الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
على ورق الورد الشهادات الجامعية لطلبة الفنون
على ورق الورد الشهادات الجامعية لطلبة الفنون
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منذر عبد الحر
النـص :

نعلم جميعا أن جامعات العالم كلّها لا يمكن أن تخرّج أو تصنع موهبة في أيّ مجال كان , فالموهبة سرٌّ ربّانيّ لا يمكن الاحاطة بسهولة في طبيعة مكونه أو سبب تواجده وتوفره في فرد دون آخر , ولذلك لا تعنى أكاديميّات ومعاهد الفنون الجميلة بصناعة المواهب , بل تسعى لرعاييتها  وتهذيبها ورسم الأسس الصحيحة لتضاريس نموّها وسيرها بالمسار الابداعي الصحيح , وهذا الأمر ينطبق أيضا على الكليات المختصة باللغة العربيّة ودراسة المواهب الشعرية على مقاعدها الدراسيّة , إذ أن كل كليات اللغة العربيّة لا يمكن أن تصنع موهبة واحدة , ولكنها تستطيع النهوض بالموهوبين وتمكينهم من أدواتهم الشعريّة , وبالتالي اكتمال جانبي الموهبة والعلم معا لتتحقق معادلة الابداع الحقيقيّ .

 ان دراسة الفنون والآداب المقرونة بالمواهب والرغبات تعطي ثمارا يانعة طيّبة لأنها تصبّ في الهدف البنّاء لعملية الابداع , على العكس من دراسة الفنون دراسة أكاديميّة جافّة هدفها الفوز بشهادة دراسيّة توفّر فرصا وظيفيّة أو تقدّم انشغالا باردا بأعمال فنيّة يفرضها التخصص فتكون عبأً على طبيعة الابداع ومستوى أدائه وتقديمه للمتلقي .

وإذا أردنا هنا الحديث عن أكاديميات ومعاهد الفنون الجميلة , وكذلك كليّات اللغة العربيّة , فأننا سنشهد مؤسسات تخرّج  مدرسين ومعلمين ينتمون للعمليّة التربوية أكثر من انتمائهم لهاجس الابداع الفني أو الأدبي , وقلّما نجد مواهب تستفيد من الهاجسين , بل أن بعض تلك المواهب تقتل وتحجّم عند انغمارها بالفعل الأكاديمي والدرس الذي يحاول الاحاطة بهيجان الموهبة وتكبيلها بقيود العلوم لا على العكس الذي نرجوه ونتمناه , وهو تكامل العملية الابداعية بإصغائها للدرس الأكاديمي .

أن خريجي الفنون الجميلة , أكاديميات ومعاهد , لا يزجون دائما بعملية الابداع , وإذا زجّو فلأداء أدوار ومهام , لا ترقى إلى مستوى الابداع , والسبب في ذلك أن دراسة الفن , التي تعنى بالجوانب النظرية والتقنيات , حين تدخل حيّز التطبيق , دون ممارسة مسبقة فإنها تتعرض للإرتباك الميداني , شأنها في ذلك شأن جميع الفنون الابداعية وفي مقدمتها الآداب , والإعلام , فدارس اللغة العربية وبحور الشعر والنحو يستطيع أن ينظم مطولات موزونة مقفاة ومكتملة الأدوات لكنها بلا إبداع وروح شعريّة , وعلى ذلك أمثلة لا تعدّ ولا تحصى , وكذلك فإن دراسة الاعلام في كلياته , قد تصنع أكاديميا ماهرا , لكنه في الجانب الميداني تراه عاجزا عن إنجاز مادة صحفيّة جيدة تنطلق من ذهن متوقد إبداعا لم يدرس الاعلام لكنه برع في أداء المهنة وفقا للقدرات التي تستند على موهبة حقيقية , وهكذا نتحدث عن الفنون التشكيلية والغناء والتمثيل والعزف والرقص أيضا , فكلّها فنون تستند في إبداعها على المواهب وقد تنطلق في صناعاتها وصياغاتها على الدرس الأكاديمي اللاحق .

وفق هذه الرؤية نتساءل هنا , ما هو دور أكاديميات ومعاهد الفنون الجميلة , وكذلك كليات الآداب وحتى كليات الرياضة , في العناية بالمواهب وصناعة القدرات الابداعية التي تمدّ حقول إبداعها بالجديد والمؤثر الجدي , لا الامكانات الروتينية التي تمنح شهادات من أجل أداء وظيفيّ بارد يتعامل مع الأشياء لا بحساسيّة المبدع , بل بهاجس الحاصل على الشهادة والمؤدي الآلي للوظيفة التقليدية التي يعيش الفرد من راتبها الشهري , لا أكثر ؟

إننا نرى عند قبول الدارسين في هذه الكليات ضرورة الاعتماد على الرغبات والقدرات الطيبة والمواهب الخاصة بالمجال الذي ينوي الفرد الدراسة  ضمن فضاءاته حتى لو اقتصر القبول على عدد قليل من الأفراد في كل مجال , فإن رعاية هذا القليل والنهوض به , يجعل الخريج فيه قادرا على العطاء الثمين ذي القدرة الابداعية الطيبة المصانة بالدراية والعلم والموهبة أيضا , لا أن نخرج العشرات من الطلبة الذين لا يمتلكون مؤهلات إبداعية , وتراهم يبحثون عن وظائف قد تلغي طبيعة شهاداتهم الفنية والأدبية وتقودهم إلى اهتمامات أخرى من أجل الوظيفة ..ليس إلا ؟!

المشـاهدات 946   تاريخ الإضافـة 09/11/2020   رقم المحتوى 9078
أضف تقييـم