السبت 2024/10/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 21.95 مئويـة
الباحث آيدن آقصو يفكك (سقيفة لندن) وتداعياتها
الباحث آيدن آقصو يفكك (سقيفة لندن) وتداعياتها
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

د. صبيح العمران

 

عن داري (الصحيفة العربية) في بغداد و (دار العراب) في سورية صدر أواخر العام الماضي للباحث والكاتب آيدن آقصو كتاب (سقيفة لندن)، وهو قراءة استراتيجية، وتفحص شمولي، في تحولات العراق وأحواله في خضم المتحولات الدولية العديدة والشائكة والمتشابكة خلال العقود الثلاثة الماضية على وجه الحصر.

 

انطوى الكتاب الذي وقع في ثلاث مئة وخمسين صفحة من القطع المتوسط على مقدمة ومدخل وثلاثة ابواب اشتملت على احد عشر فصلا ناقش المؤلف فيها موضوعات غاية في الاهمية عراقيا، وتستحق الدرس والتفحص سياسيا وأكاديميا.

 

لم ينجر الكاتب الى الهوية الفرعية في مسار قراءاته واستنباطاته وتحليلاته، انما ظل لصيقا بالهوية العراقية العامة الجامعة، وفي تقديري ان هذا مكنه من ان يكون منصفا حقيقيا وبالتالي هيأ له حرية البحث والتحليل من دون أضغاث التخندق الطائفي والقومي.

 

يفسر آقصو هذا الميل الناجح في ان العراق وطن استثنائي تمكن فيه انسانه الاستثنائي من ان يطوع الطبيعة ويبتكر وسائل التفاهم والتخاطب ونقل الحياة من ضآلة الغاب الى فساحة العيش المشترك.

 

يقول في مقدمة كتابه { العراق، الارض التي عمرها نوع انساني متفرد في نزوعه الى تطويع الطبيعة، ونقلها من عصر الغاب الى عصر المجتمع المتفاهم والمتناغم والمتآزر  من خلال لغة مبتكرة ووسائل هيمنة على امكانات الطبيعة، كالعجلة والنار وقوننة التنظيم الاجتماعي، حتى صار وطنا استثنائيا لانسان استثنائي، تعرض على مدى تاريخه الذي يربو على سبعة آلاف  سنة، لعشرات التحديات الاستثنائية، ومن أخطرها، تلك التي دفعت أقواما تبعد عنه عشرات آلاف الكيلومترات لان تجرد ضده حملات غزو  واحتلال عبر قطع سنوات من المسير نحوه}.

 

بهذا الفهم العميق يشير آقصو الى حملات الغزو التي استخدمت الخيول للوصول الى العراق، او استخدمت السفن الشراعية، في مراحل تاريخية قديمة الغور، او قريبة، أو تلك التي أتت على فرقاطات وحاملات طائرات وأساطيل في مراحل تاريخية معاصرة وحديثة، وجربت فيه وعليه، أخطر ما أنتجته مصانع أسلحة الموت والتدمير والفناء، حاملة معها مشروعا خطيرا للثأر من بابل { بنت العراق، ومملكته غير العابرة على تاريخ العالم، انما هي، بما اجترحته من أهوال لمواجهة أسلاف أعداء العراق، مملكة تنبأت ببعض مصائر العالم، فأنتبذت لها قبل الهجوم على اولئك الاعداء وجرهم سبايا الى حصونها وتعطيل دورهم التخريبي والتدميري المبكر للكون } ص 7ـ8.

 

من سؤال شائك وتكاد تكون الاجابة عليه شديدة التعقيد؛ { هل العراق في العشرينية الأولى من الألفية الثالثة في طور بناء جديد على ما بني سابقاً, أم في طور هدم لكل ما بني طوال مئة عام من عمر دولته الحديثة؟} انطلق الباحث الكريم في بناء إجابات شافية وواقعية وجريئة معتمدا على الابتعاد عن أي { تهاتر كالتهاتر الإعلامي, وأي فوضى في الإجابة, قائمة على الانزياحات الطائفية والمذهبية والعرقية والحزبية} مستدعيا {عقلاً منصفاً وتحليلاً صافياً وحياداً موضوعيا ورصانة في التفكيك والتحليل وسائر المعالجات التفصيلية} ومتوخيا { الإحاطة الشاملة في المتغيرات البنيوية على أصعدة السياسة والاقتصاد والاجتماع والفكر الديني والفكر المدني, والشخصانية الفردية والجماعية. والتعليم والفنون والآداب والإعلام وغيرها, ولعلنا, سنحاول, محاولة متواضعة, في الاقتراب من تلك التخوم}.

 

بهذا الاحتراس الموضوعي، والمنهجية البحثية القائمة على ثلاثة أبعاد؛ تاريخية وتحليلية واستقصائية نقدية، خاض آقصو معتركا صعبا في تفكيك وتحليل ما يمر به العراق، شعبا ووطنا، من طائفية تمثل شكلا من اشكال العنصرية، والرأسمال الطائفي والحراثة الطائفية، ومفهوم موت السلطة وقوة الدولة والمسافة الصفر والهراوة الاميركية ومصروف جيب بغداد واقتصاد الحافة الميتة وغيرها من مباحث شخصت العلل وعالجتها برؤية لخصها الكاتب آقصو في قوله { عنصران مهمان يتحكمان في أية عملية بناء ويهيئان لها ظروف الجدة والنجاح والديمومة والثبات المنتج هما: الانسجام المجتمعي والتكيف الايجابي.

 

ونعني هنا انسجام الشعب بمختلف مكوناته, مع ذاته, فلا تنابز في الأصول والفروع, ولا تمايز في الأعراق, ولا طبقيات عليا وطبقيات سفلى, ولا مواطنة أولى ومواطنة عاشرة, ولا مركز ولا هامش, ولا صناع قرار ومستهلكو قرار, ولا هويات فرعية تأكل من جرف الهوية الوطنية, ولا فوق ولا تحت, ولا سادة ولا عبيد, ولا أمراء ولا خفراء.

 

ولن ينهض الانسجام بين الشعوب إلا على قاعدة قواسم مشتركة تتبوأ السلسلة الأعلى في اهتماماتها الحاضرة والمستقبلية, ومثل هذه القاعدة لن تتوفر إلا من خلال فكر خلَّاق توحيدي, وإن اختلفت بعض متبنياته, فكر إيجابي منتج ذي أثر فاعل في تكوين الشخصية الإيجابية الفردية والجمعية.

 

إن هذه الشخصية ستكون قادرة على إفراز مؤسسة تمثيلية إيجابية عنها, تتواءم مع مشروعها الحياتي والإنساني, وتقيض للبلد نهوض مؤسسة تنفيذية أمينة على تدعيم الانسجام الجمعي بوصفه سرة البناء وحبله السري}.

 

يقرر الباحث آقصو ان { موت السلطة , في اية دولة , ناجم عن ضمور الدولة جراء عامل او عدة عوامل خارجية , كالتدخل الخارجي , او حروب عسكرية واقتصادية او عامل او عدة عوامل داخلية ناجمة عن تفاعلات اجتماعية متضادة بين مكونات الشعب و الدولة .

وضعف السلطة , قد يكون واحدا من الاسباب المؤدية الى ضمور الدولة في مفهومها الشمولي .

لا تتعرض الدولة الى ضمور الا بعد تعرض قوتها الى الانحلال التدريجي الكلي او الفجائي الكلي كوقوعها تحت الاحتلال الاجنبي وتدمير عناصر وجودها و قوتها .

ان قوة الدولة هي المعيار الاساس في تحديد مكانة تلك الدولة بين الدول او مكانة شعبها بين الشعوب}.

ويأتي مثل هذا التقرير بعد استغراق الباحث عميقا في سبر غور العناصر العديدة التي اضعفت الدولة العراقية بعد سلسلة الحروب التي خاضها العراق في العقود الاربعة الاخيرة، وصولا الى الغزو الاميركي وتداعيات الصراع على مراكز صناعة القرار، وما أدت اليه في إلتباس ما حاق بسياسة العراق، وهويته الدولة الاقتصادية { تعد هوية الدولة الاقتصادية ركنا مهما من اركان القوة الاقتصادية لأي بلد ، وبخلافها فان الفوضى ستغدو هي الحاكمة في بوصلة الاقتصاد ووسيلة أمضى من وسائل تدميره.

 

بعد ان كان القطاع العام هو الضابط الرئيسي في مسارات الاقتصاد العراقي وتنحو الدولة منحى قريبا من الاقتصاد الاشتراكي في حكومة النظام العراقي السابق، صارت الدولة العراقية تواجه معضلات بنيوية في اقتصادها وفي المقدمة منها يأتي غياب الهوية الاقتصادية للبلد.

 

لا نستطيع ان نجد اي توصيف حقيقي ودقيق لهوية العراق الاقتصادية فلا هو بنظام اشتراكي ولا بنظام رأسمالي، ولا هو بخليط ممتزج من النظامين، ولا بسوق حرة خاضعة للعرض والطلب، وليس نظاما تنمويا.

 

تغلب الصفة الريعية على هذه الاقتصاد، ومثل هذه الصفة تضعه على حافات الانهيار الدائم لاسباب عديدة منها الاعتماد على مورد محدد لديمومة الاقتصاد، وهشاشة النظام الريعي وضعفه أمام أية اهتزازات اقتصادية داخلية او خارجية، وتأسيسه لطبقيات وكارتلات يؤدي صراعها الحتمي الى تدمير بنية الدولة}.

 

ان عمق المباحث التي تناولها الباحث والكاتب آقصو وتوغرها في تلمس جميع مفاصل الحياة ( السياسة والاجتماع والاقتصاد والدين والثقافة والفكر والتاريخ وغيرها) تفكيكا وتحليلا واستنباطا تجعل من الصعب ايفاء هذا الكتاب حقه في عرض سريع، ونأمل ان تسنح لننا فرصة أخرى للعودة اليه.

المشـاهدات 232   تاريخ الإضافـة 11/02/2024   رقم المحتوى 39472
أضف تقييـم