الجمعة 2024/4/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
الفنان ثائر هادي جبارة..العرض تخيّل للرموز وسرديات التاريخ
الفنان ثائر هادي جبارة..العرض تخيّل للرموز وسرديات التاريخ
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناجح المعموري

يواجهك اللون الأسود وانت تدخل الباب لقاعة العرض المسرحي وهو دخول متكرر مرات كثيرة والمثير فيه ، تمتد خطواتك هادئة وانت تدوس على كمامات سوداء زاحفة مثل الأفعى الطويلة التي إتخذت مسار الحشد الصاعد نحو القاعة وتواجهه خيمة من الأكياس البيضاء وقد لعبت فلسفة العرض ومنحت الكمامات السوداء بمهارة دوراً وشكّلت فماً نسوياً حافظ على حضور نسوي حتى لحظة مغادرة العرض وسط إحتفالية للجماعات المختفية بعرض مسرحي جميل، حضر الحشود وخلق تماهياً مع الفنان المسرحي الكبير ثائر هادي جبارة والذي يطلّ شجاعاً وجريئاً وصادقاً ينشغل متأخراٌ بعد عرضٍ ناجحٍ ويظل يلتقط مرويات الشارع وتخيّلاته وتحفظ ذاكرته ما تجعل سياسة الفنان ضربات قوية معبرة عن الجماعات التي واجهت القهر والإضطهاد والجوع والموت عبر حروب صغيرة وأخرى كبيرة حتى تنامت وكأنها خاضعة للسيرورات، ولكن الثابت في الفم الأسود بحواف شفتين كبيرتين، وكأن الخراب خرب كثيراً الهوية الثقافية للكائن الأنثوي ومثل هذه الخلاصة الثقافية القوية تناثرت بإعتبارها توصلات إجتماعية وفنية وهي من معروفات الفنان المتمرد على كل ما هو ثابت لأن العرض المحتشد بالتوتر وتصاعد الإيقاع الحواري المكرس لثنائية العلاقة الفنية بين ثائر وهو  يقود الحشود المزدحمة بصمتها وهي تعيش ذاكرات التاريخ الإجتماعي ومروياته التي كبست تفاصيل الحياة اليومية بكل الخراب وسواداته حتى إعتادت كينونات الأفراد على كل ما هو تدميري ، أضفى على المألوف مرموزات تمتص بطاقات دلالية متآتية من تخيلات الجغرافية الشاسعة وجعلت منها تعبيرات صالحة للجدل مع الواقع المهيمن ونجح الفنان ثائر جبارة من جعل شبكات الرموز عرضاً حميماً ومستفزاً للمشاهد الذي ظلّ بعلاقته الصوفية الممنوحة له من لحية ثائر وشعر رأسه وإيقاعات صوته المتلجلج والمرتبك وهو يبث إستعادات للحشود ويختبرها بالتشارك والإنصات الذي تمظهر متشاركاً مع ثائر وهو يزداد توتراً بخطاب إبتدأ وظلّ مطارداً النظام الدكتاتوري السابق  الذي فتح منافذ الأحلام الكولونيالية لتغزو العراق الذي تحول جغرافياً للوباء الأسود ، جغرافية نزعت أجمل ما فيها من إنبعاثات خضراء وهيمن عليها السواد ، لأن رسالة الحرب هي التدمير، الأوبئة تعيش أكثر من الأفراد وتبقى تلعب لتنشر الخوف والإنطفاء والتعطل .. إنه مثير بما فتحه من حوار ذاتي أكد على العقل الكانطي ما زال حياً وصاحياً لأنه أكد على أن المسرحيات السائلة ذاهبة نحو سيرورة إنطولوجية منحت الكائن قناعة بالذي سيظلّ معمولاً به لأنه يمثّل تعرفاً للدور الذي يحوزه الفرد عندما يتجاور مع الآخر وهذا قد أكده المفكر هويدجر هذا الموقف أهم ممنوحات ثائر هادي لنا مثلما وضعنا وسط تراكمات إستعادة المعروفات والغرائب وكل ما ساهم بتخريب تراكمات كل ما أنتجته الحياة من جمال وسعادات وإبتهاجات .. الدمار / الحرب / الأوبئة والجرائم التي عطلت الأنثى / الضحية التي خسرت ما هو أجمل ممتلكات ذاكرة الجسد الأنثوي وهو المنح وتوفر فرصة متكررة كثيراً مع المشارك المذكر الذي تجعل معه الأنثى الحياة تياراً لذائذياً، لكن الاوبئة حوّلت اللون الأحمر الذي يكسو شَفَتَي الأنثى وإستبدلته باللون الأسود وهيمنَ هذا اللون وضغطَ على الفم وأخرسه تاريخاً طويلاً إمتدّ ليشكّل سرديّات مماثلة لشعوبٍ تحاشت التدمير . لذا ركضت نحو رمزها الهوياتي وأضفت الأبيض على علم الدولة مكشوفة لأن البياض هو الرمز الأقوى المضاد للحروب والداعي للسلام والأمن الذي لم يحز عليه شعب من شعوب الجغرافية، بل جعل السواد طاقة مختصرة لمرويات الجغرافية من خلال التاريخ وسرديّات تخيّلاته الطويلة والتي ساهمت بتراكم مخلوقات الذاكرة من الرموز / العلامات / الإشارات .وهنا تبرز مهارات الفنان ثائر هادي جبارة وشجاعته التي منحت هذه المخلوقات الإبتكارية نوعاً من الحياة الجديدة التي إختارت أهم ما يحتاجه الكائن من أفعال مقاومة وفعلاً صارت رموزه وعلامات العرض مثال الأزياء والملابس الكثيرة والمختلفة بتنوّعات ذات دلالات راكضة فوق خشبة العرض، ملابس معروضة بأسعار رخيصة وسلّة مساعدات للبلد الذي كان يطعم من يحتاج الدعم والعون في الأزمات .بدلة العامل الزرقاء وسط أزياء لكل منها ضغطة على المتلقي، الجاكيتات الموظفة بتنوع، وبناطيل وأخرى حمايات من البرد، والمدهش أن تراكمات الأزياء تمظهرت وكأنها متروكات مغاسل الموتى، وثائر هادي يصرخ ولا يشير لا للرموز الأخضر مثلاً والأحمر، هما مكونات الثورة العربية المصفوعة بقوة بالإنهيار وكذلك ظل الأرض الخضراء عاطلة بسبب الحرب وتكرس الأوبئة كل خمسة بألف صوت ظل ضاجاً أثناء العرض ولا أحد يشتري لأن البدلات العسكرية ذات الحضور والتي تساقطت في حاويات كبيرة حمراء (يلاحظ ما يعنيه الأحمر هنا)، كل خمسة بألف.إمتلكت الرموز طاقة كبرى جعلت من التشارك قيم للتبادل والتحاور بين الأفراد المحتشدة وسط القاعة .لا أحد يشتري صدقات الذي أرسل لنا الطائرات والصواريخ حتى حانت لحظة التراجيدية في العرض وسط السواد عندما  إمتلأت يد الفنان ثائر هادي وسحبت لوناً أبيض وكان بدلة عروسٍ جديدة وقد إشتراها الفنان بمبلغ كبير وعرضها ولم تتقدم أنثى إليها.الحياة معطلة إذن.. رغبة الأنثى مقتولة وهي ضحية الدمار والأنثى أكثر الكائنات المُضحية ورضاها بالبكاء فقط .بثّ لنا العرض بأن الرموز هي نتاج الجغرافية/ الطبيعة وأن المخيال وحده القادر على إستعادة الحوار والجدل والصراع والإستمرار مع مرويات التاريخ التي صاغت خزاناً لنا وهو الحافظ المجد الكائن . كل المجد لثائر المبدع والجريء وسنظل وسط إستعادات الفرح التي منحها لنا العرض .

 

المشـاهدات 428   تاريخ الإضافـة 05/06/2023   رقم المحتوى 22841
أضف تقييـم