رافع بندر

هل الشعرُ يقِفُ عند قصيدة النثر ؟

سؤال يبرز في الأوساط الأدبية بين فترة وأخرى وتختلف فيه الاراء حتى جعل المعنيين في الشعر يبحثون عن جواب لهذا السؤال ...

في الحقيقة ....  الشعر ليس له حدٌ مطلق مثلما العلم ليس له حد مطلق

بدأ العرب بقصيدة العمود  لحقتها بعد سنين قصيدة التفعيلة ايظا ولحقتها بعد سنين قصيدة النثر .  ثم الهايكو  وهذا دليل واضح ان الشعر يتطور مثلما العلم يتطور وكل يوم هو في شغل مستمر .. اكتشاف يليه اكتشاف اكبر

ولا نعلم ماذا بعد قصيدة النثر .. وبعد الهايكو .. المهم عندما يتوقف القانون الإبداعي للقصيدة يتم اكتشاف إبداع آخر يخوض في الشأن الشعري الجديد الغير مكتشف ربما ترفضه أصوات هنا أو هناك لكن في الحقيقة ان الشعر ليس مطلق نهائياً أي انه يتجدد في كل زمان ومكان وكلمة مطلق هي شهادة وفاة للشعر أو الجوهر أو الحقيقة  . وهي اسوء كلمة تقال على الشعر ... الشعر يشبه الصناديق الروسية اكبر ثم اصغر ثم اصغر  .. أو اصغر ثم اصغر ثم اكبر .. اكتشافات إبداعية تصب في مفهوم إنساني يحتاجه الإنسان على مدى الحياة

في الحقيقة الشعر علم متجدد يشبه العلم الإنساني في كافة مناحي الحياة لأنه وبكل بساطه كلما اكتشف عالِمٌ نظرية أو ظاهرة ينتظر العلماء الآخرون ان تتوقف هذه النظرية لكي يجدوا نظرية اكبر منها تجيب عن تساؤلات توقف النظرية التي سبقتها وهكذا تستمر عملية التطور الشعري والعلمي

الشعر يتطور بالشك الإبداعي والجرأة المستفزة للآخرين ينتظر المكان الذي لا يعمل فيه قانون الإبداع . لا اقصد ان قصيدة العمود غير متطورة أو غير مبدعة وكذلك قصيدة التفعيلة لكن الحراك الفكري مستمر غالبا ما ينتج قانون إبداعي جديد على سبيل المثال نظرية نيوتن في الجاذبية احاطت بجميع الأشياء  في عالم الإنسان وحتى الكواكب فلا يوجد كوكب واحد يتعارض مع نظرية نيوتن في الجاذبية إلا كوكب واحد هو كوكب  ( عطارد ) الذي كان لا يتحرك وفق قانون نيوتن وهذا الذي جعل العالم يشك بنظرية نيوتن  وبعد مائتي عام إنبرى رجل اسمه أنشتاين في النظرية النسبية ليبين ان عطارد يدور وفق تجاذبات لا تنطبق عليها نظرية نيوتن في الجاذبية . واعطى أنشتاين اسبابه التي تحسب دوران كوكب عطارد والتي تعارضت مع نظرية نيوتن  وبقيت نظرية أنشتاين تعمل  ليومنا هذا في كل شيء ما عدى  موضوع ( بدأ الكون والثقوب السوداء ) أسوق هذا المثال لاقول فوق كل ذي علمٍ عليم وسوف تستمر مسيرة الشعر مثلما تستمر مسيرة العلم إلى ما لا نهاية وما قصيدة النثر إلا حراك فكري متطور إذا تم الاعتناء بكتابتها استخدامها بالشكل الإبداعي الذي يرتقي إلى ذائقة المتلقي وخصوصا الذين يلتقطون الجمال من قصيدة الشاعر كما يلتقط العصفور حبات الرمان . إذاً على من يكتب قصيدة النثر ان يتوخى الهذيان وان يفتش عن محطات الجمال كي يستقر بها ليستفز اصحاب الذوق الرفيع....