عصام كاظم جري

عدُّ محور اللون أحد المؤثرات التي يتلقاها الإنسان عموما من العالم الخارجي ، وقد شكل هذا التأثير جزءا كبيرا من مزاج وتركيب وطبيعة الإنسان ، ولقد تناول مجموعة كبيرة من الشعراء والأدباء والعلماء والمفكرين والفلاسفة محور اللون إبداعا ودراسة وتحليلا . لما للون من إثر على حياة الإنسان بالمُجمل ، وعلى عقله الباطن أيضا ، وإن لهذا الفعل عمقا تأريخيّا وزمنيّا ليس بالجديد ، وإنما قبل مئات السّنين ، ولا تقفُ تلك المُؤثرات على الخصائص الفيزيولوجيّة ، وإنما تتسعُ لتصل إلى خصائص أخرى منها نفسيّة وروحيّة وجماليّة . وقد شغلت الحاسة البصريّة للإنسان مذ كان ، ولا نغفل بان هناك الكثير من المؤثرات في هذا العالم يستهلم منها الكاتب إبداعه شعرا أو نثرا  أوكتابات معرفيّة ، واللون هو أحد تلك المُؤثرات ، وهنا لستُ بصدد بقية المُؤثرات الأخرى . فهذه المقدمة تصلح للدخول إلى عوالم الشّاعرة العراقيّة المغتربة " منال الحسن"  في مجموعتِها الشّعريّة "ابْنة الشمس"  الصادرة عن منشورات أحمد المالكي /  بغداد / ٢٠٢١ ففي هذه المجموعة .

تتبنى الشاعرة رمزيّة اللون ، لا سيما في قصيدتها "همس الألوان"  ص " ٥٤ "

ونقرأ منها :

كل قمصانك تصلح لليل ، الأصفر  يربكني كثيرا لأنه يأخذني لنجم بعيد ، أرى فيه لمعة ، تُذكي في كياني لهفة ، وتجعلني بجناحي اشتياق محلقا في فضائك.

ترمز الشاعرة باللون الأصفر إلى مجموعة من المشاعر والأحاسيس التي يثيرها هذا اللون منها الفرح والوضوح والتفاؤل والمرح والتّقارب مع البياض الذي سنعود إليه لاحقا ،  الأصفر لون الانفتاح والطاقة الإيجابيّة ويدّل على السعي أيضا، نحو علاقات أخرى منها إثارة الاهتمام النفسيّ والروحيّ . ولا تقف الشاعرة عند هذا اللون فحسب ،  بل ذهبت إلى لون آخر ، وانتقلت بالقارئ إلى إيقاع لوني جديد .  فالأحمر أو الملابس الحمراء الحاضرة بالنص الشعري وتحديدا ( القميص الأحمر ) يثير التوتر ، وقد كتب الشاعر الفرنسي رامبو عن ذلك وقال (من السهل اغواء المرأة في الأحمر) وقد وصفت الشاعرة هذا اللون بالأتي:

الأحمر إيقاع النار ، يضع قلبي على كفي، فأرى ألسنةََ تتصاعد لترسم على جبهتي وشما من ترقب وتجعلني أمسك قوس الحب .

إذاََ / جعلت الشاعرة من هذا اللون إيقاعا مؤثرا لدن القارئ ، أسوة بما وصفه القدامى ، وتستدرج الشاعرة هنا القارئ لمنطقة أخرى يصفها الدارسون بمنطقة الحب ، فالأحمر بوصفه إيقاعا للحب ونار الشوق ، وصولا للقوس وهو لون النشاط الذي يرمز للقوة الفيزيائيّة ، وكذلك التسلط والإدارة والمقدرة . وقد جاء اللون الأسود في القصيدة  ب ( ما يخبئه الجمر ، وما يغلّف الصباح ، ويجعله حادا )

يمثل هذا  اللون ملمحا جماليّا في الشعر ، ويعدُّ عنصرا مهما من عناصر البناء الفني ، لما يحمله من دلالات ذات علاقة مباشرة بالرؤية الفنيّة ، لانه يكشف عن احساس الفرح والحزن . ولم تهمل الشاعرة اللون الأزرق ، حيث  جاء هذا اللون في القصيدة بكامل أوصافه ، فهو لون الانطفاء والانعزال وهو لون العقل أيضا،  قليل الجاذبية ، وخارج  اشتعالات الأحمر وفطنته وعناده وانشطته وتسلطه، وقد ذهبت الشاعرة الى مرعى السماء الزرقاء ووصلت إلى الأمواج الزاحفة على الشواطىء، لتؤكد فكرتها بعمق في التّعبير عن اللون الأزرق . وهي بذلك تحاول أن تُعطي انطباعا مطابقا لدلالة ورمز وسيمياء اللون الأزرق ، وبالأزرق يكون الإنسان منعزلا ، لا يسمح لأحد بالاقتراب منه،  إنه لون الانطفاء ونقرأ:

الأزرق أمواج

تزحف على شاطئ لتطفئ ما تبقى، من حبات الكأس، وتحملني على غيمة تتهادى في مرعى السماء .وبعدها تنتقل بنا الشاعرة الى لون التوازن والجهوزية لفعل الأنشطة كافة ، وبمنطق العقلانيّة والاستقرار بغية تحقيق الرفاهية والنشوة

حيث نقرأ عن الأخضر :

الأخضر دائما حقول

موسم مهاجر للنشوة ،

فرح دائب في الشهد

صباحات تأتي مسرعة

لتصل

قبل الشروق .

وأخيرا الأبيض هو رمز التجدد والنقاء والكمال ، وتخبر الشاعرة بأن الأبيض هو طفولة مرحة ، وهو البراءة والضوء ايضا ، مثل الثلج مثل والسحاب والحليب هو الأبيض .