الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
الشاعر الملا القصاب روح الحلة وذاكرتها
الشاعر الملا القصاب روح الحلة وذاكرتها
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناجح المعموري  

في الحلة عدد كثير من الشعراء الشعبيين ، لكن الملا محمد علي القصاب أكثرهم حضوراً وانتشاراً وتداولاً ، لأنه ساهم بانتاج بعضاً حيّاً من مرويات الذاكرة اليومية للافراد والجماعة في الحلة . وهذا ما عرفته وكتبت عنه عندما انشغلت بكتابي عن الثقافة الشعبية ، فوجدت الملا محمد علي موجوداً موزعاً ، فروعاً كالخلايا النابضة بين الرواة ومرددي الأغاني . وسجلت عدداً من النكات الشعبية رواها لي صديقي الشاعر صلاح اللبان واخترتها ضمن مقال لم يكتمل الى الآن " النكتة بوصفها سرداً " ووجدت نكات الملا مبتكرة في لحظة مفاجئة ونشرت مثل هذه المرويات ضمن مقالات عن الثقافة الشعبية في صحيفة المدى . ولذا أعتقد من يريد الكتابة عن الملا محمد علي القصاب يجب أن يتنوع ـــــ مثلما المؤلف الشاعر شكر الصالحي ـــــ لأن الشاعر ذاكرة واسعة وعميقة وهي تعكس العلاقات في الحلة اجتماعياً وطقوسياً وفنياً وبالإمكان الحيازة على جواهر نادرة ومفقودة ، والشاعر شكر الصالحي يعرف بذلك مثل العلاقة التي تربط بين الملا ووزير الدفاع عدنان خير الله وهذه مروية معروفة وردد عنها الملا الكثير من النكات .

شعرت بالسعادة عندما أخبرني صديقي شكر الصالحي بأنه يقترب من إنجاز كتاب عن الملا محمد علي القصاب واستعادة بكثير من الرواة وحافظي مدونات للملا ، وكم كان رأي استاذنا باسم عبد الحميد حمودي دقيقاً وصائباً لأنه يعي ما تعنيه هذه الذاكرة اليقظة والباقية حية ، تستجيب التداول لأنه موجود من خلال تنوعات واهتمامات الأفراد والجماعات ، الغناء ، والشعر ، واتسع حضوره في مدن عراقية عديدة وارتبط بإسم الملا مع أسماء فنية مثل محسن الكوفاني الذي عرف الحلة وزار قريتي مع صديقه محسن وغنى في الأعراس التي تحصل بقرية عنانة والحلة وارتبط بصداقة عميقة مع الملا وهذا ما أشار له الشاعر شكر الصالحي .

بذل شكر الصالحي جهداً كبيراً في التقاطات جواهر الملا على الرغم من الاكتفاء بالشعر الشعبي على الرغم من أن الشاعر والكاتب صلاح اللبان يحتفظ بذاكرة متنوعة عن الملا . والمثير في هذه التجربة الثقافية التي غامر بها الصالحي وحقق نجاحاً متميزاً ، لأنه أضاء شبكة كثيرة وواسعة من أسماء شعراء اغتنمت بهم الحلة وتجاهلتهم الجماعات وعلى سبيل المثال : الشاعر هادي جبارة الذي لم يذكره أحد منذ وفاته مع كونه يمثل قاعدة رصينة في تجربة الشعر الشعبي والمسرحي .

اقتران الشعر بالغناء ظاهرة قديمة جداً ، وليس آنية ، فقد عرفت الدراسات بأن طقوس الغناء والرقص السومري التي غذت المعابد ، عرفتها الديانة السومرية في بدئيات الشعر الذي عرف في لحظة السومر الشهيرة . من هذا ثنائية الشعر والغناء متلازمة ، ومعهما الرقص ، أحدهما يغذي الآخر . ظل الشعر الشعبي ملازماً للفن الرومانسي كما أشار لذلك المفكر آرنست شيفر في كتابه ضرورة الفن وترجمة سعد حليم الذي ركز على أن الطبيعة المزدوجة للغة باعتبارها وسيلة للاتصال والتعبير باعتبارها صورة للواقع ورمزا له ، باعتباره ادراكاً حسياً للشيء ، وتجريداً له . كانت دائماً موضع اهتمام خاص جانب الشعر لا من جانب النثر الذي نستخدمه في حياتنا اليومية . لقد كتب شيفر يقول " إن اللغة تعبر عن جميع الأشياء بمعايير العقل ، لكن المطلوب من الشاعر أن يعبر عن الأشياء جميعاً بمعايير الخيال . الشعر يتطلب الرؤيا ، أما اللغة فلا تقدم غير المفاهيم " .

عرفت المدن الكثير من الشعراء وازدادت أعدادهم ، واعتقد انتشار طقوس التعازي ساهم بوجود شاعر لكل موكب ومحلة من محلات المدية . لكن رأي الشاعر الكبير المرحوم سليم العزاوي ذهب الى أن لكل شاعر تجربة خاصة ويؤسس له ما يميزه ، لذا كان الملا صوتاً خاصاً . وهذا يوفر لنا إمكان الاشارة الى تنوعات التجارب في الحلة وكلها غير مدروسة باستثناء هادي جبارة وعبد الصاحب عبيد الحلي الرمز الكبير الذي تغذت كل التجارب منه وحافظت عليه وتوفرت له فرص ذكره ونشره في مجلات كالتراث الشعبي واهتم به كثيراً علي الخانقي .

لا بد من التأشير الى أن الفن هو البدئي لذا كانت ، وظلت علاقته مع الافراد والجماعة ،وتتكرس آليات التواصل والتداول ، من هنا اتخذ الفن صفة جماعية وإن كان الكائن هو الأول من خلال طقوسه وتشاركه في المعبد عبر التراتيل ، الرقص ، الغناء . وبالتالي اتسعت المشاركة بين الرجال والنساء .

هذه التجربة بحاجة الى عمل ثقافي مؤسساتي تتشارك به منظمات داعمة ومؤسسات جامعية تضع خطة بحثية وتشارك بها الكثير من أجل الاقتراب أكثر من مرويات الذاكرة الشعبية في الحلة . شكراً للصديق الشاعر والباحث شكر الصالحي على ما أنجز وأخذ الملا نحو عتبة حياة جديدة . مبروك للحلة .

المشـاهدات 329   تاريخ الإضافـة 20/03/2023   رقم المحتوى 17031
أضف تقييـم