الجمعة 2024/12/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
نيوز بار
حازم الشمري.. فاصلة شعرية في ديوان العراق
حازم الشمري.. فاصلة شعرية في ديوان العراق
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

على شطآن ديوان البروفسور العراقيّ حازم الشمري "ليتلوَ الدَّمعُ مَا بِي" حكى لي الشعر أنّه كان رفيق الشمريّ في الأسِرّة العائمة في بحر الأحلام؛ وتصَّاعد تفاعيلهِ مغرورقة عيناها بالموسيقى من أرق الوسادة المولّهة إلى السدرة المشتهاة، متأبطةً مقام العشق، تسكب في آذان العاشقين عسل القوافي، وتُفجّر قصائد ثورية تزرفها الصدور المسكونة بالأنين، على رقصة عاشقةٍ تشهق بالحنين بين شطري قصيدة غابت عن الوعي على إثر قُبلة وضعها الشَّاعر على شفتيها ومضى.

وفي نصوص هذا الديوان التي تنوّعت بين التفعيلة والشطرين كان الوجدُ الحارس الأمين الذي استوصى بأهل العراق شعرًا وأبَى ألا يُسَكِّرَ أبواب الحزن المُشرعة على عتبات الحُسين، واستفزّه طين كربلاء المضمّخ بالدم الطاهر؛ فصار علامة استفهام كبرى مُعلَّقة بين السماء والقلوب التي تمشي على الأرض مُتوكئةً على وجع الورد، حتى إذا ما أنهكها الفِكر أسندت ظهرها على علامة تعجّبٍ تتطاوح من سَكْرتها بعد أنْ عبّتْ في جوفها أَكْؤُسَ استعارةٍ قدّها حازم الشمريّ من قٌبُلٍ مترعة بالشوق. على نحو ما نقرأ في قصيدة (هوى) التي وظَّفَ فيها الشاعرُ استراتيجيةَ "المفارقة"؛ وهي تقنية أكثر شيوعًا في فن "القصة القصيرة" و"الهايكو اليابانيّ" وإن بدا اعتماده على تقطيع التفعيلة لمخاتلة القاريء ومراوغته في آنٍ، إلا أنَّ المقطع الشعري من المبتدأ حتى الختام كشف عن صورة شعرية واحدة متكاملة وإنْ كانت مقسمة – قصدًا- إلى قطع من الفسيفساء، وفيها أيضا جاء استخدام "المنطق العلمي" باديًا من تحت رداء الاستعارات التي تتلبسها القصيدة؛ حيث يمكننا ببداهة وضع يدنا على "المقدمات والمعطيات" لنصل إلى نتائج، وربَّما لم تكن غير متوقعة. وهذا من أثر اشتغال الشاعر بالعمل الأكاديميّ: [مازلت أقرأ/عن هواكِ وأكتبُ/وأنا على جذع اصطباركِ أُصلبُ/مازلتُ أهوى دجلتيك مُتيما/ وإليهما بمدامعي أتقربُ/مازلتَ/تُدخلني خريفَ مواجعٍ/وإلى جحيمك من سعيرك أهربُ].

وإذا كان كلُّ إنسان - في"جنوب لبنان" و"فلسطين"- مشروع شهيد، ففي العراق جمع الناس قاطبةً بين مشروعَي: "الشِّعر والشَّهادة"؛ منذ أن استوت سفينة نوح على "الجوديّ" بين ذراعَيّ دجلة والفرات، وهذه مَزِيّة في أمة العراق المُختارة والمُبتلاة في إيمانها ولاتُعرف في ناسها إلا بالمُعايشة، أمّا حازم الشمريّ فقد جمع بين ثلاث خِصال: جمال الشعر، وجلال العلم، ودلال الحرف؛ والثلاثة يتصارعون على حلبة الحياة اليومية داخل رأسه، والحرب سجال بينهم ويتزاحمون في حُنجرته، ويتسابقون إلى شفتيه، ويتقاسمون رغيف أوده، ويتقاسمون لذّة راحته، ويقطفون السهاد من عينيه، لكن "لاغالب" من الثلاثة في آخر الشوط. فمن قصيدته (مدامع ثكلى) نقرأ مقطعًا المدخل قد يكون فيه إخباريا وارتجاليا وبسيطا لا يشي بالشاعرية من الوهلة الأولى لينتهي بنا إلى الدخول في جدل وتشابك فكريّ، ثم يُفاجئك بصورة جمالية واقعية مناقضة للفانتازيا تأخذنا إلى عالم آخر: [فقد غادرت من عقدين/ كل انتماءاتي/ وكل طوائفي/وسكنتُ بين الراحلين وبيني/ وفتحت للأغراب/ باب سماحتي/ ليقطعوا من وصلي الثلثين/وأظل رهن جحودهم وشرورهم/ ويدا ممانعتي بلا كفين/ فأنا العراق/ ولم تعد أرضي/بلادَ النخل والصفصاف والنهرين].

وفي قصيدة "سدرة البوح" يبرع حازم الشمري في رسم لوحات شعرية في كل مقطع من مقاطع القصيدة، ومنذ اللوحة الأولى ينتابك شعور أنك تتجول في رُدهة معرض للفنون التشكيلية، وتنتقل من مربّع إلى آخر وأنتَ ممتصٌّ لشحنات "كهروشعرية" مُتعاكسة تتعالى فولتاتها الطاقويّة لتخترق في النهاية الوجدان وتشِّع داخل القاريء وتبرق فيستنير ويُنير، وتتوهج أفكاره، ويصير بين تَجَلٍ وخَفَاء يتصارعان فتكشف المخبوءات تحت شراشف الكلمات.[صيغت يواقيتُ حرف الضاد/ واتسمت بأنها تحت عرش الله تستلقي]، و[أنها دوحة/للعاشقين ومن/ضجّت سرائرهم بالوجد والشوق/تستل من معجم الأمجاد هيبتها/وتوصل الغرب رغم البعد بالشرق/وتنسج الدرر البيضاء ناصعة كما تفيض عناوينا من الغدق].

 

المشـاهدات 409   تاريخ الإضافـة 17/03/2024   رقم المحتوى 41971
أضف تقييـم