الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
قصص قصيرة جدا
قصص قصيرة جدا
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حسن عبد الرزاق

1

استأذن من عشيقته الجديدة والعشيقة كانت تنتعش ببرد الغروب المعتدل و بودق الغزل الهاطل من لسانه عليها، حتى ان كوب القهوة التي في يدها امسى كوبا من عسل.

 قال لها بصوت هامس مصحوب بابتسامة من الفم والعينين :

حياتي ،اسمحي لي بلحظات قليلة ،انا  ذاهب بسرعة حمامة لاشتري من ذلك الكشك الذي في بداية الشارع علبة سجائر واعود اليك.

السيكارة بيد العاشق تضاعف من رومانسية شكله وتلصق قلب حبيبته به لصقا،هكذا كانت تتخيل الممثلين المدخنين  في السينما وهكذا عاشت اللحظة تلك .

ومع ذلك ، فقد تابعت خطواته بنظرات رجل امن من على مقهى الرصيف ،وفي يدها الكوب ومن قلبها ثمة بخار شك بدأ يتصاعد مع كل خطوة يبتعد بها. 

(امراة الكشك تعرفها ،هي ثلاثينية عزباء ،خمرية البشرة ،حلوة،وسواد عينيها ان التقى بعيني رجل ،سحبه على الفور الى اعماق بحره ،وهي لعوب تصرف بضاعتها باغراق الرجال).

الحبيب الذاهب الى سكائره  ،وعند وصوله الى الكشك لم يمنح تلك البائعة سوى تحية من يده وهو يمرق من امامها ،كما انه لم يلتفت الى النظرات كانت التي تلاحقه من الرصيف ويرسل اشارة مطمئنة تخمد بخار قلبها الذي صار اكثر كثافة...

وانما مضى الى اخر الشارع بخطوات تتسارع ، يلاحق غادة ذات شعر اشقر وفستان ضيّق، منحته حين مرت  من امامهما قبل دقائق ، نظرة خضراء من وراء ظهر زوجها، تاركا عشيقته على كرسي الانتظار والمراقبة ،تحترق وتترمد كسيجارة يمصها فم عصبي.

2

لا تمانعي وكفى تمثيلا...

الفرح اراه يلمع في عينيك مثلما يلمع مصباح غرفتنا الابيض، ويدك التي تمنعني برخاوة من قرص خدك، تقول في الوقت نفسه اقرص واجعلني اتورد.

انت وانا الان ياعمري ، مثل صبرية وخزعل.

ففي ليالي الشتاء القديمة كانت طفولتي الشيطانية تتلصص عليهما وتسمع سعادة خريفيهما من خلف جدار بيتهما الطيني المجاور لطين اهلي .

صبرية تصده تصده وتقول(( لا لا. لا اشتهي،خليها  لباجر)) وهي  تضحك من الاعماق وخزعل باسنانه الهرمة المثلومة يقول لها ((انطيني بوثه هثه))

وكحالتي انا معك في هذه اللحظات ، فان جارنا الذي ينعش اللحاف الدافيء كل اعضائه لاييأس ولا يكف عن طلبه ، وباصرار لايرتخي اسمعه يطلب ((البوثه)) .

ثم..

 وبعد دقائق من الضحك والصد، تنهار ال(لا لا) النسائية ،واسمع تساقط البوسات على شتاء غرفتهم، وهي تمهد الطريق لتنهدات صبرية، التي تتصاعد بعدذلك عاليا ، كانها صلوات شكر للسماء.

                                      3

لا احد من الجيران يستطيع نجدته،ولا ينصاع لأي صوت له محبة في قلبه.

يحكم قاسم اغلاق باب داره من الداخل ،ينفرد بها ،وبالعصا او باليدين ،يرسم خارطة غضبه على جسدها البض،واسئلته واجوبته في ان واحد تتوالى عليها:

_  لمن ضحتكي اليوم ؟ لقيس ؟-

  لمن غمزتي؟ لحسين؟-

- من اي مكان قرصك كريم؟

وجميلة ،تجاوب بالحلفان والصراخ والاستجاد وزوجها يزداد صمما.

يتعب من الضرب والاسئلة والشتائم،فيسكن البيت ،وتتصاعد من نافذة مطبخه بعد حين روائح الطعام المقلي وصوت النشيج المكتوم.

يتعاطف الجيران معها ،لكنهم ينقسمون بين مؤيد لشكوك قاسم ومؤكد على شرف جميلة..

معزوفة الضرب والصراخ الاسبوعية هذه ، انتهت بحريق في المطبخ ، اشعلته جميلة واشتعلت به ،كحل وحيد لخلاصها من الاسئلة والحلفان وغضب سكيرها قاسم الذي تزوجته عن حب.

*

4

يا عيني على حنان.

قال لها صبيح سوف نتزوج عند رجوعي حالا،وسافر الى الكويت وطال السفر.

هي حلوة، اشتهتها اكثر من عين وهي لم تشته سوى من احبت، ومن احبته صار سندباد، انتظرته لمدة اربع سنين ولم تر له مركبا.

حنان احترقت بنار الشماتة عندما وصلها خبر زواجه هناك، ثم اضرمت النار بثيابها امام دار اهله وكادت ان تغدو فحما.

*

يا عيني على حنان

اراها الان كلما ذهبت الى حارتنا القديمة، تجلس عند عتبة بابها القديم مع اعوامها الستين، بوجه شوهته النار وجسد نصف متفحم ، عينها على دار السندباد، وفي قلبها امل عودته، لكي تحرق قلوب صاحباتها العجائز بنار زواجها منه

*

5

دكانه في ناصية الشارع، تقابله مدرسة ابتدائية للبنات، وهو بدين كالحوت، وله عينان صغيرتان غائرتان في لحم خديه، اغلب الوقت تغرقان في دمع يقول للفضوليين انه بسبب الهواء.

طال حبل الكذب عند سيد غالي اكثر من سنة، ثم قصر جدا حين اكتشف ناس المحلة ان هذا الجسد الحوتي فيه قلب سمكة، وان الدموع الواقفة عند حدود الجفنين هي بسبب (الهوى) وليس الهواء.

تأكدوا من هذا، عندما اغمي عليه في ظهيرة نيسانية نتيجة ارتفاع الضغط، بعد ان جاءت المعلمة الرشيقة هناء لتتبضع منه، ورأى في بنصرها الايمن خاتم خطوبة.

*

معلم النشيد والموسيقى كان يعزف لنا في الصف على الة العود ويغني.

ودائما يختتم العزف بعبارة ((الحياة موسيقى وغناء)) ويقول احفظوا حكمتي هذه.

المعلم ذاته، شاهدته في احدى ليالي الحرب البعيدة سكرانا، يغني لاصدقائه في الشارع، ومن حنجرته تتصاعد موسيقى دامعة، كان يعزفها مقدما على حياته التي ستقتل في الخطوط الامامية بعد ايام..

6

ذهب ليشتري من الكشك المقابل علبة سجائر.

تابعت خطواته بنظرات رجل امن.

امرأة الكشك ثلاثينية، لها في عيون الرجال طعم شهي كطعم السيجارة بعد كوب الشاي، وهي تغار من النساء ذوات الطعم الحلو الحار.

لم يتوقف عند البائعة، ولم يلتفت الى النظرات التي تلاحقه ، ولكنه مضى الى اخر الشارع مسرعا، يلاحق امرأة منحته قبل دقائق نظرة خضراء من خلف ظهر زوجها، تاركا عشيقته الجديدة على كرسي المقهى، تحترق وتترمد كسيجارة يمصها فم عصبي

*.

7

وردية ليالي العمر مع فاتن.

نتغازل، نتهامس، نضحك،نقرب الشفاه للشفاه، نحتضن بعضنا، نسخن....

وكلما اوشكنا على ان نفعل مايفعله الذكر والانثى، باغتني النوم وفصلني عنها، واجل لذة النهايات الى مساء قادم.

فاتن امرأة الخيال،وانا عالمي الحقيقي هو عالم الخيال منذ ان سددت طلقتي لقلب الواقع، وحولته الى جثة في مزبلة، لذلك، صارت الليالي هي فاتن، وفاتن هي الليالي، وبدونها يصبح عمري جثة في مزبلة..

 

المشـاهدات 60   تاريخ الإضافـة 17/04/2024   رقم المحتوى 43870
أضف تقييـم