الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
سحرية الإدهاش في نصوص الشاعر عبد الزهرة زكي
سحرية الإدهاش في نصوص الشاعر عبد الزهرة زكي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

شريف هاشم الزميلي

    يرصد الباحث الكبير ناجح المعموري في ( سحريات الطقوس والأساطير ) (1) ما في ( كتاب الساحر ) (2)  للشاعر المبدع عبد الزهرة زكي من أنساق أسطورية في نصوص أثرتها قواسم مشتركة يتقصّى من خلالها ما في تلك النصوص من قيم فنية ، ومنها نصّ ( غناء الليل ) .    " لقد سمعتُ غناءكَ في الحقل على سفح الجبل.

                           *

   في حجرة أمَي . في بيت أبي

  سمعتُ غناءكَ وحدي .

                        *

وحدي كنتُ سمعتُ غناءك وأنا في البيت,

في حجرة أمي . (3)

    عند تأمّل النص تبرز واحدة من سمات الشاعر ، التكرار إثراء ، إلى جانب سمة أخرى ، (الوحدة) التي تكررت مرتين :  " سمعت غناءك وحدي " ،" وحدي كنت سمعت غناءك " إلى جانب تنوّع نصوصه اليومية القادرة على الإدهاش بواقعيته السحرية.

    ويرى الباحث المعموري " أن الواقع - لدى الشاعر -  لا يعرف الثبات .. ، وشريطه متحرّك مثلما هي قصائده في كتاب الساحر .. تعلن عن مهارة في ابتكارات الالتماع المقبول والمدهش بما فيه من سحريه وقوة تتشكل من النص البرقي أو الزئبقي الهادئ ." ص٥٧

    يُخضع الباحث المعموري نصوص كتاب الساحر لما في الموروث العراقي من سحرية تتواءم ونصوص الشاعر التي اعتمدت السرد عالي التركيز نهجاً حيوياً متحركاً ، فيذكر أن "  نصّ عبد الزهرة زكي ينطوي على الوظائف الموصف لها في النص العراقي القديم ، أي بمعنى تشارك الطقوس / العقائد / الأساطير بوحدة متماثلة وموحدّة - ومنها - طقس الرقص الجماعي فإن به سحرية خلاقة لتكريس نسق الخصوبة " ص١١٠/١١١

    يختار الشاعر عبد الزهرة زكي عناوين نصوصه على وفق دراسة دقيقة ولنا في نصّ ( أنا وحدي ) خير مثال ، فقد استخدم ( وحدي ) المنصوبة على الحالية الملازمة للإضافة ،  ولم يقل -  على لسان المُحبّة - أنا وحيدة لأنه يدرك أن الخبر يحتمل الصدق والكذب لذاته حتى التوثق من مطابقته الواقع صدقاً أو كذباً.

    يتسم نصّ ( أنا وحدي) بما عرف عن الشاعر من استخدام التكرار إثراء للنص ، فضلاً عن الصور المستمدة من المألوف في الحياة اليومية " ضفائرهن تطير إلى السماء ، روحي طائرة إليك " إلى جانب التأكيد على الوحدة/ الانفراد وقد تكررت أكثر من مرة :

" دلاؤهن على الغدير ، و ضفائرهن تطير إلى الشمس 

انا وحدي البعيدة عن البنات اللاتي رقصن كثيراً.

                    

قدماي في الغدير ، وروحي طائرة إليك

أيها الراعي النازل من ظهر الجبل .

               

انا وحدي ."  (4) ص١١١

  

     ينفرد الباحث ناجح المعموري بإرجاع ما يتناول من نصوص إلى ما يحتمل من مجازات أو عتبات تفضي إلى مضامينها عبر قراءة دقيقة لمفردات النصّ  وما تتضمنه من إحالات تجعله قريباً منه ، بما عرف عنه من خبرة في هذا الميدان ، حيث يرى " أن البنات اللاتي رقصن كثيراً في طقس خاص بهن يمثل تجاوراً مع الينابيع الأولى .. بالإضافة إلى ما تعنيه الدلاء ، الكؤوس من رموز جنسية ..  فامتلاء الدلاء ماءً كافٍ للإشارة إلى تحققات الخصوبة لهن . - وعن تكرار " أنا وحدي " - يرى الباحث المعموري - أنها صرخة احتجاج الأنا ضد الراعي الذي جعل منها معزولة ووحيدة . "  ص١١٣/١١٤

    شفرات نصوص الشاعر عبد الزهرة زكي ، وما يبتكر من معانٍ ينفرد بها ، بؤرة صافية لدِلالات أكثر صفاءً، يستند فيها إلى مديات استقبال ، يسعى من خلالها إلى خلق آصرة واعيه بينه وبين المتلقين ممن أثرى مخيّلتهم ما في نصوص الشاعر من أنماط متحولة تسعى إلى الإمساك بما في المألوف واليومي من تجدّد وحيوية.

في نص ( يوم العيد )

   " ثمل الهواء بها . فحملها إلى القرية ، إلى الفلاحات اللاتي كُنّ

يعتصرن من الغيمة خمرة يوم العيد.

             

ذابت الخمرة في النايات . ورقصت الفلاحات وطارت القرية .

وإلى الجبل الذي لن يبلغوه ، هبط الرعاة الذين سبقتهم

النايات إليه ،

وقد

 ثمل الهواء بها . وثمل الجبل بالهواءِ في يوم العيد ."  (5) ص١١٦

    تتوهج مفردة ( العيد ) في الأذهان بكل ما في المجتمع من ممارسات إنسانية ، حيث لاشيء سوى الفرح والتشارك الجماعي للاحتفاء والاستعداد له بعيداً عن الهموم اليومية المؤجلة ، بما في التأجيل من أمل ، تلك المفردة المّرة المدرجة في سِفر الغيب .

    " تشير تفاصيل نصّ ( يوم العيد) - والحديث للباحث المعموري  - إلى أنه عيد جماعي اشترك فيه الرجال والنساء ، وزاولوا طقوسهم الدينية ، ومن تفاصليها العزف / الرقص / وتناول الخمرة .. لأن الفلاحات اعتصرن الغيوم ، وهطل الخمر للأرض مشاركة من السماء بطقوس الجنس .. مادام الخمر من تمظهرات العمل بالأرض وهو شكل من أشكال الخصب فلابد للفلاحات من الاحتفاء بالرحم الرمزي / الأرض وأرحامهن المنتجة ." ص١١٧

    الود والتقدير للشاعر الساحر عبد الزهرة زكي و للباحث الكبير ناجح المعموري ، وقد وفرا معاً للمتابعين فرص تأمل ما أبدعاه من شعر مدهش وبحث رصين .

 

 

 

ناجح المعموري - سحريات الطقوس والأساطير/ تموز للطباعة والنشر والتوزيع٢٠٢٢

عبد الزهرة زكي - كتاب اليوم .. كتاب الساحر - دار الزاهرة للنشر والتوزيع - رام الله فلسطين/ ٢٠٠١

المصدر السابق - نصّ غناء الليل ص٦٩

المصدر السابق - نصّ أنا وحدي ص٩٥

المصدر السابق - نصّ يوم العيد ص74

المشـاهدات 339   تاريخ الإضافـة 14/05/2023   رقم المحتوى 21066
أضف تقييـم