الكتابة من الذروة في ... فتاح فال دراسة نقدية |
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
النـص : يوسف عبود جويعد
رواية " فتاح فال" للروائي عباس الحداد، نعيش معها وسط أجواء ساخنة، وبأحداث متواصلة دون إنقطاع، رغم أن عملية بناءها الفني يعتمد على تعدد الأصوات، كونها رواية (بوليفونية)، تتناوب هذه الأصوات بعملية إدارة الحركة السردية، بإسلوب متناسق بشكل مشترك فما أن تنتهي نورا من إداء مهامها في نقل الأحداث، حتى يستلم سعدون مهمها التواصلية، ليتمم عملية السرد من حيث انتهت نورا، لتنبري شريفة الام من النقطة التي استلمتها من سعدون، وكذلك فيما يخص الزوجة بلقيس، وهو في (واقصد الروائي) يشبه الى حد بعيد حركة اللاعبين داخل ساحة كرة وهم يتعاونون في مناولاتهم للكرة من واحد لآخر بطريقة منسقة وغايتهم الوصول للهدف، وبإسلوب التقدم خطوة بخطوة، آخذين بنظر الاعتبار الحفاظ على هذا النسق، والحفاظ على الكرة بين اقدامهم، وابتعادهم من أي عائق يحول بينهم وبين تقدمهم المستمر نحو الهدف، بخطة مدروسة مسبقاً. وهكذا نجد أن حركة السرد في الرواية عملية تعاقبية وتناولية اذا صح التعبير، وبحذر شديد وانتباه حذر للمحافظة على الايقاع السردي وانسيابية الاحداث ضمن السياق التي بدأت الرواية، كونها أحداث متواصلة غير متقطعة، وكذلك الحال فيما يخص الحس الدرامي المتصاعد داخل النص، والانطلاق من ذروة الاحداث التي تأتي في المرحلة الرابعة من عناصر الاحداث، أي أننا اعتدنا على أن نمر اولاً على التعريف ثم الحبكة ثم التأزم، وتكون المرحلة الرابعة بلوغ ذروة الاحداث التي تعد أعلى مراحل الانجاز السردي، ومن خلال هذا العنصر المهم ينبري الروائي ليضم بقية العناصر لبعضها محافظاً على الذروة سياق سردي مستمر دون توقف أو انتقالة، وفي ذلك سر نجاح العديد من النصوص السردية، لأن الكتابة من القمة عملية تحتاج الى وعي وقدرة على المحافظة والاستمرار دون خلل أو رجوع. ولكي نكتشف ذلك علينا أن نمر على الاحداث في الرواية، لنكتشف انها ابتدأت من مرحلة خطيرة في حياة بطل الرواية سعدون الذي كان أحد افراد الحزب الحاكم آنذاك، وهو كذلك ضابط في الحرس الجمهوري للنظام الدكتاتوري الصدامي، ويده ملطخة بدماء الابرياء ، وعندما يحدث التغيير،ويسقط النظام الحاكم، يجد نفسه في موقف لا يحمد عقباه، لذا فأنه فوجئ بمداهمة لبيته من أجل القضاء عليه وتصفيته شأنه شأن كل الذين الحقوا اضرار كبيرة بافراد الشعب، لكن الأم استطاعت انقاذه، والهرب معه الى حيث مسقط رأسه في محافظة بابل ناحية القاسم. وتجدر الإشارة هنا الى أن الروائي اتقن رسم ملامح الشخوص بشكل يبدو طبيعياً ولا يخالف واقع الاحداث، أو واقع الحياة، وكانت الام شريفة من الشخصيات البارزة والمهمة لما تحمل من صفات الام التي تحملت هفوات واخطاء ابنها وارتكابه لتلك الجرائم البشعة التي وصلت حد الاضرار بابناء ناحية القاسم التي لجأت اليه كملاذ آمن. وهي تتذكر بأن هذا الهروب العكسي هو الثاني، فقبل ذلك هربت بابنها سعدون بعد ان قتل والده بسبب عشقه لزوجة الحلاق. وهكذا فإن الخطورة من قتله وتصفيته في هذا المكان امر واقع ايضاً، الأمر الذي يجعل الام أن تلجأ الى خدعة من أجل اخفاءه والمحافظة عليه، فتلبسه العباءة والشال ويتحول من سعدون الى سعاد ليعيش بصفة انثى تستراً عليه من المتربصين به. الأمر الآخر الذي تجدر الإشارة اليه، من أجل تتوضح عملية البناء السردي للرواية، هو ترك بلقيس زوجة سعدون نائمة كونها تناولت حبة منومة اثناء هروبهما عند الاقتحام الانتقامي الشرس، وترك مصيرها المجهول، اننا نتفاجأ بها وهي تستلم عملية ادارة السرد، لتحكي لنا حكايتها المؤلمة. فالاحداث في تصاعد مستمر من أجل البقاء في الذروة، وهي آخذة بالتصاعد وساخنة حد قطع الانفاس، بل الى حد البكاء على الام التي ثكلت بزوجها من قبل بسبب نزواته وحبه للنساء، وكذلك أبنها الذي حرصت على أن يكون حياً رغم كل الصعاب الجسام، وكذلك حال سعدون الذي أحس بالمهانة وفقدان الكرامة وهو يقوم بدور الانثى بالملبس والحركة والصوت، ولا زالت الاخبار تصل اليهم، بأن الكثير من ابناء هذا الحي بفتشون عن سعدون من أجل قتله. كما أنه يعيش داخل كابوس مخيف في يقظته ومنامه. كما أنني وجدت بعض الملاحظات التي يجب أن ينتبه لها الروائي في كتاباته اللاحقة، منها أن الفصل الاخير للرواية جعله الروائي الفصل الاول والذي تتحدث فيه نورا، وتنقل لنا فيه نقل جثمان سعدون الى 0المغيسل" النساء، الا أن هناك يكتشف امره، وتعرف من تقوم بغسله انه رجل وليس امرأة، فتصرخ (خذوا رجلكم)، ويريد الروائي جعل الرواية دائرية، والمعروف أن الرواية الدائرية تبدأ من حيث انتهت، الا أن في هذا الفصل هو خاتمة نهائية للاحداث، واني اجد عودة الفصل الى النهاية يكون احسن، كذلك هناك اشارة بوفاة الام لتلتحق بابنها، في الوقت الذي هي فيه تقوم بمهمة ادارة الاحداث حتى تجد نفسها طائرة في السماء وهو مخالف لمعقولية الاحدالث. رواية (فتاح فال) للروائي عباس الحداد، كتبت بنفس متصل ساخن محتدم، وباسلوب الكتابة من الذروة وهو امر نادر. من اصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2024 |
المشـاهدات 306 تاريخ الإضافـة 21/05/2024 رقم المحتوى 46252 |