الخميس 2024/11/21 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
المحاصصة في العراق وإنتاج الفاسدين
المحاصصة في العراق وإنتاج الفاسدين
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ.م.د. صدام العبيدي
النـص :

حرصت جميع التشريعات السماوية وكذا والوضعية على التأكيد على توفر الكفاءة والأهلية والأمانة فيمن يتولون المناصب والمسؤوليات، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى حكاية على لسان نبي الله يوسف(عليه السلام): (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) (يوسف: ٥٥). وهذا المنهج سارت عليه كل الدول المتقدمة فتولية الأكفأ هو الطريق الصحيح في العمل الإداري فعلى أساس الكفاءة والمهنية تمنح المناصب والمسؤوليات لا على أساس المحاصصة الحزبية والقومية والطائفية كما هو حاصل في العراق، فالمحاصصة هذه هي أساس ما يعانيه العراق من مشاكل وما وصل إليه من فساد إداري ومالي وأخلاقي، فاختيار اناس لا علاقة لهم بالمناصب التي يتولونها من الناحية العلمية أو الفنية، أو اختيار من هو يحمل أدنى المعايير والقيم والمهارات التي تتطلبها المناصب في مؤسسات الدولة وغيرها من الأسباب التي أدت لتفشي الفساد الإداري والمالي في البلد، لذا كان نتيجة ذلك أن من يتقلد هذا المنصب أو ذاك ليس لديه ما يؤهله للقيام بواجبات المنصب ومتطلباته وأن أقصى ما يملكه من مؤهلات أنه ينتمي للحزب الفلاني أو هو من الطائفة الفلانية أو من القومية العلاّنية، فهذا المنصب لهذا الحزب وذاك المنصب للقومية الفلانية والمنصب الآخر للطائفة العلاّنية، وهكذا أصبحت المناصب مقسمة وموزعة حسب القوميات والطوائف والأحزاب بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك حيث أصبح للعشيرة والقبيلة حصة من هذه المناصب، وهذه المحاصصة المقيتة لم تقتصر على العملية السياسية وتولي المناصب فيها فحسب وإنما شملت كل المناصب بلا استثناء حتى وصلت إلى أصغر المناصب فمنصب مسؤول شعبة في دائرة صغيرة دخل هو الآخر في هذه المحاصصة، وكان ينبغي أن تبقى المناصب في الأجهزة الأمنية والتربية والتعليم والصحة والدوائر الخدمية بعيدة كل البعد عن المحاصصة كون هذه المناصب تقدم خدمة للناس ولا علاقة لها بالسياسة أو الحكم أو السلطة، وأن يكون اختيار من يتولون هذه المناصب قائم على اعتبار الكفاءة والمهنية والنزاهة وحسن السيرة والسلوك لا أن يكون الاختيار على أساس الطائفة أو القومية أو الحزب أو العشيرة والقبيلة، لهذا نتج عن عدم اعتماد معيار الكفاءة والنزاهة أن عمّ الفساد الإداري والمالي شتى مفاصل الدولة، فالفساد سواء الإداري منه أو المالي في العراق يزداد بشكل كبير سنة بعد أخرى ولا يحتاج لكشف حجمه ومعدلاته تقارير المنظمات الدولية، فالسرقة والاختلاس والرشوة والابتزاز والصفقات المشبوهة والنسب الثابتة التي تؤخذ على المشروعات من قبل المتنفذين وأصحاب السلطة، والعمولات والمحسوبية في أعلى مستوياتها، فالعراق يغرق بالفساد الذي يستنزف معظم ثروات البلد مما ترك الكثير من أبناء الشعب في فقر مدقع، وهذا ما أشارت إليه التقارير الحكومية الرسمية فقبل أيام أعلنت وزارة العمل أن أكثر من 10 ملايين عراقي تحت خط الفقر ولا يستطيعون توفير قوت يومهم، أما الفساد الأخلاقي لكثير ممن جاءوا للمناصب عبر المحاصصة المقيتة فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار فكم سمعنا ورأينا حوادث وقصص لفساد هذا المسؤول أو ذاك استخدم المنصب للوصول إلى نزواته وشهواته المحرمة، في حين كان المفروض أن يراجع السجل الأخلاقي لأي مرشح لتولي منصب سواء أكان هذا المنصب بسيطاً أم رفيعاً، فالسيرة المحمودة والسلوك الحسن والتربية والأخلاق قبل التعليم فمهما كانت الدرجة العلمية لهذا المرشح أو ذاك فهو لا يصلح لتولي المنصب إن كان فاسد أخلاقياً، وما ظهر قبل أيام لعميد كلية الحاسوب في جامعة البصرة وممارسته الجنس مع الطالبات في مكتبه الخاص وتصويرهن بأوضاع مخلة وابتزازهن خير دليل وشاهد على وجوب أبعاد المحاصصة عن الدوائر والمؤسسات التربوية والتعليمية والخدمية، فهذا المسؤول وذاك المدير صاحب السجل السيء ما كان ليصل إلى هذا المنصب أو ذاك لولا المحاصصة المقيتة التي فُرضت على جميع مفاصل الدولة بلا استثناء، لذا لا بد من اعتماد الكفاءة والمهنية وحسن السيرة والسلوك كأساس لتولي المناصب والمسؤوليات إذا أردنا ان نلحق بركب الدول المتقدمة والمتحضرة، فالقوة والأمانة والعلم هي صفات أساسية لكل من يتقدم لشغل أي وظيفة فما بالك فيمن يتقدم لشغل منصب قيادي، لهذا كانت أول قاعدة وضعها الإسلام لتولي الوظائف هي القوة والأمانة حيث قال تعالى على لسان ابنة شعيب: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الآمين) (القصص: 26). فالمسؤول وصاحب المنصب هو موظف وأجير لدى الدولة يعمل لخدمة الناس ويسهر على مصالحهم مهما علا منصبه، وخير أجير وموظف هو الذي يجمع القوة والأمانة القدرة على ما استؤجر عليه.

 

المشـاهدات 253   تاريخ الإضافـة 23/03/2024   رقم المحتوى 42396
أضف تقييـم