كلّ جمعة نلتمُّ ، نحن الذين سكنتنا حرفة الأدب والفن وهوس الثقافة وما فيها، لنجلس على بضعة كراسٍ يجلبها معه الرجل الكادح ( أبو سجّاد ) مسترزقاً منها ببيع الشاي والقهوة علينا وعلى بعض المتواجدين في شارع الفراهيدي الثقافي ، الذي أصبحَ ملتقى لنا كل أسبوع !!

نتواعد قبل يوم أو يومين على هذا اللقاء ، ليس لأجل الحضور في الشارع الذي تنفسنا الصعداء حينما تمَّ فتحه وصار محجّة أسبوعية لنا فحسب، بل بلقاء أحبّتنا و التجوّل بين الكتب التي تعرضها أكشاك المكتبات واللوحات التشكيلية للفنان عبد الحسن محمد المواظب على معرضه الأسبوعي الدائم فيه ،وما يقوم به الشباب والأطفال من براعة في الرسم والخطِّ والموسيقى والاستماع إلى صوت الفنان جبّار السعد الذي يطربنا بالأغاني العراقية والعربية الأصيلة على أنغام عود قصي البصراوي وطبلة أبي غزالة الأسمر المملوح ومعرفة أخبار أصدقائنا وزملائنا الآخرين وغيرها ، كما أصبح نقطة دلالة ومحطّة للقائنا بأحبّتنا القادمين من الخارج أو كل محافظاتنا العزيزة ، لكنّنا بتنا نضيق ذرعاً ببعض ما يتطلّبه هذا الشارع من خدمات للراحة مثل المقاهي الصغيرة والتي على شاكلة مقهى أبي سجّاد المؤقت مثلاً لا أن يظلَّ بعضنا واقفاً حتى تتعب قدماه وتؤلمه فقرات عموده الفقري فيضطرّ على العودة إلى البيت بعد دخوله للشارع بوقت قصير جداً، أو مرافق صحيّة وحمّامات بدلاً من مضايقة أصحاب كازينو النخيل المجاور للشارع أو التزاحم عند حمّامات الحسينية المجاورة أيضاً ، وكيف بالأمر عند الفتيات والنسوة والأطفال ، ونحن نعرف جيداً أن أغلب مرتادي وزائري هذا الشارع من العوائل والفتيات المصطحبين لأطفالهم ؟!

الفراهيدي الشارع بات أيقونة ومرآة للثقافة البصرية شئنا أم أبينا ، رغم الملاحظات التي يمتلكها الجميع والتي نتحدّث بها فيما بيننا ،كونه يحتاج إلى الكثير من البنى التحتية والتوسيع والتنظيم الإداري الأكثر من ما يقدّم الآن ، ولا أريد أن أغمط حقَّ وجهد مؤسسة انجاز في هذا المضمارــ مشكورين على كل تعبهم ، لكنّني أطرح بعض الملاحظات لأجل التألق وجذب زائرين أكثر وبث روح الثقافة البصرية المختلفة الاتجاهات والرؤى في كل مكان !!

ما الضير إذا تمَّ تحديد أماكن لإقامة الندوات واللقاءات والمهرجانات غير المسرحين الفقيرين الموجودين في الشارع ،، ليكون هناك أكثر من مكان لهذه الفعّاليات الفنية والأدبية ؟!

وما الضير إذا تعاونت الجهات المسؤولة عن الثقافة في المحافظة وبشكل حقيقي وجدّي لا حضور باهت ودعاية وإعلام فقط ، ولا تصريحات نارية تنطفئ فاعليتها بعد انتهائها بدقائق ، بل بالحضور والدعم والمساهمة والإشراف وتبادل المقترحات والملاحظات والعمل على تفعيل كل زوايا الشارع بشكل أكثر ؟!

وما الضير إذا مدّت أياديها المؤسسات الثقافية من اتحادات ونقابات ومنتديات وروابط وغيرها إلى أيادي القائمين على الشارع والعمل معاً في تقديم بعض نشاطاتها فيه ، ولا نترك النشاطات الفقيرة التي تقدّمها بعض المؤسسات والروابط الأخرى دون دعم بالحضور والمشاركة ثقافياً وفنياً وإعلامياً وكل شيء يعزز مسيرة هذا الشارع ويعطيه بريقاً ولمعاناً أكثر ؟!

باتت ضرورة ملحّة في تفعيل هذا الشارع بالشكل الأمثل وإعطاء صورة أكثر توهّجاً ولمعاناً لثقافتنا البصرية التي امتدّت لأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ولمّا تزل معطاءة وضّاءة بكل ميدان إبداعي .