معهد الدراسات الإسلامية والعربية - جامعة اكستر – بريطانيا

قبل أكثر من عقد من الزمان توقف قلم والدي الأستاذ الدكتور هادي نعمان الهيتي رحمة الله عن كتابة مقالة الأسبوعي (فذلكة) لقد كانت فذلكة نمط مثير من أنواع المقال القصير وأشبهه بقارب للأفكار يضرب بقوة بمجذافه مياه اسنة طال عليها الركود.

ان فذلكة هادي نعمان الهيتي كانت تسعى للربط بين الافكار والدعوة للتفكير العلمي حيث يقول في أحد محاضراته عن التفكير: "ان التفكير هو القدرة على الربط، فالطفل الصغير عندما يضغط على زر الانارة وينظر الى نور المصباح فانة يربط بين الضغطة وانارة المصابيح اذن فان هذا الطفل يفكر، اما الطفل الذي يضغط على الزر ولا يهتم بضوء المصابيح فهو لا يربط بين الحالتين وبالتالي هو لا يفكر".

قد حدد هادي نعمان الهيتي في كتابة إشكالية المستقبل في الوعي العربي  أربعة أنواع من التفكير  أولا: التفكير العلمي الذي يعتمد على العلم والفهم والوعي والمنطق العقلاني والنظريات وثانيا التفكير العاطفي الذي يرتبط  بسياقات تعتمد على خلفية الفرد والتأثير على مشاعرة والمبني على تصورات غير واقعية وثالثا تفكير المحاولة والخطأ وهو طريقة التجربة واعادتها عدة مرات واخيرا التفكير بعقول الأخريين وهو احد أنواع التفكير الابوي الاستبدادي الذي يعتمد على عبودية الفرد والاستماع الى الأوامر التي يقدسها وينفذها الفرد دون أي تفكير او ربط , وبالتالي كانت فذلكة عبارة عن محفز للتفكير العلمي يسعى لطرح القضايا بطريقة صحفية تستند للعلم والمنطق .

 بعد ان غيب الموت والدي في 2015 ووجدت نفسي في موقع جديد لم أكن اعهده سابقا، أولها ان مكتبته كانت متخمة بالمسودات التي لم ينتهي منها وهنا كانت علي مهمة إنجازها وإعادة تنضيدها ونشرها فكان كتاب صحافة الأطفال وادبهم وكتاب الاعلام والطفل وكتاب الاعلام ومستقبل المجتمع العربي هي مسودات جمعتها ونشرتها تحت اسمة بعد غيابة ، كما اني وجدت مسودات مئة قصة للأطفال لم تنشر وعرضتها على أستاذ الاتصال في الجامعة الامريكية في واشنطن الدكتور ادموند غريب فارشدني بان هذه القصص يجب ان تترجم وتنشر في أمريكا لأنها ذات مستوى عالمي وفعلا عرضتها على احد اهم دور النشر الامريكية المعنية بقصص الأطفال في دار فالتون في ولاية بنسيلفانيا فردوا بالإيجاب وانجزوا الرسومات واصدرت القصص بعددين تحت عنوان أساطير نعمان، وعندما أتطلع لصفحات التسويق العالمية كأمازون والمكاتبات التسويقية العالمية اجد ان القصص تباع في أمريكيا وبريطانيا والمانيا وفرنسا وإيطاليا لكنها للأسف غير متوفرة في العراق.

بالإضافة الى المسؤولية الأخلاقية والإنسانية التي ورثتها من هادي نعمان الهيتي وجدت شيء اخر أيضا لم أتوقعه وهو ان كل أصدقاء والدي أصبحوا أصدقائي المقربين فالصحفي الكبير ليث الحمداني و كرم نعمة والدكتور مظفر الادهمي والاذاعي إبراهيم الزبيدي والدبلوماسي فالح الاسدي والكاتب طلال الحديثي وداود الفرحان ورافع الكبيسي والكاتب على الموسوي والدكتور حسن النجار و الدكتور زكي الوردي ورحمة الله وجميعهم ارتبطت بهم ارتباطا إنسانيا فريدا جعلهم عندما يتكلمون معي يعتقدون انهم مازالوا يتحدثون الى صديقهم القديم هادي نعمان الهيتي.

وقبل أيام كان لي حديث مع الصحفي المتميز كرم نعمة أناقشه ببعض الأفكار حول مصطفى كمال اتاتورك وأفكار عالم الاجتماع الأمريكي روبرت باتنام. وقال لي ان هذه الأفكار يجب ان تطرحها في مقالات وكرر على هذه النصيحة مرة تلو أخرى.

وكبقية الكتب والقصص التي سعيت لإكمال نشرها والصداقات التي ورثتها واعتز باستمرارها جاءت فكرة إعادة احياء فذلكة من جديد عبر صحيفة الدستور العراقية لتكون فكرة أسبوعية تتناول عدة عناوين مستمدة من ربط أفكار لتشكل جدل في هواء طلق ونقي ينعش الوعي في ضل زحام العواصف الترابية.