الأربعاء 2025/2/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
شجن وردة الصباح
شجن وردة الصباح
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

ناجح المعموري

قرأت ديوان الشاعر كاظم ناصر السعدي " أشجان وردة الصباح " وظلت دهشتي بالشعر متحركة بسبب حضور الوردة . ولاذت الوردة بالصباح واختارت وقتا مثيرا يضفي عليها جمالاً متكوناً من عديد ألوان مرسومة بتلاوين حضور البساتين والخضار المدهش .

ولأن الشعر منفتح ولا يعرف الانغلاق ، بل هو يدغدغ الاليغورية ويتسع التأويل حتى تتضح الوردة جسداً مثلما استطاع فنان الغلاف قراءة الوردة جسداً انثوياً . لكن الوردة ، الانثى مركبة ، مكونة من مقاطع تفضي نحو الانثى وتتضح قوية ، مساعدة على بروز الاعضاء الاكثر اثارة وأعني بها اليد اليمنى واليسرى ولن اذهب نحو الفخذين وما يثيران من التواصل وما يحققه الشعر مع تصاعد المشاعر والعواطف الرومانسية وهي كثيرة ، ولكن ما يستولده العنوان ، لا يكرس الرومانسية ، بل تنفتح امامه منافذ الجمال الممنوحة للوردة . ان حضور الوردة الواحدة ، مفردة تتسع دلالتها كبيرة ذات عمق وامتداد ، حتى تمنح المتلقي قدرة على الفحص والقراءة والتأويل . وهذا دائما ما تمنحه الاوليغارية والوردة حاضرة وحازت بفرديتها تنوعاً وطاقة لونية اكثر مما لو كانت حديقة اوراد .

الوردة مزدهية بصباحها الجميل وهي قد عقدت غزلاً عشقياً مع الصباح والجديد الذي فيه ولعل اعظم ما يثير في ذلك الصباح هو شمسها وتوهج دقائق تفاصيل الصباح الجديد المانح لروح المكان طاقة مألوفة ومعروفة ، لكنه ـــــــ المكان ـــــ لا يكتفي بذلك ، بل تتضح له ممنوحات الالغورية وهذا ما أراده الشاعر عندما ركز بوضوح تام عن فردية الوردة على الرغم من تأكيده على اشجان وغادر الشجن

روحي مثل طير منكسر الجناح

كلما تضيق احلام وردتها

يتسع فضاء حزنها

ماذا افعل

ورحى الليل يقضم كريستالها ؟

حبل انكساراتها

اخذ بخناقي

ما تختزنه الذاكرة

يترسب في اعماقي

رحلة آمالي اتعبتني

كيف اصنع من الهواء جداراً

اتكئ عليه

لا عاصم لي سوى البصيرة ...

تميز ذكاء الشاعر عبر اختيار مفردة " اشجان " عندما تكررت المفردة عنواناً لقصيدة لها تميز مثير عندما قال :

قبل طلوع الفجر

بنصف يقظة

زهره قلبي

كانت تخبئ احلامها

تحت وسادة الانتظار

تنثر الوقت في الهواء

تطرز الصحراء بالواحات

وتعيد صيانة الفراغ

الشتاء ... ترك الصقيع على جسدها الناعم

آهٍ ... قلبي المليء بأشجانها

يقف طيره على

غصن الذهول صامتاً

من كوّة الغياب

تتسرب الاحلام

الذابلة / ص8

التقط الشاعر بانتباه وذكاء معتقداً له حضور مقدس وهو العلاقة الروحية / واللذيذة بين الوردة وصباح الشتاء / بدقائقه الاندهاشية ، بحيث تتكون روح الطقس المقدس الذي صاغته الالهة انانا / عشتار ، من خلال الطقس . وهذا الدخول منح الوردة وطقسها نوعاً من الذهول والتعدد الدلالي وهذا ما تلعبه الاليغوريه عندما تحقق وجوداً في الشعر .

الشتاء .. ترك الصقيع على جسدها الناعم

آهٍ .. قلبي المليء باشجانها

يقف طيره على

غصن الذهول صامتاً

من كوة الغياب

تتسرب                       

الاحلام

الذابلة .

لا تغادر الطاقة بما تحمله من ارتعاشات لحظة التماس بين العاشق والمحبوبة ، وتظل حضورات الشتاء الباردة بما يتركه من دفع المانع على جسد الوردة . ولكن العاشق لا يتنكر لاشجانها التي امتلأ بها قلبه الذي حافظ على وقفة غيره على غصن الذهول صامتاً من كوّة الغياب / تتسرب الاحلام الذابلة .

مرويات العاشق وهو يحوز رمزيات الاثنين ويشحن جسد المعشوقة بما يحتاجه الليل الدامس من احلام لا تنتهي والتي تجعل المروية العشقية منها سردية الانثى ومحكيات الفحل ، التي تظل ساكنة ، ولكنها بين لحظه ولحظه تتحرك قليلاً قليلاً فاقدة بعضاً من نضجها وامتلائها ، حتى تبدو مثل ثمرة ذابلة . وفي هذه الالتماعة الشعرية المدهشة صاغ الشاعر كاظم السعدي جزئية من طقوس الجنس المقدس .

الاليغورية الخاصة بالوردة هي الالهة أنانا / عشتار ومعروف بأن الجنس المقدس هو من عقائد وحضارة سومر مثل ما يتمظهر عن سلطة الام الثقافية . وصعدت مهارة الشاعر في التقاط مخفيات طقس الجنس المعبر عن حيوية الحياة والرغبة في ديمومتها وسيرورتها التي تعطي حتى للكون الحياه ما تمتلئ به الدنيا من حب وجنون . ما يثير في المتلقي دقة مفردة الشمس وعلاقتها مع الوردة . في وقت الصباح إنه نوع من التداخل بين الرمزيات التي تعطي للشعر تنوعات وبعد ذات دلالية . وهذا ما يريده الشعر ويذهب اليه . وكل ما تفضي اليه آلهة الجنس والام الكبرى من وظائف وطقوس هي احتفاء بالحياة وتكريس لها كما قال المفكر ادغار موران .

الكائن يستعين بالشعر ويلوذ به . الشعر منجذب للإنسان ويتجاذب مع جماليات الحياة وما يحلم به كانسان من اجل ديمومة ان لا تتعطل الطاقة ، حتى تظل قائمة وتمنح الديمومة نحو الحياة من أجل أن يعيش الانسان من اجلها ، حتى يتمكن من التعرف على تفاصيلها الدنيوية . وعرفت الفلسفة الهيغلية بأن النثر يسور الشعر ويحمي الحياة . والحياه شعر والشعر لذائذ وسعادات دلونسيس ، قابض على الاحلام التي يسميها الشعر صباحات ومجريات الزمن الجديد.

التجدد دائم ومستمر للتولد من خلال الجماليات المعشوقة . إنه هوية الكائن وملمح الذات.

الفلسفة وحدها تلتقط الشعر وتتجاور معه وتجعله شفوية محفوظة ، فيها قداسة ، لأن الانسان الشاعر هو الذي ابتكر الشعر . لذا قال غوته " يد الشاعر حافظة نقاط الحياة . وتمنح الفلسفة كل شيء للشعر لأنه هو النص الذي يتكلم وليس الشاعر . ومن هنا دائماً ما يكون متوتراً ومشحوناً بالمعنى .

المشـاهدات 219   تاريخ الإضافـة 22/06/2024   رقم المحتوى 48079
أضف تقييـم