بغداد – حمدي العطار

الجزء الأول

يلفت نظري الغلاف الذي يتحول الى دلالة علاماتية (سيموطيفية) على المعنى الكلي أو المغزى النهائي من النص، ويكمل هذه الدلالة عنوان الرواية (الدفتر الاصفر) فإذا كان اسفل الغلاف  احمر ويغطي الجزء الاسفل من المشهد هو اللون (الاحمر) الذي يرمز الى دماء ضحايا هذه القصة - قصة صكبان – والذي يذكرني ايقاع ورنين الاسم بدكتاتور العراق (صدام) ويبقى السؤال لماذا لم يكن الدفتر الاسود؟ يمكن لأن التسمية موجودة في التاريخ الادبي لذلك كانت التسمية بالدفتر الاصفر وقد يرمز الاصفرار الى الموت! وهو دفتر ملاحظات  يملكه صكبان ويقيد فيه اسماء من يريد ان يتخلص منهم لأسباب مختلفة!!

لماذا احسسنا ان الروائي "صادق الجمل" يسرد من خلال شخصيات تمثل اقنعة ومرايا متفاعلة ومنفعلة ؟ هل بسبب هذا الاهداء الفلسفي الغريب ( إلى الذين يقرئوني كأني أتكلم معهم) بينما جاء التقديم بعنوان (توطئة) بقلم – عبد الجبار السنوي- اذ يقول  " لو أنصفني الحرف، لقلت إنني لم أطالع رواية، ولكن تجولت بين مرافئ فنية غاية في الجمال لما ابتدعه الكاتب من حكايات تزداد التصاقا في نفس المتلقي" ويذهب المقدم الى وصف السردية بكلمات شاعرية قائلا" لقد كان أسلوب الكاتب مبنيا على دقة العبارة وقوة الحدث ومسك القارئ ليدرك أنه ليقرأ قصيدة لشاعر أخذته الأحداث" وينهي هذا التقديم بالقول "ان بناء الرواية يجعل القارئ يحس ان الاحداث هي التي كتبت الرواية ولم يكن للجمل المبدع سوى ترتيب شخوصها بحسب قيمتها الروائية وأزمنتها المرسومة لها وكما يرى سارتر ( ان الناس تكتب الرواية وهم الذين يقرؤونها)

تقنية السرد*

تولى السرد في الرواية المؤلف المضمر راوي عليم  بكل شيء ، لذلك كانت السردية عبارة عن مجموعة من العلاقات وليس حاصل جميع اجزائه، واستطاع الروائي نحت هذه الشخصيات ويبث فيها حياة وحيوية " صكبان وصديقه الاعور ، رئيس شركة النفط الباشا او الملك وزوجته  البغدادية اللعوب نجلاء" هؤلاء هم الشخصيات الرئيسة في الرواية ومعهم تكون" ام صكبان" لأن ابوه مات وهو يتيم! وسوف تظهر شخصيات وتختفي (النقابي المثقف الشيوعي- وابنه سلام  التاجر عشيق ام صكبان – الواشي- الشركاء الثلاثة في شركة المتاجرة بالمخدرات )  لأن هذه الشخصيات سجلها صكبان في الدفتر الاصفر ولا اعلم لماذا لم يكشف لنا سر هذا الدفتر الاصفر منذ البداية فكانت هناك فرصة لفعل ذلك في الصفحة 12 "وفي الليل أخرج دفتر الملاحظات الصغير وسجل أسماء ضابط التحقيق والشرطي وصاحبه الأعور وتصفح الأسماء الأخرى وأمام كل اسم ملاحظة مقتضبة"ص 13 في ثنايا السرد يزج الروائي ازمنة مختلفة وامكنة اضافية لها بعد تاريخي وروائي مثل "صادق الجمل" لابد ان يخلق شخصية مثقفة لتتولى هذه المهمة هو اطلق عليها صفة وليس اسم (الاعور) وهو رفيق وصديق" صكبان" ومصدر ثقافته " مثل هذا لا يفكر الا بالحياة التي يريدها أو الموت والمغامرات ، كالبناء يحتاج إلى مجموعة من العوامل كي ينهض شامخا، الاهرامات وبوابة عشتار وسور الصين وعمارة الدامرجي.... وعلاقة "صكبان" مع "الاعور" فيها نوع من التناسق والانسجام وكذلك شيئا من التحدي والتناقض (- قال لصاحبه : خذ الحكمة من العوران..ها ها هاي..رد معنفا : الأعور الما عاجبك بكالوريس . مو مثل ناس عبروا الابتدائية بالغش!! والمتوسطة بزحف عبد الكريم قاسم"ص 12 هكذا بحوار ذكي كشف لنا الروائي الزمن الذي تجري فيه احداث الرواية!  ولا يكتفي الاعور في ثقافة الامكنة التي تجري في احاديثه بل الاهم هم الشخصيات التاريخية والحكم والافكار "حدثه  عن نيرون الإمبراطور الروماني نيرون أوفيرو وعن نبوخذ نصر، ففي كل يوم يحدثه عن شخصية . وتعجب كيف تمكن العسكري البسيط العريف رضا بهلوي حينما تحرك واستولى على ايران وأخضعها لحكمه"

يبقى السرد مخلصا لشخصية "صكبان " فهو يمثل السياق العام والذين خرجوا عن هذا السياق العام يسجلهم فورا صكبان في الدفتر الاصفر لكي تنتهي حياتهم، وعلى الرغم ما تملكه شخصية صكبان من شر وقسوة الا ان الروائي التقاطها بشكل مثير ومشوق ووضعها المسؤولة عن السياق العام.