الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
العودة إلى حضن الأم ,الطفولة المفقودة  قراءة في رواية (صيد الحمام ) للقاص والروائي    علي جاسم شبيب
العودة إلى حضن الأم ,الطفولة المفقودة  قراءة في رواية (صيد الحمام ) للقاص والروائي    علي جاسم شبيب
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ​​​​​​​عبد السادة البصري
النـص :

الناشئة00فئة عمرية تتوسط بين الطفولة والشباب , والكتابات كأن تكون قصة أو رواية أو شعراً لم تتطرق إلى هذه الفئة إلا ما ندر , الكلّ يكتب أما للأطفال أو للكبار ، وهذه الفئة مركونة جانبا 0

القاص والروائي علي جاسم شبيب رغم قصصه التي تحاكي الكبار إلاّ انه اختص بإصدار رواياته أو بالأحرى كتابتها لهذه الفئة 0 لقد اصدر روايتين الأولى خارج العراق – اليمن – تحت عنوان ( وردة الفرح) حينما كان يعيش حياة المنافي هربا من بطش النظام الفاشي آنذاك , والثانية صدرت مؤخرا في البصرة تحت عنوان ( صيد الحمام ) كان قد كتبها في المنفى أيضا – ألمانيا – قرأت وردة الفرح قبل سنوات حيث استعرتها منه شخصيا 0 تحدثت معه حولها وسألته ذات يوم : لماذا كتبت لهذه الفئة بالذات ؟ أجابني أنها فئة لم يحاكها أي كاتب أبدا ، وأننا بالتأكيد قد عشنا هذه المرحلة جميعا واختزنت ذاكرتنا أشياء كثيرة منها , أنها سنوات تكوين ذواتنا الأولى فلماذا لا نكتب عنها 0؟!

اعتقد بان القاص في جوابه هذا قد اختزل الكثير من التساؤلات التي تدور في رؤوسنا لأننا بالتأكيد نمتلك خزينا هائلاً من الذكريات التي عشناها في هذه المرحلة وإنها المرحلة التي كونتنا كتّاباً كل في مجاله 0

اليوم يعود بروايته صيد الحمام إلى تلك المرحلة ,ابتدأها بإهداء مقصود (إلى روح والدتي :زكية نايف0 وروح خالتي جوزة الحسن ) من هنا نجد هيمنة الأم والخالة في هذه الرواية واضحة تماماً , بطل الرواية في كل مساراتها يعيش ذكرياته وتداعياته مع أمه التي فارقت الحياة مبكراً بعد هجران زوجها لها 00 تركته وديعةً عند خالته التي تحنو عليه كأمه ، وفي هذه الحالة يتأكد مغزى الإهداء 0 (الأم ـــــــ الخالة ) هما مهيمن واحد في سرد الإحداث أو الوصاية على الفتى 0 ( كانت والدته ترقد بجانبه وقد عمل لها مسنداً من مخدّات وحشيات , كان تنفسها يضايقه , فسرعان ما تغفو لتهبّ جالسةً تعبُّ الهواء عبّا 000 كانت تنظر إليه وهو يرتّب المساند ودموعها تنساب على خديها )      ص7

اخذ مسار الرواية حكائيا وفق عنوانات جانبية هي المحور الذي تدور حوله الذكريات , ما يدل على أن الراوي العليم كان حاضراً ليقصّ علينا حكايةً هي أشبه بالخرافة  أو ما علق في أذهاننا من حكايات جدّاتنا وأمهاتنا , نجدُ كمتلقّين أن هناك استذكارات وتداعيات تركت انطباعاً على أكثر من محور في تساؤلاتنا حول مسار الأحداث 0 ولد يتيم الأم فاقد الأب لا يعرف أين وجهته يعيش بعد موت أمّه عند خالته يخرج باحثاً عن أشيائه الخاصة في خضمّ فضاءاتٍ تبدو لأكثرنا غريبة لكنها منطبعة في ذهن الراوي منذ طفولته 0 هذه الانطباعات تؤكد على تمسّك الراوي بحياته الأولى – الطفولة –وحمْلِ كل رسوماتها في ذهنه أينما حلّ ليؤكد ارتباطه في الأرض , الرحم الأول والأخير لنا جميعا رغم استباحة أذهاننا من قِبَل أحداث كثيرة مرّت علينا , ورغم ابتعاده عن هذه الأرض- ارض الطفولة- سنوات قبل تركه الوطن باحثاً عن ملاذ آمن يظلّ الفتى في دوّامةٍ من الأفكار والهواجس التي تعطيك إيحاءً بأنّ عقله اكبر من عمره – وهنا تبصر عقل الراوي – منذ العنوان الفرعي –الحكائي الأول للرواية أو لمسار أحداثها ( ريح الفجر ) تجد نفسك على بساط الريح يأخذك حيث عوالم الاهوار وما فيها من تضاريس طبيعية وجغرافيا مكانية وحيوات ( إنسية وحيوانية ) إلى غير ذلك 0 ثم يبدأ الراوي العليم ( شخصية الفتى ) بطل الرواية بسرد ما يلاقيه عبر أيامه القادمة ( الروف العالي ) و ( المغارة البيضوية ) ,(عيده),00000الى آخره 0 وعلينا أن نتوقف قليلا لنسأل الكاتب عن تركه هذه الأسماء وما ورد في الرواية من عبارات يعرفها أهل الهور وسكان القرى والأرياف ويجهلها بعض أبناء المدينة وجميع أبناء الشعوب الأخرى دون تعريف ؟ وخصوصا إذا عرفنا بأنها كتبت خارج العراق 0

كيف ترك ما ورد في هذه الرواية دون إعطاء معلومات كاملة للقارئ عن هذه الأشياء ؟ ثم لماذا تركنا هائمين مع الفتى دون الوصول إلى نتيجة لأشياء كثيرة حدثت أو كادت أن تحدث لكنه تركها ورحل , أين أبوه المفقود ؟ ولماذا لم يعد ؟ أين وصلت علاقته بـ (الشيخة) صاحبة المزار وهل بقي عندها للأبد ؟ أين وصلت علاقته بأصدقائه الذين التقى بهم  إثناء تطوافه بين البراري والاهوار ؟ لم يبيّن مغزى المكان المعروف ب( صيد الحمام )؟ أسئلة كثيرة ظلت مبهمة دون الوصول إلى أجوبة كافية 0 وهذا ما يؤكد أن الكاتب اختزن حوادث حصلت له أيام طفولته وأضاف عليها من خياله الكثير ليصنع رواية تدهش قرّاءها ( الناشئة ) وتضعهم أمام كاتب يمتلك الكثير من زوّادات صنعته لهم 0

علي جاسم شبيب اختط لنفسه عالماً خاصاً بالكتابة باختياره فئة عمرية لم يشتغل عليها احد – وهذا يحسب له كإبداع آخر ضمن مسارات الإبداع 0

تعيدك الرواية إلى طفولتك التي انفرطت سنواتها من بين يديك دونما وعي ، بذلك تكون قريبا جدا من البطل , تسير معه , تغضب, تتأسى , تنفعل , ثم تظلّ في دوّامةٍ من التساؤلات 0 روايات من هذا النوع ممكن صياغتها للتلفاز أو السينما كعمل درامي متكامل , متى ننتبه إلى هكذا كتابات ونسلط عليها الضوء كي تأخذ طريقها للانتشار أكثر فأكثر ؟ وأنا على يقين تام بان مخيلة الكاتب تختزن الكثير 0

.............................................

*صيد الحمام / رواية – علي جاسم شبيب / صدرت عام 2009 ضمن إصدارات اتحاد أدباء البصرة وعلى نفقة شركة أسيا سيل 0

المشـاهدات 804   تاريخ الإضافـة 24/10/2020   رقم المحتوى 8921
أضف تقييـم