الخميس 2024/12/12 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 19.95 مئويـة
خطاب المثقف و الدولة في كروبات الواتساب العراقية
خطاب المثقف و الدولة في كروبات الواتساب العراقية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. طالب محمد كريم
النـص :

يعد بروتوغوراس زعيم الفكر السفسطائي في القرن الخامس قبل الميلاد، وكيف لا وهو ساحر الكلمة واللاعب الاول في عملية انقلاب المعاني وزعزعة المنطق العقلي الذي كان يعتمده الناس آنذاك.حتى خرج بمقولته الشهيرة التي تقول:ان الانسان مقياس لكل شيء أي أن الخير والشر، الصح والخطأ، كلها يجب أن تُحدد بحسب حاجات الكائن البشري.وبمعنى آخر هو اخراج منطق التفكير من المنهجية العلمية والموضوعية الأحادية الى المسار نحو الحقيقة والى الكثرة والتعددية على عدد انفاس الخلائق كما يقولون .هذا يعني ان لكل انسان منطقه الخاص الذي يسقطه على مجريات الحياة الواقعية، ومن ثم يتبنى النتائج التي استحصل عليها من خلال الاسقاطات الذاتية لفكرته التي يعتقد ان لها الاحقية في التصدر والبقاء والدوام.تضعك هذه العبارات تلقائياً امام ملايين الصور التي تدعي الحقيقة، والتي تخالف الادوات العقلية ونظرية المعرفة منذ انبثاق بواكير مناهج العلوم الانسانية والتجريبية والمنطقية التي تتساوق مع قواعد التفكير حتى تاريخنا المعاصر مع تقدم العلوم والحضارة والمدنية.يذكر لنا تاريخ اليونان القديم ان هناك حقبة مظلمة مرّت على المجتمع الاثيني، اذ ضللّت عليهم الحقيقة ومعرفة الاشياء وفهم الايقاع الذي يضبط العلاقات بين منطق الاشياء والنتائج الحتمية لها.حتى انبرى لها ارسطو مؤسس الأورجانون الذي سعى الى تحليل العملية التي بموجبها يمكن منطقيّا استنتاج أي قضية ومن الممكن أن تكون صحيحة استنادًا إلى صحة قضايا أخرى، فقد كان اعتقاده أنَّ عملية الاستدلال المنطقي هذه تقوم على أساس شكل من أشكال البرهان سماه القياس. كان بمثابة تحطيم أقفال السجون العقلية والحواجز الوهمية التي صنعتها السفسطائية وضيعت عليهم فكرة النظام والدولة والقانون التي انتجها الانسان بعد صراع طويل بين اوهام الفكر وحرية العقل.هذا  الاختراع الارسطي المنطقي العقلي الجديد، والذي يسمى بالمنطق العقلي هو الذي اعاد للعقل هيبته وللحياة امنها وسلامتها.ورفع الغشاوة السحرية عن حقيقة الواقع. حتى جاء بثلاث قوانين عقلية اتفقت عليها البشرية منذ صدورها وحتى وقتنا هذا، هي: قانون الهوية، قانون الثالث المرفوع، قانون عدم التناقض. يكفي بعد هذا الاستعراض ان اقف عند هذه الاشارات الهادفة والتي رسمت الطريق للقارئ الكريم نحو العودة الى المصادر الرئيسة في سبيل التزود والاستفادة من الموضوعات آنفة الذكر.اخاطب العقل الذي يحتكم الى المنهج ليكتب ابلغ العبارات واشدها حكماً والتزاماً بمضامين قوانين الفكر ومنطق العلوم. القوانين التي لا يمكن الانحلال منها والتجرء على ساحتها، فبها انتجت العلوم والنظريات والطب والتكنولوجيا وتخطيط المدن والعمران البشري وتنظيم لغة الخطابة والحجة والبيان.اشعر بذاك الالم الذي يرافقني يومياً وانا اتصفح أو اقرأ المنشورات أو المقالات التي تكتب بلا سياق علمي وتناقش بطريقة عنفوانية عاطفية. بطريقة تحويل النص الحامل لجوانية الفكرة وظاهرها، الى ذات مشخصة في محاولة تغليف الفكرة بالعنوان الشخصي واضفاء طابع الهوية الفرعية المتأزمة على قدرة النص المتحكم في تغيير مسار النقاش من الموضوعية الى الظاهرة الشخصية، والتي تنتهي الى تمثلات فرعية لا تسعف روح النقاش الذي يتصف بالبعد الاستراتيجي وعلوم المستقبليات، في ان تتجاوز حدود الأنا التي تصنع من نفسها مقدس لحاضرية "المركزية"، وما دونها فهي افكار حولها تدور.ويعد ذلك مرفوضاً علمياً ومدرسياً، ولا يمكن ان تعتمد الطريقة ذاتها أو النتائج القادمة الينا من الصالونات أو المراكز التي تعدُ اوراقاً ترسم بها طريقاً نحو المسكوت عنه أو المخفي من المشكلات ( الجرأة في الغوص واجتياز حاجز التابوهات)التي تعيق طريق الدولة وتقدم الشعوب. في الوقت نفسه ليس هناك مزيجاً يمكن ان يجمع الرؤى المتفرقة او المضادة في بودقة واحدة، وقد تكون عسيرة الى حد المنع، بسبب اشكالية التخصصات الدقيقة التي تبحث في شأن الانسان وحياته الاجتماعية.فلا أعلم او ادعي لنفسي علماً في صناعة منهج جديد يمكن له ان يجمع بين كل هذه الآراء التي تطرح، مع غياب تام أو اقصاء منهجاً محدداً بعينه للنقاش، في سبيل الخلاص من التشنجات الشخصية والمقولات الخاوية والركون الى التسليم لمنطق العقل وقواعد التفكير. وانتاج اوراق معدة اعداداً سليماً تدل على احترام الوقت والزمن والمكان .اننا نومن بحرية الافكار التي تضبط قواعد التفكير السليم وبكسر النمطيات التي تجعل من العقل الة جامدة. لكن لا نجد أي جدوى أو فائدة من تدوير الافكار او محاولة اعادتها وفق منطق الاقتباس او الاتباع. هذه المحنة التي لطالما رافقت الكتاب المهرة، الذين يتصدرون خارطة حدود الشجاعة وهندسة دليل العقل نحو واحة حقيقة الواقع.

 

المشـاهدات 342   تاريخ الإضافـة 13/02/2024   رقم المحتوى 39604
أضف تقييـم