الأحد 2025/5/11 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
نيوز بار
اقنعة ومرايا فاعلة ومنفعلة عبر تاريخ العراق القديم والمعاصر في رواية (الدفتر الاصفر) للروائي " صادق الجمل"
اقنعة ومرايا فاعلة ومنفعلة عبر تاريخ العراق القديم والمعاصر في رواية (الدفتر الاصفر) للروائي " صادق الجمل"
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

بغداد – حمدي العطار

الجزء الثاني

 

*توظيف الجنس  

دخل( الجنس) في بنية  رواية (الدفتر الأصفر) من اجل تكوين وتعميق شخصية البطل (صكبان)  مسالتين الجنس ، واذ لاحظنا الرواية تخلو من العلاقات العاطفية البريئة فهي قد استبدلت هذا النقص بكم لا بأس به من (الجنس) المحرم وبذلك كسر الروائي تابو الجنس (فنيا) اي ان "صادق الجمل" احسن توظيف الجنس في الرواية للضرورة الفنية في بناء شخصية "صكبان"  ولبيان الشريحة الاجتماعية المنحلة والفاسدة لعائلة مدير الشركة وزوجته نجلاء على انها عائلة فاسدة في كل شيء ومن ضمنها الجنس، ولا يمكن ان نعطي توصيفا محددا لرواية الدفتر الأصفر بسبب تداول الجنس – على الاخص في المقطع 4 من الرواية  وفي مواقع اخرى – على أنها رواية (الابروتيكية) لأن الروائي لم يقم بإقحام موضوع الجنس  من دون توظيف– علاقة (صكبان بنجلاء) التي تبدأ بإمنية مستحيلة التحقق لأن نجلاء زوجة مدير الشركة وصكبان ما هو الا حارس او مسؤول الحراس ولكن من المشهد التمهيدي للتلميح بإن علاقتهم سوف تتحول الى علاقة جنسية عارمة "تجمد بصره واتسعت حدقاته وقد تكشف ما تحت عجيزتها حين تعلقت بأكتاف زوجها تمطره بالقبل،أنسدل شعرها فغطى وجيهيهما، ساعدها وهو يرفعها من تحت عجيزتها كي يلتحم جسديهما، استدارت واتكأت على حافة الحائط وتبسمت حين رأت صكبان يختلس النظر، زادت من عناق زوجها أكثر، عناق لا يروي، تحرك جسدها عموديا ترهزه، يا ترى هل تثيره أم تشبع غروها!! هكذا تساءل صكبان؟؟"ص33 هذا النوع من السرد قد يكون اكثر مفعولا لتهيج القارئ من وصف ممارسة الجنس! لأن المقطع السابق (التهيجي)  ليس من السرد المبتذل ولا يخدش الحياء العام ، وتكرر عدة مرات في الرواية وليس في ذلك ضير طالما كسر التابو (الجنس) جاء بطريقة التناول والتوظيف وليس منفصل عن التطور الدرامي للاحداث في الرواية فهو جزء محكم ومتماسك  من دراما النص ويتكرر في علاقة ام صكبان مع التاجراو محاولة التاجر ان يقيم معها علاقة جنسية في المكان السري من المحل "دخلت أم صكبان على التاجر، الذي صعق مبهورا لما رآها، أرتجف مثل مشلول، فقد أحدث تحولها هذا معجزة أو ما يشبه الحلم، تمنى أن يلعقها كما يلعق الذباب صحن عسل، فنسى التجارة والأرباح والسوق، أزاحت العباءة السوداء فبرز نهداها مثل كرات نار تتحرك تتماوج كلما تنفست وتكلمت، امرأة تجاوزت الأربعين، تصارع رغبتها المجنونة، تحاول أن تظهر كامرأة باردة ساكنة، كانت تخفي ثراء جسدها بملابس قروية مهلهلة ، وها هي الآن تبدو أصغر من عمرها حينما وقفت أمام مرآتها تشد ثوبها شدا وتعمدت أن تظهر- اسقيات الحمالات الحمراء- كي تكشف ملامح الجمال عن نفسها كي تتوضح، ولما اقتربت منه فاحت رائحة الشبق من جسديهما"ص57 احيانا موضوع الجنس كجنس لا يضيف شيئا للنص كقيمة جمالية ولكن الكاتب قد يرغب في الترويج والشهرة لعمله، هنا حاول الروائي ان يطعم سرده بجرعات جنسية لا تشكل هي الموضوع الرئيسي لكنها من اجل الغوص في اغوار الشخصيات " هرع سريعا يفسح لها الطريق يتزلفها كشحاذ، كي يفتح بوابة عالم الخيال وحلمه اليقظوي خطفت قلبه وبانت على ملامح وجهه تعابير الفرح بعد أن أزاح التراب عن هذه الماسة البكر.فلتت منه كلمات دون وعي وشعور:ما شاء الله، تبارك الله!!"ص58 ، في المشهد السردي الاول كان يقتصر الهيجان بين صكبان ونجلاء على البصر فقط مع تداعيات صكبان ونجلاء وما يضمره كل منهما للاخر! في هذا المشهد السردي الثاني جاء الحوار ثم الملامسة ثم الرفض ليغطي قوة التأثير مثل هكذا علاقة بين التاجر وام صكبان التي ستنتهي فيما بعد حياة التاجر بسبب هذه العلاقة من دون ان ينال منها وطره " تبسمت وبانت أسنانها مثل فضة براقة، سحبها من زندها البض ولما لم تمانع، تجرأ وطوقها من تحت زندها ضاغطا على ثديها فقد انحسر الخوف وأنتهى، واشار لها أن تدخل إلى المخبأ السري، لكنها رفضت وتراجعت كاد أن يجرها بمخالبه غير أنها نفرت مثل قطة وأنسحبت! خرجت تلوك خيبتها ورجعت لبيتها مكلومة مصدومة ،سألها صكبان مستفسرا: أين البضاعة؟  قالت معتذرة وبررت رجوعها بأنها لم تصل للقضاء لان صحتها ليست على ما يرام..لم يقتنع بردها، فهو الشكاك بكل ما حوله..نظرها خلسة وهو يرى التغيير على وجهها.زم شفتيه وحدث نفسه: لا بد في الأمر سر؟! وكان أحد عماله قد أخبره انه شاهد امه في سوق القضاء،سجل في دفتره الصغير كلمة واحدة ، التاجر"ص59

هكذا يستدرج الروائي "صادق الجمل" المتلقي ليجعله يتوقع مقتل هذا التاجر من قبل صكبان فكل من يوضع اسمه او مهنته في هذا الدفتر الاصفر تكون نهايته القتل! وصكبان لكل ضحية له اسلوب وطريقة للتخلص منه فكانت طريقة التخلص من التاجر بالشكل التالي " خذ هذا الترمس الأنيق الصغير، قدم للتاجر فنجانين من القهوة الفاخرة وبعد أن يشرب أخف ترمس القهوة واسق من ترمس الشاي أصحاب المحال كما أعتدت يوميا بجولتك الصباحية، وسأنتظرك في نهاية السوق..ففي فجر ذلك اليوم وقبل وصول الواشي، أضاف صكبان ثلاث قطرات من مادة الاستركنين الشديد الفاعلية، قطرات كالماء لا تؤثر ولا تغير مذاق القهوة ..يسبب تشجنات ويهاجم المركز العصبي في الجسم ويقتل الإنسان بعد عشرين دقيقة!! وبعد انتهاء مهمتهما ، دس خمسة الاف دولار في جيب الواشي، وقال : انقطع عن السوق كن كما أنت وأرجع للقرية وأحتفظ صكبان بقنينتي لبن، شرب قنينة أمامه وقدم القنينة الثانية المضاف بلبنها ثلاث قطرات من الاستركنين للواشي"ص83 .كما ترى معظم المقاطع الجنسية لها ربط بالبعد الدرامي ومصير الشخصيات في الرواية الا العلاقة الجنسية بين صكبان ونجلاء فهي كانت للاثارة والتشويق اكثر مما تم توظيفها لتطور الاحداث!  لكن السارد يخفي العلاقة  (لكي لا يكون هناك ابتذال)  ويبقي الصوت او الخيال هو من يوصل تلك المقاطع للمتلقي "سحبها نحو سريره، وكم حاولت أمه أن تراهما من فتحة الباب الضيقة ولما فشلت محاولاتها تراجعت لغرفتها المجاورة ، مكتفية بسماع لهاثهما وصراخهما،وبعد ان قضيا وطرهما تربعت على السرير عارية، وقالت: اسمع حبيبي رويتني وهدأ الوجع في داخلي"ص63وكل هذه اللقطات الجنسية لا تثبت ان الرواية فضائحية!

 

* المخدرات والسياسة  والنفط

اذا كان ادخال العنصر السياسي في الرواية موفقا جدا فتجارة المخدرات بشكل واسع في زمن الستينيات قد لا يكون موفقا، في مجال السياسة اوضح السرد زمن الرواية ليمتد عبر التاريخ لكنه يتركز على فترة حكم العارفين " في اليوم الثالث عشر من نيسان سمع السجناء خبر مصرع رئيس الجمهورية ابتهجوا واسرع السجين الثالث فرسم صورة كاريكاتيرية للرئيس وطائرته التي أسقطتها حزمة من ( الصواعق الترابية) ..وبعد أيام وما بين اليأس والأمل اطلق سراحهم، حين تولى شقيقه رئاسة الجمهورية "ص66 ،

  صديق صكبان الاعور هو من يسرد لنا التاريخ السياسي للعراق  ويربط الماضي بالحاضر  " ثار أبي على العثمانيين وتوفي ولم نعثر على جثته، فقد أخبرنا واحد من رفاقه الذي زامله في معارك الكوت قال لنا رحمه الله أن أباكم : بعد أن استبسل وبقي وحيدا يحارب الإنكليز حتى استشهد وكان رد فعل القائد الإنكليزي (تشارلز تاونسيد) والذي امر بحرقه انتقاما وحقدا بعد أن أذاقهم أبي رحمه الله المر والعذاب، وكذلك خالي الذي استشهد في معركة سن الذبان"ص42 بهذا السرد التاريخي الذكي يقدم لنا الروائي بعض الاحداث التاريخية! وفي حوار بين النقابي الشيوعي وصكبان وليظهر ضحالة ثقافة صكبان يدور حوارا عن مشروع روجرز "ضحك النقابي وسأله – يقصد صكبان- لكي يحرجه: وماذا تعرف عن مشروع روجرز ؟ عدل جلسته وقال : أنه مشروع عظيم يصب في مصلحة العمال والفلاحين ويرسخ للصناعة والزراعة!! يا اخي مشروع روجز وزير خارجية أمريكا  تبنته أمريكا ووافق عليه جمال عبد الناصر للتفاوض تنفيذا للقرار الأممي 242 ورفضته إسرائيل  فلم توافق على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في عام 1967 "ص48 ومثل هكذا موقف قد جعل صكبان غاضبا فيسجل اسم النقابي في الدفتر الأصفر ليتخلص منه سريعا!اما المخدرات فكانت فقرة لغرض ايجاد السبب للثراء وبيان تأثير الادمان على الشخصيات المرتبطة بصكبان( لم تكتف الأم بالكحول بعد أن اصبحت مدمنة شرهة بسيجارة الحشيش...استطاعت في يوم آخر أن ترشي عاملة بخاتمها الذهبي فدست تحت وسادتها مخدر نوع (ميدرابيه) حقنة فتاكه مخدرة منهية الصلاحية، وبيد مرتعشة دفعت المخدر في وريدها ولما زرقت القطرات المخدرة، سكتت أنفاسها، زفرت محنتها..وماتت!! وظهرت شخصية (سلام) ابن النقابي الشيوعي ليقود الثورة ضد صكبان وظلمه وبمساعدة صديق صكبان الاعور (اريد هذه الورقة ودفتر الملاحظات، ففي الورقة مصير شخص كريم، وفي دفتر الملاحظات مصائر ناس ظلمهم صكبان وترك عوائلهم للمجهول! وقف سلام وأشار إلى صدره : وأنا وأمي منهم) بينما اصاب نجلاء الجنون واخذت تسرد حياتها مع زوجها وباقي الرجال الذين مروا بحياتها واستغلوا جسدها (تقدمت بخطوات تحد بين المهندسين والعمال واطلقت لحنجرتها العنان وهي ترفع نفنوفها تترنح: تعالوا فنسغ جسدي يروي ظمأ الجميع!)- اتخذت نجلاء من الحدائق والشوارع أمكنة تأويها ومن فضلات المزابل طعاما يسد رمقها-اما الملك مدير الشركة  فقد انهار بعد سماع سحب رصيده من المصرف   (ترنح وسقط على الأرض، تقدم المحامي وصكبان يحاولان رفعه ، نظر نحو صكبان نظرة وجلة، فما تبقى من مشوار الحياة الا الزفير الاخير.

الخاتمة

تقوم الثورة ضد صكبان ليحاصر بعد ان شبت النيران سريعا .."انتشرت النيران تلتهم الأوراق النقدية الخضراء وصاحباه وتهاوى القصر عليهم حتى اصبح اثر بعد عين"ص145

وبما ان الانظمة كما هو نيرون لا ترحل الا بعد ان تجعل ما بعدها رمادا لكن الروائي استدرك اهمية هذه العبارة في ان تكون على لسان سلام ممثل الثورة وخطيبها " لا خراب، أطفئوا النار بالتراب، فمنه البدء وإليه المآب، أنها شركتنا - وكأنه يقول بلدنا-  وكل ما فيها لنا مشاع، منها وفيها الامل، هيا أخواتي وأخواني هبوا نرمم ما أفسده الطغاة.."ص145

رواية فيها من الدينامية والايحاء وقوة التعبير عن ادق التفاصيل وتستحق المزيد من الاهتمام والنقد

 

 

المشـاهدات 351   تاريخ الإضافـة 04/09/2023   رقم المحتوى 28308
أضف تقييـم