الأحد 2024/4/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 37.95 مئويـة
سميا صالح.. غناء تفعيلة على فم القصيدة
سميا صالح.. غناء تفعيلة على فم القصيدة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناصر أبو عون

قصيدة "سميا صالح" ابنة سورية الكبرى، عبق التاريخ المطل من "دومة الجندل"، ونخلة الشام الممتدة جذورها في عروق الأرض تعانق "غزة" التي تغسل قدميها في البحر كل صباح، وتسند ظهرها إلى "شجرة تخرج من طور سيناء"، وتبتسم إلى بهاء "اللاذقية" المعجون بظلال غابات الصنوبر، وتمتطي طائر الفينيق من مرتفعات "طرطوس" إلى سدرة الجمال الواقفة بكبرياء عند احتضان السهل للنهر، وتميل لترتشف ماء الخلود بغرفة بيديها الحانيتين من فضّة "بانياس" المشتهاة، المضيئة كأقمار صافية تطل على "جبلة"، من الأعالي، وتخلع النفس والهوى وتمشي بقدمين حافيتين إلى مقام "إبراهيم بن أدهم"، وترتدي بردته، لتعيد كتابة تاريخ القصيدة من جديد تحت سنديانة المواويل العتيقة ما بين البحر والنهر. وعندما: "جاءَ الصباحُ../وسُكَّرُ الكلماتِ مرٌّ في الصباحِ/غمستْ أصابعها بفنجانِي../وما أحلى مرارتها بفنجانِ الحياةْ/جاءَ الصباحُ/ وضعتُ في نشوى الصباح"

سميا صالح شاعرة تحضن البحر كل صباح، وغزالةٌ تغفو على صدر "دمشق" عند تعامد الشمس على "البقاع" و"جونية"، وتصحو في مطلع الحب على حفيف الرياح وهي تعزف كونشيرتو الماء من فوق جبال طوروس، ساعتها يفتح الورد عيونه من تحت أكمام فساتينها، ويغني: "جاءَ الصباحُ../وجئتَ لي..من أيّ فنجانٍ  تجيءُ المفرداتُ؟/قالت:صياحُ الهالِ يصعدُ عاليا../فلمنْ تغنّي يا رياح؟/أجابها الوجهُ البريءُ من المرايا:خائفا جئتُ الحياةَ، وعاشقا، جئتُ الهوى متلعْثما..لأتمّم الشعرَ الجميلَ أجيءُ وحدي في الصباح".

قصيدة ناعمة تتبتختر على موسيقى الخليل، وتغزل فتنتها سوناتا على أوتار القوافي تحت شمس الشعر في ثوب مزرقش بالتفاعيل، يحيط خصرها حزام مخمليّ من البلاغة المتثائبة المستيقظة على هسيس أساور معصميها وتنساب جداول من موسيقى، عندما تقولُ "وأنا أحبّكَ حيثُ/ تحتفلُ القصائدُ/ في رحابِ القلبِ/ من أفقِ الوريدْ/ وأنا أحبّكَ/ تمتماتٍ في فمِ  الأيّامِ/ تبسمُ للنشيدْ/ وأنا أحبّكَ/ ثمّ أحرِقُ تكتكاتِ السطرِ في جمرِ القصيدْ".

تفاعيل سميا صالح سواري نور ساطعةٍ من مواجيد معلقة فوق جدران القلب المعنّى تحت قبّة القصيدة، ونار خابية تحت رماد الحروف، ولواعج قلبٍ عشّاقٍ يغفو من سكرة اللقا على خدّ المدى، وضوءُ يتشظى شُهبا.. تفاعيل مموسقة تُنَغِّمُ المسافة ما بين دقة قلبها، وأنين قلمها في غمضة كلمة، والتفاتة قافية، فتتبدد عتمة الأسطر المغبشة بالظلال ويولد وطنٌ بريءٌ بلا خطايا ويطلع شمسا من قاع آهتهافي حضرة شهريارها:(لم ينصفِ اللغةَ الجميلةَ/ نبضٌ/ (و) بستانُ الحروفِ / ونخلةُ الأشجانِ / إذ ضحكتْ/ على خدّ المداراتِ التي/ جاءت لتنشرَ شعرَها / في مهرجان الوصلِ / إذ أنتَ احتمالاتُ السرورِ/ وتمتماتُ النهرِ/ إذ يجري إلى بستانِنا / ال تصطافُ في عينيهِ/ آفاقُ الربيعِ/ فتشرقُ الأهدابُ / في عينِ النهارْ".

الصورة الشعرية في قصائد "سميا صالح" غيمة تسرح بالأيائل، وتراود النجوم عن ضوئها كي تسقط في حجرها، وقبّرات تغني في فم الريح، ونخلات تهتز جذوعها على نشيج "العاصي"، فتميل سعفاتها راقصة على صدر "اليرموك"، وتَسَّاقَطُ أغانيها في حجر "المريمات" البريئات، القانتات، الناعسات في أحضان "المشاحيف" على صفحة "الفرات"، الحالمات على سقسقة العصافير في أعشاش (الأهوار) ترتِّلُ سورة الحبِّ:"أنا أرتمي من ضفّتيكَ / إلى جهاتٍ ترتوي/ من راحتيكَ / لأنّ أغنيةَ الهوى/ سَكبَتْ تفاصيلي/ على خدِّ الوَرَقْ/ يا أنتَ يا تسبيحةَ / الدرويشِ بين لحيظةٍ / كُتبتْ بأفقٍ من عَبَقْ/ أنا بينَ أسرابِ الحمامِ/ أدوزنُ الدنيا/ أرتّشُها على ألوانِ عمرٍ / لا يرى إلّا جهاتكْ".

المشـاهدات 324   تاريخ الإضافـة 08/04/2023   رقم المحتوى 18512
أضف تقييـم