الإثنين 2025/5/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 41.24 مئويـة
نيوز بار
المجمع المغلق تنبأ بوفاة البابا فرنسيس كاشفا كواليس تنصيب البابا الجديد جرأة سينمائية في التطرق لصراعات الكرادلة وتنافسهم على منصب البابا.
المجمع المغلق تنبأ بوفاة البابا فرنسيس كاشفا كواليس تنصيب البابا الجديد جرأة سينمائية في التطرق لصراعات الكرادلة وتنافسهم على منصب البابا.
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

ما الذي قد تكشفه وفاة البابا من صراعات بين الكرادلة على خلافته في أعلى هرم للسلطة الدينية المسيحية؟ أي فضائح يخفونها عن أنفسهم ويسعون للتكتم عليها رغبة في نيل المنصب الأكبر؟ هذه التساؤلات وغيرها الكثير طرحها فيلم "المجمع المغلق" وسعى لتقديم صورة سينمائية عنها، تكشف كواليس صراعات وحكايات مثيرة.في العام 2011 قدم المخرج الإيطالي ناني موريتي فيلمه المميز “لدينا بابا” بطولة الممثل الفرنسي المخضرم ميشيل بيكولي وكانت هذه هي المرة الأولى التي يعالج فيها فيلم سينمائي قضية تنصيب بابا للفاتيكان أعلى سلطة روحية في الكنيسة الكاثوليكية، ويسلط الضوء على عملية اختيار البابا الجديد بعد وفاة البابا القديم والسرية والإجراءات الاحترازية الكبيرة التي ترافق عملية الاقتراع من قبل الكرادلة.كان الفيلم بمثابة نقلة نوعية في مسيرة موريتي الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان عن فيلمه “غرفة الابن”، حيث يروي فيلم “لدينا بابا” قصة الكاردينال الإيطالي ميلفيل (ميشيل بيكولي) الذي يتم التصويت له من قبل الكرادلة الآخرين ليكون هو البابا الجديد للفاتيكان، لكن ميلفيل يرى أن هذا الاختيار يمثل عبئا كبيرا عليه لا يستطيع تحمله فيرفض الخروج إلى النافذة لتحية جماهير المؤمنين المنتظرين أن يخرج عليهم ليحييهم بعد خروج الدخان الأبيض، معلنا تكريس بابا جديد للفاتيكان فيصيبه الخوف والقلق فينصحه الكرادلة بالدخول إلى غرفته للاستراحة قليلا ريثما يهدأ ويكون مستعدا للوقوف على النافذة لتحية المؤمنين الذين جاؤوا بالملايين من حول العالم من أجل هذه اللحظة التاريخية.هذه الاستراحة تمتد ليومين الأمر الذي يضطر الكرادلة لإحضار طبيب نفسي (ناني موريتي) كي يعينه لكنه لا يستجيب له ويقرر الهروب فيخلع ثوبه الكاردينالي ويرتدي ثيابا مدنية ويذهب للتجول في شوارع روما كي يشاهد الناس على طبيعتها. يلتقي بفرقة تقدم عرضا مسرحيا فيشاهده، وهو الذي كان يحلم ذات يوم أن يصبح ممثلا وليس بابا، لكنهم في النهاية يعثرون عليه ويعيدونه ويجبرونه على لبس ثوب البابا والوقوف على نافذة مبنى الفاتيكان وتحية الناس المنتظرة.

 

مسؤولية كبيرة

 

في العام 2024 أعاد المخرج الألماني إدوارد بيرغر الثيمة نفسها في فيلمه “المجمع المغلق” المأخوذ عن رواية للكاتب روبرت هاريس وأعد له السيناريو بيتر ستروجان وحصد معظم جوائز مهرجان البافتا البريطاني، حيث حصل على جائزة أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مونتاج كما حصد جائزة أفضل طاقم تمثيلي في مهرجان نقابة المهن السينمائية الأميركية (ساجا) وجائزة أفضل سيناريو في مهرجان غولدن غلوب، وشاءت الصدف أن يترشح لجائزة الأوسكار الأميركية في الفترة التي بدأت صحة البابا الراحل فرنسيس بالتدهور ودخل المستشفى وكأنه تنبأ بما سيحدث لاحقا أي وفاة البابا فرنسيس بعد فترة من توزيع جوائز الأوسكار عام 2025، ونيل الفيلم أوسكار أفضل سيناريو أصلي.يبدأ فيلم “المجمع المغلق” بحدث وفاة بابا الفاتيكان فجأة وتجمع الكرادلة الأربعة المقربين منه في غرفته حول جثمانه وهو ممدد على السرير الأول وهو لورانس (رالف فاينس) أقرب الكرادلة إليه، والذي سيدير لاحقا عملية اقتراع البابا الجديد حيث يكون لورانس الأوفر حظا بهذا المنصب – رغم تحفظات البابا المتوفي على إيمانه- وهو الذي ستروي أحداث الفيلم من وجهة نظره. أما الكاردينال الثاني بيليني (ستانلي توتشي) الليبرالي التقدمي ذو الأفكار المنفتحة البعيدة عن التطرف والذي يسعى لانفتاح الكنيسة أكثر، في حين يظهر الكاردينال الثالث الأفريقي أدايمي (لوسيان مسامات) على هيئة الكاردينال الوديع الطيب، أما الرابع فهو الكاردينال الانتهازي تريمبلي (جون ليثغو) الشخصية المكيافيلية المتذبذبة.يرسل لورانس دعوة لجميع كرادلة العالم يخبرهم فيها بوفاة البابا ويطلب منهم الحضور إلى الفاتيكان لاقتراع بابا جديد، وعندما يصل الكرادلة من كل الدول يجري التحضير للاقتراع الذي سيتم في كنيسة سيستين بحضور جميع الكرادلة باجتماع مغلق ممنوع على العامة والملحدين والعلمانيين حضوره، ثم تصل الأخت أغنييس (ايزابيلا روسليني) هي ووفد من الراهبات للاهتمام براحة الكرادلة وإعداد الطعام لهم.يصل فجأة كارديناليان سيغير مجيئهما الأحداث كلها، الأول هو الكاردينال الإيطالي تيديسكو (سيرجيو كاستاليتو) اليميني ذو الأفكار الراديكالية الذي يجاهر بكراهية غير المسيحيين ويرى أن هذا المنصب من حق الإيطاليين وحدهم وسيكون منافسا شرسا للورانس على لقب البابا، والثاني هو الكاردينال بينيتز (كارلوس دييز) كاردينال كابول ذو الأصول المكسيكية الذي يحمل قيم التسامح والمحبة ومناهضة الكراهية لكن وجوده يشكل مفاجأة للكرادلة فهم لم يكونوا يعلمون بوجود كنيسة في كابول ولا يعرفونه أصلا لكن البابا المتوفي كان على علاقة وثيقة به وهو الوحيد الذي يعرف بوجوده السري في أفغانستان خوفا على حياته من المتطرفين.بالإضافة إلى ذلك، تواجهه مشكلة أخرى عبر دخوله المنافسة على لقب البابا وهي جندريته، فبينتز “مخنث” فهو لا ذكر ولا أنثى وذكورية البابا أمر محسوم فيه منذ مئات السنين، وشرط أساسي ممنوع الاقتراب منه، الأمر الذي يعقد الموضوع.لقد أصبحنا أمام نقاش عن التنوع الجندري بالإضافة إلى التنوع الفكري، وهي قضية نجح الفيلم في طرحها وتقديمها فقد قام بتشريح المجتمع الكاردينالي في الفاتيكان فالكرادلة بشر في نهاية الأمر، نراهم يدخنون ويغضبون ويشتمون ولهم علاقات غرامية وفضائح جنسية كلها سلط الضوء عليها الفيلم حين بدأ الاقتراع وبدأ معه انسحاب الكرادلة واحدا تلو الآخر من السباق لأسباب تتعلق بماضيهم أو فضيحة عادت إلى الضوء بواسطة الصحافة، حتى تبقى في النهاية منافسان وحيدان وهما لورانس الذي يقرر أن يصوت لنفسه وتيدسكو البغيض الذي يرى أن هذا المنصب يجب أن يكون الكاردينال الفائز به إيطاليًّا حصرا.حين يتقدم لورانس ليضع الورقة في الصندوق يحصل انفجار قوي في الخارج يحدث ثقبا في سقف قاعة الكنيسة ويدخل منه الضوء ونرى لورانس ممددا على الأرض وعيناه للسماء فيصرخ تيديسكو بأعلى صوته: هؤلاء الإرهابيون القتلة تجب محاربتهم وطردهم (يقصد المسلمين)، ويعتبر أن الإرادة الإلهية قد تدخلت ليصبح هو البابا لكن ما يحدث هو العكس حيث يقوم جميع الكرادلة باختيار بينتز الذي يدعو لمحاربة الكراهية بالمحبة وليس بالإقصاء والتطرف، لكن جندريته تبقى موقع جدل أعطت الفيلم جرأة كبيرة في الطرح.

 

إيقاع سريع

 

قدم المخرج إدوارد بيرغر- الحائز على أربع جوائز أوسكار منذ عامين عن فيلمه “كل شيء هادئ في الجهة الشمالية”- النصف الأول من فيلمه “المجمع المغلق” بإيقاع سريع يغلب عليه القطع السريع للقطات على وقع موسيقى فولكر برلمان التي تبعث على التوتر والقلق معبرا بلغة الصورة عن هذا الحدث الجلل الذي حدث – وفاة البابا – ولو كان بأسلوب إخراجي كلاسيكي أدارته كاميرا مدير التصوير ستيفن فونتاين، فكانت اللقطات متوسطة أو قريبة تظهر أحاسيس وانفعالات الشخصيات الرئيسية باستثناء شخصية لورانس التي تميزت بزوايا خاصة للكاميرا مظهرة ثقل الشخصية ووزنها في المقر البابوي في الفاتيكان، وتم تصويره بلقطات قريبة من زاوية منخفضة تظهر قوته وتحكمه غير المعلن بكل من حوله.كما اعتمد المخرج التشكيل في تكوين اللقطات وخصوصا الشكل الهرمي حيث صور الكرادلة من لقطة علوية (عين الطائر) تظهرهم في ساحة الدير يقفون مصطفين بشكل هرمي، لورانس هو رأسه، دلالة على نيته ورغبته اللاواعية في المنصب، فقدم بلغة الصورة ما لم يقدمه بالنص المكتوب مما أظهر حرفية كبيرة في التصوير.واعتمد المخرج أيضا اللقطات العامة لتصوير مبنى الفاتيكان وأسراب الكرادلة والراهبات اللواتي وصلن، بالإضافة لإظهار لوحات سقف كنيسة السيستين التي رسمها فنان عصر النهضة مايكل أنغلو مظهرا جمالية تشكيلية للصورة.أما النصف الثاني من زمن الفيلم اعتمد فيه المخرج على اللقطات الطويلة والقَطْع الهادئ، دلالة على امتصاص الصدمة وبدء الاعتياد على الوضع الجديد في الفاتيكان الذي يتطلب هدوءا لتجري عملية اقتراع بابا جديد. أما الألوان فقد طغى على الفيلم اللونان الأحمر والأبيض وهما لونا أثواب الكرادلة – باستثناء اللون الأسود الذي ارتداه الكرادلة المقربون لحظة وفاة البابا – فالأحمر يرمز إلى الغضب والعنف بينما الأبيض يرمز إلى النقاء والتسامح. وجاء هذا التوظيف التلقائي موفقا لهذين اللونين في الفيلم وأضفى واقعية عليه.ويبقى فيلم “المجمع المغلق” من أهم الأفلام التي قدمت بواقعية شديدة عن عالم الفاتيكان مظهرا التنوع الكبير في توجهات وأفكار رجال الدين داخل هذه المؤسسة التي يلفها الكثير من الكتمان، لذلك حاز على العديد من الجوائز وترشح للأوسكار وتنبأ بوفاة البابا فرنسيس ذي الأصول الأرجنتينية والذي أثار الكثير من الجدل لحظة تنصيبه لوجود علامات استفهام كثيرة حول علاقاته السابقة بالنظام العسكري الشمولي الذي كان يحكم بلاده يوما ما، لكنه في المقابل عرف بدعوته إلى المحبة والتسامح ونبذ العنف والكراهية ومناصرة الحرية الجنسية أثناء فترة رئاسته الفاتيكان. وترك البابا الراحل أثرا طيبا في قلوب الملايين من البشر حول العالم الذين حزنوا عليه لحظة وفاته وتأثروا كثيرا وهم ينتظرون من البابا الجديد ليو الرابع عشر ليملأ هذا المنصب ويضيف قيما جديدة لهذه المؤسسة الدينية العريقة.

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 11/05/2025   رقم المحتوى 62775
أضف تقييـم