الخميس 2024/4/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 25.95 مئويـة
مسرحية عن العشاق تنوه بأهمية الفكر المستنير والمُتسامح خشبة المسرح تجمع أم كلثوم بابن حزم الأندلسي
مسرحية عن العشاق تنوه بأهمية الفكر المستنير والمُتسامح خشبة المسرح تجمع أم كلثوم بابن حزم الأندلسي
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حنان عقيل

يجمع العرض المسرحي المتميز بين القدرة على إمتاع المُتلقي عبر دمجه في موضوع العرض وفكرته، وإيصال رسالة تهدف إلى ترسيخ معتقد ما أو تغيير أفكار مغلوطة، دون أن يرتكز على نبرة خطابية مباشرة تُفقِد العرض قيمته الفنية، وهذا ما نجح في تحقيقه صناع العرض المسرحي المصري “عن العشاق”.رغم أن الاستناد إلى نصوص أدبيّة قديمة لها ثِقلها وقيمتها الأدبية يُعد خيارًا مسرحيًا آمنا في الكثير من الأحيان ويضمن نجاحًا وانتشارًا للعمل، إلا أنه يتطلب الكثير من الحيطة والتروي في تقديم معالجة ملائمة لا تُغير فلسفة النص وملامحه، ولا تجافي روح العصر وأزماته وأسئلته، وهو ما حاول تحقيقه صناع العرض المسرحي “عن العشاق”، الذي عُرض خلال مواسم سابقة، وأعيد تقديمه بصورة جديدة.يرتكز العرض المسرحي “عن العشاق”، الذي أنتجه مركز الهناجر للفنون بالشراكة مع صندوق التنمية الثقافية في القاهرة، وقُدِّم في موسم جديد مؤخرًا استمر حتى الثاني من نوفمبر الجاري، على كتاب “طوق الحمامة في الألفة والألّاف” للفقيه والفيلسوف ابن حزم الأندلسي (384 هـ – 456 هـ)، وهو مُؤلَف وصف بأنه “أدق ما كتب العرب في دراسة الحب ومظاهره وأسبابه”.ويحوي الكتاب أشعارًا وأخبارًا وقصصًا تعالج الحب كعاطفة من منظور التجربة الشخصية والملاحظة المباشرة، وجمع فيه ابن حزم بين الوصف والتحليل والسرد، وينقسم إلى ثلاثين بابا، تتضمن تعريفه للحب وعلاماته وقصص المحبين وعذاباتهم.ونظرًا إلى ما يمثله من مكانة في التراث الأدبي، أبرز الأديب المصري الراحل طه حسين ذلك المغزى الذي تنطوي عليه كتابة رجل راسخ في شؤون الحب وقضاياه.وأشار في أحد مقالاته إلى أن في كتابة ابن حزم شيئا من الخطورة، فليس أدل على ذلك من أن هذا المحدث الفقيه المتكلم الفيلسوف المنفي من أرض وطنه قد تفرّغ لكتابة رسالة في الموضوع، وهو لم يتفرّغ لكتابة هذه الرسالة إلا لأن صديقًا من أصدقائه الفقهاء المحدثين المتأدبين قد طلب منه أن يكتب هذه الرسالة، ولما استجاب ابن حزم لما طُلِب منه وهو على جناح سفر أُبعِد عن وطنه واستقر في شاطبة لينتقل منها إلى منفًى آخر.

 

معالجة مبتكرة

 

كل هذه القضايا تطرق إليها العرض المسرحي بأشكال مختلفة، فالفقيه والفيلسوف الإسلامي لم يجد ضررًا في الكتابة عن الحب، بل إنه يؤكد على أن الحب “ليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوب بيد الله عز وجل، وقد أحب من الخلفاء المهديين والأئمة الراشدين كثير..”.وهي البداية ذاتها التي ارتكز عليها العرض المسرحي للتنويه بأهمية الفكر المستنير والمُتسامح الكامن في التراث في مواجهة أفكار مُغالية تستند إلى الدين فيما هي لا تمُت لروحه بصلة.مع أن النص الأدبي الذي استند إليه العرض لا خلاف على أهميته على مستوى المضمون ودلالة الفكرة، فمعالجته ليصير نصًا مسرحيًا مُلائمًا لقطاعات واسعة من الجماهير عملية ليست يسيرة بأية حال، إذ يتطلب الأمر معالجة درامية في المقام الأول تستخلص عذوبة النص وأشعاره، وتُقدِمه بشكل حي يُمكن تمثيله، فضلًا عن الموازنة بين رصانة التراكيب اللغوية واللغة العربية اليسيرة والشائعة.نجح صناع العمل المسرحي، تحديدًا الدراماتوج كريم عرفة، بالتعاون مع المخرج هاني عفيفي، في تقديم معالجة مناسبة إلى حد كبير، من خلال تقديم عدد من المشاهد التمثيلية التي يطلب فيها العشاق نصائح من ابن حزم، بشأن ما يموج بدواخلهم من عواطف وأفكار عن المحبوب سواء أكان هاجرًا أم واصلًا.ورغم أنه كان من الممكن تقديم دراما للعرض أكثر إحكامًا وترابطًا، غير أن صناع العمل اختاروا أن يجعلوا بطولة العرض لمقولات الإمام في كتابه وليس للمشاهد التمثيلية.وما ساعد على تخفيف حدة رصانة اللغة التي يمتاز بها كتاب “طوق الحمامة”، ذلك الدمج بين مقولاته التي أوردها عن الحب وأعراضه وعذاباته ومباهجه والعزف الحي للآلات الوترية من عود وقانون وتشيللو وكمان.هذا فضلًا عن غناء مقاطع من أغنيات المطربة المصرية أم كلثوم، قامت بأدائها الفنانة نجوى حمدي، تتلاءم مع المقولة التي يرددها الفيلسوف الأندلسي، ردًا على ذلك السؤال أو تلك الإشكالية المتصلة بالحب.رغم ذلك الابتكار إلى حد كبير في المعالجة، إلا أن بعض أوجه الارتباك قد طالتها، فثمة حالة من التخبط بين القديم والمُعاصر، إذ يتنقل العرض دون رابط ما بين عصر الإمام الفقيه ليروي لنا عن قصة قديمة بالأندلس وردت في الكتاب، والعصر الراهن ليروي قصة معاصرة بلغة شديدة العامية أحيانًا، تستند إلى نكات تستهدف استجلاب الضحكات، ما أوشك أن يُفقد العرض خصوصيته لولا نجاح العناصر الفنيّة الأخرى في تحقيق درجة من تماسك العرض.

 

خصوصية المكان

 

شكّل الرقص المسرحي واحدًا من عوامل تميز العرض، فالأداء الحركي الذي قام به كل من إيمان لطفي وهاني حسن، قد نجح في تجسيد حالات من الولع والهيام بين العاشق ومعشوقته من خلال الرقص كما تعبيرات الوجه.وأسهمت الإضاءة المتراقصة في ساحة “قصر الأمير طاز” الأثري والعتيق وسط القاهرة مع الظلال المنعكسة على جدران القصر في أن تخلق حالة رومانسية تناسب تمامًا أجواء العرض المسرحي.كما عززت الأزياءُ الأجواءَ التاريخيةَ التي عكست الانتماء إلى عصر قديم، لاسيّما ملابس الممثل حمزة العيلي الذي قدّم دور ابن حزم.وأجاد صناع العمل استغلال طبيعة قصر “الأمير طاز” الذي قُدم عليه العرض، ويقع بالقرب من قلعة صلاح الدين، فرغم صعوبة تجهيز المكان وما يخص الإضاءة نجح صناع العمل في توظيف الأماكن داخل القصر في بنية العرض المسرحي ليخرج بصورة متماسكة.ومن خلال الدور العلوي صدحت أغاني كوكب الشرق المتماسة مع موضوع المشهد بأداء حي ولافت، وجرى توظيف الأركان للعازفين الذين قدّموا عزفًا حيًا وشجيًّا، وكذلك إضفاء حالة من الحيوية من خلال انتقال الفقيه ابن حزم من أعلى إلى أسفل، ومن داخل الحجرة إلى خارجها حسب المشهد التمثيلي المُقدّم.ونظرًا إلى أن طبيعة الساحة الأثرية تفتقد للكثير من المميزات التي تتيحها خشبة المسرح، وظفت الإضاءة لحل العديد من الإشكاليات، وجاء الاعتماد على “الإظلام” كإشارة إلى انتهاء مشهد تمثيلي وبدء مشهد جديد، والانتقال من ممثل إلى آخر لتسليط الضوء على قصته وموضوعه، لأن معظم الممثلين كانوا متواجدين باستمرار على المسرح في معظم المشاهد.وحقق العرض المسرحي “عن العشاق”، نجاحًا لافتًا منذ بداية عرضه قبل سبع سنوات، وعلى إثر ذلك تقررت إعادة تقديمه أكثر من مرة لما شهده من إقبال جماهيري كثيف، فضلًا عن إشادة وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبدالدايم بالعرض ودوره كعمل مسرحي بما يمثله من أفكار في مجابهة التطرف ونبذ التعصب.

المشـاهدات 677   تاريخ الإضافـة 10/11/2020   رقم المحتوى 9103
أضف تقييـم