الإثنين 2025/5/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
نيوز بار
الدراما العراقية بين غياب "المنتج الفنان" وتحديات النهوض الثقافي
الدراما العراقية بين غياب "المنتج الفنان" وتحديات النهوض الثقافي
فن
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب مصطفى حسين
النـص :

 

 

 

تواجه الدراما العراقية في السنوات الأخيرة أزمة حقيقية تتمثل في غياب ما يُعرف بـ"المنتج الفنان"؛ ذلك المنتج الذي لا يتعامل مع الفن كسلعة تجارية فحسب، بل يراه رسالة ثقافية واجتماعية، ووسيلة للتعبير عن قضايا الإنسان والمجتمع. وقد انعكس هذا الغياب بشكل واضح على نوعية وجودة الأعمال الدرامية المنتَجة محليًا، ما أدى إلى تراجع مكانة الدراما العراقية عربيًا.يُعد المنتج الفنان حلقة وصل محورية بين النص والمخرج والممثل، وهو صاحب الرؤية التي توجه البوصلة نحو محتوى يحمل قيمة حقيقية، لا مجرد مادة ترفيهية سطحية. غير أن هذا النموذج أصبح نادرًا اليوم في العراق، واستُبدل غالبًا بمنتج تجاري ينظر إلى الدراما من منظور ربحي بحت، يسعى إلى الاستثمار السريع دون اكتراث بالجانب الفني أو الثقافي.وقد أدى هذا التحول في مفهوم الإنتاج إلى تراجع في المضمون والشكل، حيث غابت القضايا العميقة، وسادت القوالب الجاهزة، وباتت معظم المسلسلات تُنتج وفق ذوق السوق، لا وفق حاجة المجتمع. كما أُهملت موضوعات اجتماعية وفكرية كان من الممكن للدراما أن تطرحها بأسلوب مؤثر وبنّاء.إلى جانب ذلك، تعاني المؤسسات الفنية والثقافية من ضعف الدعم الحكومي، في ظل غياب ميزانيات مستقلة أو خطط واضحة لتمويل الإنتاج الدرامي الوطني. وغالبًا ما تُترك هذه المهمة لجهات تجارية أو إعلامية لا تمتلك رؤية فنية متكاملة، مما يؤدي إلى إنتاجات تفتقر إلى الجودة والهوية. كما أن البنية التحتية للإنتاج، من استوديوهات ومعدات، ما تزال غير مؤهلة لتقديم أعمال تنافسية على المستوى العربي.أما النصوص الدرامية، فغالبًا ما تعاني من ضعف في البناء والمعالجة، إضافة إلى اللغة الدرامية السطحية أو المكررة. ويُلاحظ افتقارها إلى العمق والابتكار، مما يجعل كثيرًا من الأعمال فاقدة للجاذبية والمصداقية. ويُضاف إلى ذلك غياب الورش المهنية لصناعة النصوص وتطويرها، رغم أنها تُعد حجر الأساس لأي تجربة درامية ناجحة.ولا يقل خطورة عن ذلك، غياب فرص الدعم والتطوير للفنانين الشباب، في ظل نقص المؤسسات التعليمية الفنية وندرة الورش التدريبية. وهذا ما يسهم في تفريغ الساحة من المواهب، ودفع العديد من المبدعين للهجرة أو الابتعاد عن المجال الفني كليًا.وعلى صعيد الهوية، فإن الاستعانة المتزايدة بالكوادر الأجنبية في التمثيل والإخراج والتصوير، رغم أنها مفهومة أحيانًا، ساهمت في تقليص الحضور المحلي داخل الأعمال، وأفقدت الدراما نكهتها العراقية الأصيلة المرتبطة بالواقع الثقافي والاجتماعي للبلد.إن استعادة الدراما العراقية لعافيتها لا يمكن أن تتحقق من دون عودة "المنتج الفنان" إلى المشهد، لأنه وحده القادر على تحقيق التوازن بين الجانب الإبداعي والجانب الإنتاجي. وجوده يضمن إنتاج أعمال تحترم عقل المشاهد، وتعكس قضاياه، وتسهم في بناء الوعي العام بدلاً من تسطيحه.وتكمن بداية الحل في دعم الدولة لهذا النوع من الإنتاج، سواء عبر صناديق تمويل، أو عبر تقديم تسهيلات قانونية وتشجيع شركات الإنتاج المحلي. كما ينبغي إنشاء مراكز لتطوير النصوص وتدريب الكوادر، وتوفير بيئة مهنية قادرة على إعادة بناء الصناعة من الجذور.فالدراما، في جوهرها، ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل أداة لبناء الوعي وتعزيز الهوية الثقافية. وإذا ما أراد العراق أن يستعيد مكانته الثقافية والفنية، فعليه أن يعيد الاعتبار للمنتج الفنان، وأن يمنح الكفاءات المحلية الفرصة لقيادة هذه النهضة بروح مبدعة ومسؤولة.

المشـاهدات 14   تاريخ الإضافـة 04/05/2025   رقم المحتوى 62493
أضف تقييـم