الإثنين 2024/5/6 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 24.95 مئويـة
رأي وقصتان قصيرتان
رأي وقصتان قصيرتان
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

محمد خضير

هاتان قصتان قصيرتان لكاظم جمّاسي، قد تؤلّفان مع نصوص أخرى أمثالهما ما سأطلق عليه: (أنطولوجيا من قبو العراق).

   تذكّرني التجربتان القصصيتان القصيرتان هاتان بثغرات عديدة في نسيج الأنطولوجيات المهمل في خزائن المراحل المتعددة للسرد العراقي. وأعني هنا: تجارب قصصية، متفرّدة في استقصائها الجوانبَ البعيدة لوقائع سياسية وإنسانية، دُفِنت تحت أنقاض الأبنية الكبيرة، والأنواع الشائعة، لمجموعات السرد، منذ عقود طويلة.

   في زماننا هذا، يتقدم نصّا الجمّاسي، ليتصدّرا نوعاً من الوقائع الاحتجاجية ذات الأثر الخفيّ في الوجدان الجمعي الجريح، تحت عمق عشرات الأمتار تحت الأرض. هنا شخصيتان عانتا بصمت التعذيبَ، إحداهما مجهولة والثانية مسماة في عتبة النصّ القصير. لمستان سرديتان تخترقان ظلام "القبو" بضوء شحيح، لكن اجتماع مثيلاتهما من قصص، في كتاب مشترك، سيرفو أحد الثقوب في النسيج القصصي لأنطولوجيات الاعتقال والاغتيال والموت، المحتمل تأليفها في درجات الصفر السياسي العراقي.

    لنفكّر في بدائل أنطولوجيّة عن نشر مجموعات قصصية عمومية، شائعة بلغتها المكرورة وشخصياتها المسطّحة ونورها الصناعي الطاغي على مسارح التاريخ المزوَّر. لنبدأ من نصيّ الجماسي، ثم لنعرّج_ ماضياً وحاضراً_ على تجارب خاصة لم يُسلّط عليها الضوء، وظلّت معلّقة على مشاجب "القبو" العراقي العميق، وحيدةً ممزقة.

_______________________

قصتان قصيرتان جدا:

كاظم جماسي

١. فيض من ضوء:

   عار تماما، يتدلى كما لو كان مصباحا، معلقا من قدميه كلتيهما الى خطاف في سقف غرفة في بناية، بدت حيطانها، كما هو وجه وقفا الجسد المعلق، لوحات تجريدية تتوزعها لطخات جافة من أحمر قان، وأخرى لم تجف بعد .

   يقف قبالة المعلق جسد آخر يحمل بيمناه سوطا، كما لو أنه فرشاة رسام محترف، وبالأخرى سيجارة مشتعلة، وبإيقاع متناوب، يسقط السوط بعنف على الجسد المعلق لثلاث مرات متتاليات، فتند عنه إختلاجات مقترنة بصرخات، تليها مرة واحدة يطفىء الرجل فيها سيجارته في مكان يختاره حساسا في اللوحة أمامه .

   وما بين إختلاجة وصرخة، يمضي الوقت حتى أذا بلغ الليل منتصفه، لم تعد هناك من إختلاجات أو صرخات ينم الجسد بها عن وجوده، وراحت مساقط السوط ومساقط جمرات السجائر تتوهج بالتتابع لتضيء كما المصابيح، فيمسي الجسد المعلق بأكمله كشافا هائلا من الضوء يغمر الغرفة، حيطانها وموجوداتها النزيرة، ويخترق غرف البناية الأخرى وما يسورها من منعرجات، ليس من مصد له، متدفقا عرما الى الخارج.

٢. وابل من ضوء:

إلى: هشام الهاشمي

   ما أن إندفقت أولى قطرات الدم من ثقب أنبلج توا في القلب، حتى هرعت حشود فراشات ملونة تكتظ عنده، تحمل ماأستطاعت من قطرات يضخها القلب المثقوب، لتنطلق سراعا نحو أعالي السماء.

   الليلة كانت حالكة الظلمة، وقد كمن خلف حلكتها، أشباح ملثمون، أردوا، برصاصات مسدساتهم الكاتمة للصوت، شابا عائدا الى منزله، وقد أمضى نهاره في ساحة التحرير،  ضمن حشود متظاهرة، يهتف مطالبا بوطن.

   الليلة تلك لم تعد ليلة، بعد أن أستوطنت سمائها حشود الفراشات، ولم يعد للحلكة من أثر فيها، بل أضحت صبحا مشرقا نظرا، أذ أمطرت قطرات الدم، من عليائها، وابلا من ضوء، وقد أستحالت ثريات باذخة في كبد السماء.

.........................

أرجو الاهتمام جدا بهذا الموضوع

المشـاهدات 202   تاريخ الإضافـة 06/12/2023   رقم المحتوى 34759
أضف تقييـم