الأحد 2025/4/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 23.95 مئويـة
نيوز بار
رثاء الزوجة في الشعر العربي
رثاء الزوجة في الشعر العربي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

         سامي ندا جاسم الدوري

كان الرثاء وسيظل غرضا بارزا من مواضيع الشعر الهامة الذي يوضح المشاعر والألم وحجم المصيبة التي نتجت جراء وفاة شخص له مكانةٌ في النفوس، لكن رثاء الزوجة كان قليل ولم يتفرد في مقطوعات مستقلة ويرجع سبب ذلك إلى العادات والتقاليد التي جعلت ذِكر الأنثى أو أي شيء يتعلق بها ضمن ثوابت معينة

فالموت قدر مؤلم مستمر ما دامت الحياة والبشر عبروا عن آلامهم وحزنهم جراء القدر بأساليب عدة والدموع أكثر الأساليب الفطرية المستعملة، وفي الأدب برز الرثاء ليعبر به رواده عن أحزانهم وآلامهم وحجم المصيبة جراء الفقد

للحبيب .وتقدم الرثاء النسوي على أغلب الرثاء منذ القدم، وربما يرجع سبب ذلك إلى استنهاض الهمم والحث على الثأر ومثال عليه في ذاك الوقت رثاء الخنساء . وكان رثاء الزوجة في القدم قليل ونادر جداً وربما يرجع سبب ذلك إلى العادات والقيم التي كانت تعيب ذلك. قال جرير يرثي زوجته /

لَولا الحَياءُ لَعادَني اِستِعبارُ

         وَلَزُرتُ قَبرَكِ وَالحَبيبُ يُزارُ

وَلَقَد نَظَرتُ وَما تَمَتُّعُ نَظرَةٍ

     في اللَحدِ حَيثُ تَمَكَّنَ المِحفارُ

فَجَزاكِ رَبُّكِ في عَشيرِكِ نَظرَةً

      وَسَقى صَداكِ مُجَلجِلٌ مِدرارُ

وَلَّهتِ قَلبي إِذ عَلَتني كَبرَةٌ

     وَذَوُو التَمائِمِ مِن بَنيكِ صِغارُ

وفيما بعد بدأت الثورات تظهر على العادات والثوابت، وبدأ رثاء الزوجة يبرز وينتشر

قال الشريف الرضي في رثاء شريكة حياته /

ذَكَرتُكِ ذَكرَةَ لا ذاهِلٍ

     وَلا نازِعٍ قَلبُهُ وَالجَنانُ

أُعاوِدُ مِنكِ عِدادَ السَليمِ

     فَيا دينَ قَلبِيَ ماذا يُدانُ

عَواطِفُ مِن مُقلِقاتِ الغَرامِ

       يَومَ دُموعي بِها أَروِنانُ

أما رثاء الزوجة عند الطغرائي فهو يبكي زوجته ويفصح عن مدى الألم والحزن جراء خسارتها، ولكنه لم يذكر اسمها قال /

أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها

ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ

لم أرتضِ العيشَ والأيامُ مقبلةٌ

فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ

وقد تغيرت النظرة للنساء وخاصة الزوجة مع تقدم الزمن وأصبح لها حضور وتواجد في جميع الأصعدة كما لم يتحرج رواد الشعر الحديث من ذكر النساء في أبياتهم، كما أنهم بكوا من أحبوا من النساء وخصوصاً الزوجة . وإن بكاء الزوجات ورثائِهن في الشعر القديم كان مقيد بالعادات والقيم فلا يستطيع الزوج بكاء زوجته في أبياته، حيث كان يُعاب ويعتبر من الضعف ، ولكن ومع التطور والتقدم فقد أصبح رواد الأدب يعبرون عن حزنهم جراء فقد الزوجة دون خوفٍ أو حرج. وفي الأندلس يرثي شاعر زوجته فيقول /

ولما أن حللت الترب قلنا

     لقد ضلت مواقعها النجوم

ألا يا زهرة ذبلت سريعاً

    أضنى المزن أم ركد النسيم

ومن أبرز الذين رثوا زوجاتهم في العصر الحديث محمود سامي البارودي، الذي رثى زوجته فقال /

لا لوعتي تدع الفؤاد ولا يدي

     تقوى على رد الحبيب الفادي

يا دهر فيم فجعتني بحليلة

     كانت خلاصة عدتي وعتادي

إن كنت لم ترحم ضناي لبعدها

      أفلا رحمت من الأسى أولادي

أما الشاعر عبد الرحمن صدقي فيسمي ديوانه (من وحي المرأة) فلم تكن هذه المرأة شريكة حياته فحسب، بل كانت شريكة عقله وقلبه فاعتصر الحزن قلبه عليها فجاء ديوانه مليئاً بالألم والعذاب حمل يوماً إلى قبرها باقة زهر فقال /

أي زهرتي في الترب بين المقابر

   إليك حملت الزهر شاهت أزهاري

حملت إليك الزهر ترويه أدمعي

       وتذوبه أنفاسي وحر زوافري

قدمت عليك اليوم أسوأ مقدم

      سواد بأثوابي سواد بخاطري

على قبرك المرموق أبكي وأرتمي

       وأجأر بالشكوى تشق مرائي

نعم لقد كان رثاء الزوجات في الشعر العربي القديم عسيرا ولا نستطيع القول بانه يمثل اتجاه عام لقلته كونه من المحظورات الشعرية التي تتعلق بنظامهم الاجتماعي المتزمت الا اننا لانعدم وجود المقطعات الشعرية التي قيلت في رثاء الزوجات .. الا ان الريادة الحقيقية كانتللشاعر جرير فقد اطلق الشرارة الاولى عندما رثى زوجته خالدة باروع ما قيل في رثاء الزوجات ، أما العصر العباسي ونتيجة الانفتاح الحضاري والامتزاج مع الامم الاخرى فقد شهد نظرة جديدة تجاه الزوجات مما كان امرا ملفتا للانتباه حتى ليمكن عدها ظاهرة جديرة بالاهتمام . وكانت لكل شاعر من شعراء العصر العباسي قصة مؤثرة اطلق الشاعر فيها لعواطفه العنان للبوح باحزانه والآمه ، والامر اللافت تقيد الشعراء في رثاءهم لزوجاتهم من الحرائر لانها عدت من خصوصيات الحياة الزوجية ،إلا انهم تحرروا من هذه القيود الاجتماعية في رثاءهم لجواريهم ، حيث انه ليس هناك نعمة أوفى وأعظم من بيت ترفرف فيه روح المحبةكما ان الزوجة الصالحة هي سر عمار مثل هذا البيت، وقد حفل ديوان الشعر العربي بالتغزل فى الزوجات وتمجيدهن والثناء عليهن في حياتهن. حتى إذا ما حل الفراق الأبدي فاضت عيون الشعراء بدموع الأسى والحزن العميق على زوجاتهن المفارقات . ويرى ابن الرومى بعد وفاة زوجته أن البكاء ينفس عن الحزن، ويخفف من لوعته، وهو يدعو عينيه أن تبخلا بالدمع حتى يعيش حزنه العميق الدائم لوفاة زوجته . قال /

عـينى  شِحا ولا تسُحا

         تـركـكما الداء مستكنا

إن الأسـى والبكاءَ قِدْما

         ومـا  ابتغاء الدواء إلا

جل  مصابي عن البكاء

      أصدق عن صحة الوفا

أمـران  كالداء والدواء

      بُـغْيا  سبيل الى البقاء

ونرى الشاعر أحمد محمد الشامي الذى لم يستطع طوال عامين رثاء زوجته لانه عاجز عن رثائها فالحزن أخرس قلمه ، غير أنه بعدها كتب قائلا /

أنا الذى ظَلْتُ أبكي الصحب منتحبا

بَـعْد الحبيبة مات القول وانتحرت

خـرسـتُ عامين لا أسْطيع أندبها

واليوم ها أنا من قبر الوجوم ، وفي

أهـب أبـكي بشعري من لها زمنا

بالشعر لم تنحبس فى موقف كلمي

أوزان شـعرى كأني صرتُ ذا بَكم

إلا بـدمـع عـلى الخدين منسجم

ذكـرى الحبيبة رغم السُقْم والهرم

أخلصتُ حبي وكانت فيه مُعتَصمي

كان رثاء الزوجة أو حتى البنت أو الأخت يُعدُّ صراعاً مع عُرفٍ اجتماعيٍّ راسخٍ يصعب على الكثير من الشعراء ركوب موجته والغوص في لُجَّته، وهو ما دعا الشُّعراء وغير الشُّعراء إلى أن يسلكوا طريق السلامة دون مُصادمة العيب الاجتماعي الذي ربما عزلهم عن مجتمعهم .

هذا شاعر العراق محمد مهدي الجواهري يرثي زوجته ولحظات مريرة عاشها الشعراء والأدباء في رثاء رفيقة الدرب، شريكة الحياة، التي ساندتهم في أحلك المواقف، ورحلت في فجيعة، ‏خلدتها القصائد الشعرية في خزائن التاريخ.‏ قال /

في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أجِدُ

             أهذِهِ صَخرةٌ أمْ هذِه كبِدُ

قدْ يقتُلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُدوا

      عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِدوا

تَجري على رِسْلِها الدُنيا ويتبَعُها

       رأيٌ بتعليلِ مَجراها ومُعتقَد

أعيا الفلاسفةَ الأحرارَ جهلُهمُ

     ماذا يخِّبي لهمْ في دَفَّتيهِ غد

ليتَ الحياةَ وليت الموتَ مرَحمَةٌ

   فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لبَد

المشـاهدات 6381   تاريخ الإضافـة 19/12/2023   رقم المحتوى 35754
أضف تقييـم