السبت 2024/7/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 37.95 مئويـة
محنة السوداني بصناعة المستقبل بين كيك ماري انطوانيت وخبز الجياع
محنة السوداني بصناعة المستقبل بين كيك ماري انطوانيت وخبز الجياع
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسين فوزي
النـص :

الحراك الجماهيري المطالب بفرص العمل والخدمات في محافظات عديدة، وتخطيه احياناً التظاهر السلمي، أو ميل البعض لتشويهه بالأقدام على تصرفات خاطئة، يشكل بمجمله مؤشراً عما تنحدر له الحالة العامة لغالبية المواطنين، بالأخص المحافظات الأكثر فقراً. وها نحن نشهد معدلات الفقر في تصاعد ملحوظ، برغم الإعانات الحكومية التي بالكاد تسد الرمق بمؤازرة البطاقة التموينية، التي جلبتها علينا الحروب العبثية. فهي بحسب بيانات رسمية لوزارة التخطيط في نيسان عام 2023 " تبلغ 22 بالمئة،" (أي ما يعادل نحو 10 ملايين نسمة) في بلد يزيد عدد سكانه على 43 مليونا.وعلينا إدراك أن نسب وزارة التخطيط متفائلة، في حين يرى خبراء اقتصاديون متخصصون محليون ومنظمات دولية أن "نسبة المواطنين دون خط الفقر تزيد على 30%، أي 14 مليون مواطن، يضاف لهم 11 مليون عاطل عن العمل، اغلبهم من الخريجين وبقية الشباب".بمعنى أن أكثر من نصف الشعب العراقي يعاني من شظف العيش. وهذا يعني أن عوامل انفجار اجتماعي حالة تخطت التراكم إلى حالة فرز اجتماعي صارخ، بين شريحة من المترفين، في مقدمتهم 150 مليارديراً، ضمنهم لصوص مثل ايمن نور، ومواطنون لا يجدون لقمة خبز تنسجم وموارد البلاد، فيما تلك الشريحة تأكل من كيك ماري انطوانيت وتركب التاهوات وترفه عنها الجميلات المصاحبات لسراق القرن وبقية الفاسدين.هذه الحالة تفاقمت مع هجمة داعش ونهبها واستنزافها لموارد الوطن، فكانت محنة واجهها د. حيدر العبادي، وغادر في ظل تراكم لم يستطع من خلفوه التصدي له، بفعل مطامع المغانم السياسية، ضمنها شراء أصوات الناخبين عبر التوظيف غير المنتج في زيادة تضخم جهاز الدولة.وجاءت موازنة 24 استمراراً لذات النهج الرامي لاسترضاء قصير الأمد للناخبين بمواصلة تضخم توظيف الدولة، حيث تبلغ الموازنة التشغيلية قرابة 80% من الموازنة، (50 مليار دولار)، ومن أصل موازنة بـ 211 ترليون دينار العجز فيها 63 ترليون، أي عجز مخطط بنسبة تقارب 34%.والكارثة أن هذا العجز قائم على احتساب سعر النفط 80 دولاراً للبرميل، مما يعني افتراض زيادة دفترية في عوائد الدولة بمقدار 17 ترليون دينار، في حين أن المؤشرات تبين اتجاه سعره نحو انخفاض بنسبة تزيد على 4% كحد ادنى، مما يعني أن جداول حسابات الموازنة التي رفعت السعر المتوقع من 70 دولار إلى 80 دولار، تواجه زيادة ملحوظة في العجز قد تصل إلى أكثر من 40% وفق بعض التوقعات. علماً ان جميع المدارس الاقتصادية تميل إلى احتساب الموارد بمستوى أدني من المتوقع المنظور، عليه كان احتساب سعر النفط 70 دولاراً، رؤية موضوعية لتجنب مفاجئات مؤذية.لكن المؤسف هو أن خبراء رسم الموازنة اختاروا استرضاء ماسكي السلطة والتغطية على احتمالات لا ترضيهم، مما يعني أن معطيات الصيف وتوجهات الطاقة النظيفة، تدفع بنا إلى المزيد من التأزم الاجتماعي. وفي هذا السياق يبدو بعض الخبراء المشهود لهم بالكفاءة، يتحدثون عن وهم زيادة في سعر النفط لتغطية العجز، بجانب عوائد تصدير الغاز. علماً ان العراق مطالب بخفض انتاجه إلى قرابة 4 مليون ب/ي، وهذا ايضاً عبء مضاف على الموازنة في زيادة انخفاض العوائد.من الصحيح تماماً أن حكومة السيد السوداني تواجه تراكمات سوء تخطيط وإدارة، بجانب تجاذبات الكتل السياسية، وحتى نوابها منفردين، لاسترضاء الناخبين وكسب الأصوات، مما يشكل ضغطاً مضافاً تعرقل اية معالجة حقيقية مخططة لأزمة الاقتصاد الوطني. في ظل إنفاق باهض على بنود غير منتجة، فموازنة الدفاع والأمن 33.3 ترليون (25 مليار دولار)، فيما موازنات الصحة والتعليم والصناعة تبدو مقزمة. بجانب "اجبار" الحكومة على إضافة 650 ألف مواطن على قوائم منحة الاعانة الاجتماعية ليقاربوا 3 ملايين مواطن، بعد ان كانوا مليونين و152 الفاً نهاية عام 23.وعند احتساب الانفاق التشغيلي على 2.5 مليون موظف و3 مليون متقاعد يضاف لهم 3 مليون مستفيد من الإعانة الاجتماعية، يبدو واضحاً ان غالبية المجتمع يعتاش على ما تدفعه السلطة لهم، وليس لهم دور في عطاء اقتصادي ينوع موارد الدولة.إن إنفاق أكثر من 80% من العوائد بدون مردود حقيقي، يستدعي مجموعة من الإجراءات التصحيحية العاجلة قبل فوات الأوان، كما كان حال ماري انطوانيت وتوهمها أن في وسع الشعب تناول المعجنات بدل الخبز، ورفض بلاطها كل الإصلاحات التي اقترحها خبراء الدولة المؤهلين لضغط إنفاق البلاط واية أعباء أخرى، ضمنها كان أعباء الدعم المادي للثورة الأميركية ضد الإمبراطورية البريطانية.إن خطوات جادة مطلوبة تتخطى معالجة عجز الموازنة إلى خلق موارد مستدامة للاقتصاد الوطني تحرره من تذبذب أسعار النفط، وتوفر قاعدة ثابتة للدخل الوطني، من خلال عدم اعتبار باب الاستثمار والتنمية قابل للحذف والمناقلة لصالح الأبواب التشغيلية وفقاً لما يطرحه خبراء الاسترضاء، باعتماد:

 

- ضرب المثل في شد الحزام على البطون، في صياغة هيكل سلم رواتب يخفض اجمالي رواتب الدرجات الخاصة بنسب تزيد على 25% كحد أدني، إن لم يكن نسب تصل إلى 40%.

 

- تقنين الانفاق الأمني والعسكري الذي كان بداية الكارثة منذ النظام الشمولي، فداعش لم تعد هي الخطر الداهم، برغم جيوب فاعلة، في العمل على ترشيق مفاصل متعددة تدريجياً، من خلال الدمج في مجالات إنتاجية، بجانب تشغيل فروع عسكرية في رفد الاقتصاد الوطني بمنتجاتها.

 

- تعجيل استكمال ميناء الفاو ومد حوضه الجاف في استكمال مساره حتى الجارة تركيا، مع تشديد الرقابة على الانفاق والشركات المتعاقدة.

 

- زيادة قدرة التكرير لتصدير المنتجات النفطية بدلاً من الخام، مما يعني الحصول على أسواق تتخطى حصص الأوبك من جهة، والحصول على أسعار مضاعفة بجانب توفير فرص عمل وتحقيق خبرات ذات مهارات وليس عمالة بسيطة.

 

- تسريع مشاريع الكهرباء كونها ركن رئيس في ضمان زيادة فرص التصنيع والزراعة، وضمانة لخفض كلف الإنتاج. بالأخص في حالة ترشيد استخدام موارد المياه، وضبط المنافذ الحدودية والرسوم الكمركية لحماية المنتج الصناعي والزراعي الوطنيين.

 

- ضبط حوكمة الضريبة والكمارك وبقية رسوم الدولة، مع توعية المواطنين بأنهم يدفعون للحصول على خدمات أفضل.

 

- الحرص على توظيف الحضور الصيني في التنمية المستدامة، في ظل حقيقة ان تعاظم حجم التبادل البالغ 50 مليار دولار خلال العامين المنصرمين، يعني إمكانية توظيف جزء اكبر من عوائدنا النفطية للتنمية المستدامة والخدمات الصحية والتعليمية والمواصلات والاتصالات، على وفق مذكرات تفاهم السيد عادل عبد المهدي التي يعرقلها وكلاء مصالح اجنبية أخرى.

 

- ضرورة الاستثمار في المشاريع الصناعية "المندثرة" بعد خلع الشمولية، والحرص على جذب مستثمرين من ارجاء العالم، مع ملاحظة وجود قلق لدى المستثمرين الحاليين، حيث أن الجدوى و"الاحساس" بالأمن يدفعان العديد من المستثمرين حالياً للانسحاب، والمثال معمل اسمنت كربلاء الذي تعرض شركته المستثمرة حقوقها للبيع حالياً. وهذه حالة تصطدم بجهود مجلس الوزراء في "ما وضعته من ضمانات سيادية للقطاع الخاص، وبدأها اتفاقات وتفاهمات مع مؤسسات مالية في اليابان وإيطاليا وألمانيا، والإعلان عن مشاريع سيتم المباشرة بها." وفق ما صرح به السوداني.

 

- الإفادة من تجربة دعم القطاع الخاص في تشغيل الايدي العاملة من خلال سياسة تحمل اجورهم بنسب تراجعية تدريجياً مع وقوف المشاريع الخاصة على قدميها، بدلاً من الإعانة الاجتماعية غير المنتجة، وتحويلها إلى إعانة لتشجيع الإنتاج.

 

- تنشيط الرقابة المالية على الانفاق والتعاقد، ودور هيئة النزاهة في استرجاع الأموال المنهوبة داخلياً وخارجياً، بأحكام قضائية ملتزمة بضوابط القانون وفق العدالة الانتقالية وليس قرارات استثنائية، مما يوفر فرصاً أفضل لاسترجاع المدانين والأموال المنهوبة.

 

- وقبل كل هذا ضرورة العمل وفق مبدأ "الانضباط المالي" في رسم الموازنات والانفاق، بالأخص في مجال الدرجات الخاصة، حيث أن موازنة رئاسة مجلس الوزراء تبلغ 8 ترليون دينار، والأمانة العامة للمجلس 3 مليارات، ورئاسة الجمهورية مليار.

 

ما نعيشه يجسد المثل العراقي القائل "الشك جبير والركعة صغيرة"، وهذا تحدٍ كبير لمن تصدوا لمهمة الخدمة العامة في رئاسات الدولة، دون ان يعني هذا تجاهل حقائق عديدة استثمارية وخدمية حيث ""جرى استئناف العمل في (471) مشروعاً، وإنجاز 120 مشروعاً تم تسليمها، وتأكيد مجلس الوزراء أن المسؤولية الأخلاقية الشرعية تقتضي التعامل، كدولة ومؤسسات، مع المشاريع المتلكئة، وتقديم هدف حفظ المال العام. ومن خلال الموازنة الثلاثية يتم العمل على تفعيل 1321 مشروعاً متلكئا ومتوقفا، كلفتها 23 تريليون دينار. وافتراض ان الموازنة الاستثمارية لعام 2024، (54.298) تريليون دينار، وقد تصل إلى 55 تريليون دينار. بجنب الحرص المتواصل على تنظيم إدارة المال العام في ألّا يمسّ ذوي الدخل المحدود، والحرص على إدامة مساحة الشمول والتوسع، حيث شملت 2.1 مليون أسرة بشبكة الحماية الاجتماعية."لكن كل هذا الذي يطرحه رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني يظل مهدداً بخطر الانخفاض المتسارع في استهلاك النفط عالمياً بعد 2025 من جهة، وحقيقة ان المؤشرات تبين وفق تقرير صندوق النقد الدولي الأخير: توقع وصول عجز المالية العامة إلى 7.6% وأن (الدين العام) سيتضاعف من 44% في عام 2023 إلى 86% بحلول عام 2029.إن بداية ابتكار الحلول هو الانضباط المالي الصارم وقيام سلطة حكومية متحررة من المزايدات الانتخابية، تستند لأغلبية وطنية واعية بعيدة عن الشعارات والحرص على تصفير المشاكل مع الجوار، وقبل هذا كله وقف نزيف نهب الفاسدين لمستقبل العراقيين، من خلال الاسترشاد بخبرات وطنية صادقة مثل الأستاذين الكبيرين همام الشماع ومحمود داغر، ورائد فهمي، وعبد الرحمن المشهداني وزياد الهاشمي وجمع من الشباب الاكاديميين ممن لا يسعون لاسترضاء المتنفذين، والوعي بأن رسم السياسات الاقتصادية والدولية ليسا حديث مقاهي إنما موازين قوة عملية جغرافية سياسية وعلمية.

 

 

المشـاهدات 176   تاريخ الإضافـة 09/06/2024   رقم المحتوى 47496
أضف تقييـم