران مقيديها،كأنه لم يحظ بمرفأ يشد رحاله اليه فظل فيها رغم تعارض الحكم مع أفكاره ، فجذوره العراقية أقوى على البقاء، ومزاجه أصعب من التخلي الذي صنع أسطورته ، شأنه شان الاف العراقيين الذين ما برحوا يعشقون حياتهم رغم ضنك العيش ، وقسوة الواقع، وكثرة الا فاقين ، لايربطهم شئ أقوى من وطن بسعة مدينة ، حتى لو عاشوا في خيمة فيها ، العراقيون من أهل بغداد لا يندمون على حياة أفلة ألمت بمدينتهم ، التي توشحت بالرصاص والاف الشهداء ، طيلة حروب مرت وأخرى في الطريق لا نتمنى حدوثها ، كأنهم يتخطون ماض ٍ وضعوه خلف ظهورهم و يقولون لبعضهن لن يبق لنا كل يوم ٍ يمضي القليل لنعيشه ، وبقدر ما يقصر الزمن تتضاءل الرغبة في إستعادة الذاكرة السلبية ، لكن ّ المعنيين لابد ان يدركوا ان المدن التي تشيخ تظل بنكهة معتقة ، تحتاج لمن يهتم بإرثها من أمناء ومحافظين يعرفون قيمتها وتاريخها كي لا تظل تشكو أطلال غربتها في حاضر تعيشه ، وهي التي قدمت الكثير ، فالعدل أساس الملك ، والمدن العظيمة كبغداد لا تغيب عنها الشمس لان السر في حجارتها ، ونهرها وذكرياتها ومقاماتها ومكتباتها وسحنات ابنائها وأن هاجروا فهي تعيش في قلوبهم . |
المشـاهدات 678 تاريخ الإضافـة 14/07/2020 رقم المحتوى 8159 |
نحو شعر جديد : في دراما الشعر/وسام هاشم دراما بوهيمية فوق حداثية |
فوق المعلق ما الذي حدث لسوريا الاسد ؟ |
الحكومة السورية الانتقالية: الشعب السوري لن ينسى مواقف العراق المشرفة العمليات المشتركة: حدودنا اليوم الأفضل بتاريخ العراق ولن نسمح بتواجد الإرهاب فيها |
ملك الاردن يتسلم اوراق اعتماد عمر البرزنجي سفيراً فوق العادة للعراق |
فوق المعلق ما الديمقراطية التوافقية ؟ |