الخميس 2024/5/2 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
أطبّاءُ الوطن ..والمروءةُ العراقيّة
أطبّاءُ الوطن ..والمروءةُ العراقيّة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب منال الحسن
النـص :

من الفيديوهات التي شاهدتُها مؤخراً , وتركت في داخلي أثراً طيباً وانفعالاً  عاطفيّاً لم أستطع فيه السيطرة على دموعي , هو مشهد تم تصويره بكاميرات مستشفى ميسان التي يعمل فيها  الدكتور صفاء ظاهر جبار النصراوي وهو مقيم اقدم أطفال، وقد انقذ صبيّة كانت تعاني من توقف القلب وكان من الممكن أن تفارق الحياة لولا عناية الله تعالى ولطفه , وحرص الطبيب على أن يؤدي واجبه المهني والإنساني الذي تتوّجه الغيرة والمروءة العراقيتان ..

كانت البنت تعاني , وكان الطبيب يبذل المستحيل , حتى أنه وبعد إن تسلّمها من سيارة الإسعاف جثا على النقّالة التي حملتها إلى العناية المركزة، وهو يسعفها، لتنعم بالحياة من جديد ..

مثل هذه المواقف تجعلنا نزرع حقولاً من الأمل , وتجعلنا نستبشر خيراً في أبناء شعبنا الذين لم يفارقوا خصالهم الحسنة رغم تعرض البلاد لهزّات وانتكاسات وأزمات طالت حتى أخلاقياته وسلوك مجتمعه , ولنا على ذلك أدلّة وشواهد تبدأ ولا تنتهي .

إنني , مع عددٍ ليس قليلاً من العراقيين الذين يعيشون بعيدا عن وطنهم , وكلهم أمل في العودة القريبة إليه , نتابع جميعنا وبشكل يومي ولهفة كلّ ما يحصل في بلادنا المنكوبة المبتلاة بطبقة من السياسيين الفاسدين الذين أوصلونا إلى قاع الظلام وزرعوا اليأس في نفوسنا بسبب إصرارهم على الخراب , وتمسّكهم بكراسي السلطة وإدمانهم المحاصصة التي قطفنا ثمارها  مرارة وبؤسا  , وحوادث أليمة موجعة وفجائع تضمنت حرائق مستشفيات وتفجيرا إرهابيا وممارساتٍ حمقاء جعلتنا في حزن دائم على أهلنا وأبناء شعبنا , لذلك حين نسمع أو نشاهد موقفا طيبا ينسجم مع المعدن الحقيقي للإنسان العراقي المتميز بسماته الحميدة وخصاله النادرة نشعر بالزهو والفرح والمباهاة والتفاؤل أيضا , لأننا لم نفقد بعد بذرة الطيب التي عرفت عن روح الفرد العراقي منذ نشأة الخليقة وحتى الآن .

هنا في أوربا , لا يمكن أن يضحي أي طبيب بحياته ويغامر لإنقاذ مريض , فالواجب المهني محدد , والمريض يتحمل , وإسعافه وإنقاذ حياته يبقى في حدود الممكن والمتاح , وهذا هو المنطق المعمول به , أما ما شاهدناه فيتمثّل في تجاوز الحدود التي رسمتها طبيعة مهنة الطبيب , الذي بذل المستحيل من أجل إنقاذ حياة إنسان , وهذا عمل يتماهى مع التعاليم الحقة للإسلام , باعتبار " أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا " صدق الله العليّ العظيم , وهنا إنقاذ للنفس , على العكس من الفئة المنحرفة التي تقتل الأبرياء , مثلما حدث في تفجير سوق الوحيلات في مدينة الصدر , وكل التفجيرات التي حدثت في البلاد ونفذها أشخاص حاقدون لا همّ لهم سوى قتل الأبرياء , وهم بذلك يخالفون كل شرع وقانون وأخلاق وإنسانية , ويقتلون بوحشية سافرة الناس جميعا بقتل كل إنسان بريء .

نأمل أن نشاهد المزيد من الصور المشرقة في بلادنا , وأن يعود مجتمعنا إلى طبيعته ومعدن أبنائه في التعاون والمحبة والتضحية والمروءة والغيرة وكل السمات التي عرفنا العالم بها وميّزتنا أينما ذهبنا أو حللنا , فالعراقيّ لا يمكن أن تغيّر الظروف القاسية طبيعته , ولا يمكن أن يبرد دمه الحار وهو ينتفض غاضبا حين يرى ظلما ألمّ بإنسان مظلوم , فكيف به وهو يشاهد المعاناة ويعيشها بكل تفاصيلها , وما المشهد الذي أشعرنا بالزهو ونحن نشاهد الطبيب البطل يعتلي النقالة من أجل إسعاف مريضة وإنقاذها , إلا الدليل القاطع على معدن الإنسان فينا , أصالة وانتماء وسلوكاً ..

صدقوني يا أهلي وناسي وأبناء شعبي العزيز , لا يمكن للمعاناة أن تبقى , وأن الفاسدين سيرحلون حتما , وتشرق علينا شمس الحرية , لننعم  بثروات البلد وقدراته , فلا يصحّ إلا الصحيح , والله الموفق والمعين .

 

 

 

 

 

المشـاهدات 367   تاريخ الإضافـة 31/07/2021   رقم المحتوى 11760
أضف تقييـم