الخميس 2024/3/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
الحاكم الحكيم والمحكوم وما بينهما
الحاكم الحكيم والمحكوم وما بينهما
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب امير ابراهيم
النـص :

تتميز العلاقة بين الحاكم والمحكوم على مر التاريخ بأنه يشوبها الكثير من الجدل، بل ليست ودية في اغلب صورها نتيجة التباعد و تفضيل  مجموعة على عامة الناس، وقد أصبح تفكير الحكام محصوراً فقط بما يبقيهم على كرسي الحكم بأي صورة من الصور اعتمادا على إدوات السلطة التي يمتلكونها .هذه الرؤية تمثل القاعدة، اما الاستثناء فهي حكمة الحكام التي تعد بمثابة البوابة لكسب الناس عبر جعل تلك العلاقة ميدانيا رحبا لتلمس حياة أكثر جمالا وامنا يشعر فيها الجميع بانه جزءا من منظومة متكاملة، بل باهميته بعيدا عن أي رؤية ضيقة مادامت العدالة هي الميزان الحقيقي تماشيا مع  فلسفة الحكم التي تكمن في احد جوانبها معرفة طبيعة وحاجيات المحكوم، وفي إختزال المسافة بينهما، لأنه كلما زادت المسافة بين الحاكم والمحكوم كلما ظهرت اشكال الفساد السياسي والتردي الاجتماعي والفكري والنفسي، وايضا كلما اقترب الحاكم من معاناة المحكوم كلما أسهم في وضع اليد على المشاكل وايجاد الحلول الناجعة لها، اضافة الى عدم التهاون مع أي خطأ يقع حتى وإن صدر من اقرب المقربين له تأسيا بالانبياء والرسل والأولياء والأوصياء الصالحين الذين جعلوا من العدالة ميزانا لقراراتهم ولم تاخذهم بالحق لومة لائم ، وبالتالي شكلوا أسوة حسنة لعامة الناس بل تعززت الثقة بين الحاكم الذي يقوم بأداء دوره على الوجه الأمثل والمحكوم كانسان صالح في المجتمع استلهاما لقول الرسول محمد (ص) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وبالتالي فإن علاقة من هذا النوع قد اسهمت في تقوية الدولة، و غدت سدا منيعا تحول دون حدوث أي شرخ  أمني أو اقتصادي أو سياسي أو مجتمعي فيها اعتمادا على التعاون والتكاتف بين كافة الأطراف وإعطاء الحقوق إلى أهلها. علما أن خاصية الحاكم الحكيم هو عبر ما وصل إلينا من تنظيرٍ فكريٍّ رائعٍ حول الدولة والجمهورية من قبل فلاسفة اليونان وبالخصوص أفلاطون في جمهوريته التي تحدث فيها عن العدالة والنظام وطبيعة الدولة والحكومة وقد تأثر به الفيلسوف الإسلامي الكبير الفارابي وألف على نهجه المدينة الفاضلة التي تحاكي جمهورية أفلاطون في نسقها وعدالتها وحاكمها ومثاليتها.وكان المحور في هذه المدينة هو الحاكم والرئيس الذي يمثل الضمانة الأكيدة للدولة الفاضلة العادلة، وشبهه بقلب الإنسان وعلاقته بباقي أعضاء الجسد فإذا صلح القلب صلح وطاب جميع الجسد، وإذا مرض القلب مرض وخبث جميع الجسد، كذلك الحاكم إذا صلح صلح جميع المجتمع وإذا فسد فسد جميع المجتمع.  وتلك على النقيض بما تؤمن وتسير عليه  البطانة اي وعاظي السلاطين القريبين من الحكام فهم عادة ما يبحثون عن مصالحهم قبل مصالح  غيرهم ، و لايولون اهتماما بتلك الرؤية المثالية   وإنما في بقاء الأمور على ما هي عليه برفاهية الحاكم والحاشية َوترك الغالبية تعيش شظف العيش، منطلقين في ذلك أن  الحكام  بطبيعتهم يمثلون النمط الواقعي الذي يسير عليه الناس في حياتهم اليومية، فالحاكم اولا واخيرا هو ابن البيئة، وكل انسان ياخذ نصيبه من الحياة.ولهذا دعا الإمام علي عليه السلام ، الحكام إلى الوقاية من فساد البطانة اعتمادا على تواضعهم، وفضلا ما للتواضع من اهمية في منظومة القيم الاسلامية ، فانه بين مواصفات البطانة والخاصة باهمية تواضع الحاكم كونه يعد استكمالا لمبدأ الوقاية بقطعه اسباب الفساد  (وعلى الجانب الآخر فأن عدم تواضع الحاكم لاشك سيعمل على ادخال الخوف والتردد في نفس بعض البطانة ان لم يكن اجمعها ، وبالتالي فان النصيحة والاخلاص في العمل والمشورة سوف لن تكون متحققة بفعل عدم تواضع الحاكم).إذا مثالية الحاكم تتمثل باعتماد المصلحة العامة للدولة والمجتمع والأفراد والابتعاد عن كل ما يثير الافراد بسبب قرارات غير منصفة لصالح جهات معينة،  مع إيلاء  الكفاءة والخبرة والإدارة الناجحة والنزاهة والعدالة والإنصاف في توزيع المناصب و الثروات بما يسهم في تهيئة ظروف عيش تحفظ كرامة طبقات الشعب المختلفة  وبناء دولة مدنية على أسس حديثة وقويمة لا يشعر فيها احد بظلم وقع عليه نتيجة قرارات لم تراعي متطلبات الحياة الأساسية للأفراد  وحقوقهم التي كفلتها الدساتير والتي نصت على حق الإنسان في العيش الكريم الامن . هذه المثالية لا تنسينا إن الشعوب في بعض الأحيان هي من تتحمل وزر أعمال حكامها أن كانت صالحة ام طالحة وكما جاء في حديث الرسول محمد (ص) ( كيفما تكونوا يولى عليكم) أي أن الوالي يكون من جنس المولى عليه (رعيته) فإن كانوا صالحين كان مثلهم، وان كانوا فاسدين كان مثلهم ، كما أننا لاننسى أن الكثير من الشعوب تعتمد على ما يصطلح عليه بالتقمص الوجداني تأثرا بشخصية الحاكم أن كان صالحا ام طالحا، يدفعها لذلك الشعور  بالزهو والفخر ولأجل تجاهل أو نكران  اي صورة سلبية تنسب إليها، وبالتالي استلاب شخصيتها وعدم قدرتها على الانسلاخ من الواقع الذي تعيش فيه كونها جبلت على التباهي والتفاخر واتخاذ طريق الظلم أن تطلب ذلك الحفاظ على مصالحها ونفوذها وسطوتها على حساب عامة الناس. وبلاشك أن مستوى الوعي والإدراك الذي يهبه الخالق عز وجل في العقول سواء أكان من جهة الحاكم بما فرض عليه من حقوق وواجبات تتطلب أداءها اعتمادا على الحكمة والبصر والبصيرة تجاه المحكوم الذي بالمقابل أن امتلك الإيمان والقوة والصبر والذكاء فإن طموحه دائما يبقى في تلمس حياة أكثر تمدنا وتطورا تتوفر فيها المساحة الكافية للحرية دون نسيان المسؤولية سعيا في تحقيق التغيير الذي يؤدي إلى واقع جميل يجني آثاره كل ما يتمناه الخيرون على أرض البسيطة و الذين طالما يبحثون عن وجودهم الحقيقي بحياة تتلاشى فيها كافة الصور السلبية التي تعيق تلمس الرقي الانساني على مختلف الصعد .

المشـاهدات 729   تاريخ الإضافـة 07/02/2021   رقم المحتوى 9733
أضف تقييـم