الأحد 2024/9/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
عودة الروح وعودة الوعي
عودة الروح وعودة الوعي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د هيثم هادي نعمان الهيتي
النـص :

الوعي هو مرحلة متقدمة من المعرفة، فالعلم والاستفادة منه مرحلة أولى في التقدم الفكري للإنسان اما الوعي فهو قدرة الانسان العالية في تفسير وتحليل الاحداث نتيجة لوصوله لمرحلة متقدمة من مراحل التفكير العلمي البعيد كل البعد عن الأيدلوجيا او الاستمالة الى العواطف الدينية والسياسية.

اذكر جيدا استاذي الأمريكي في كلية العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن قال ذات يوم "ان كل فرد مؤمن بفكرة سياسية او أيدلوجية هو مصاب بمرض، فالفرد المؤمن بعقيدته ويقتل او يسبب القتل للأخريين هو مريض في عقلة لأنه يحكم على الأخرين من خلال منضور ضيق الا وهو منضور الأيدلوجيا ".

ربطت حديث استاذي بحديث والدي رحمة الأستاذ الدكتور هادي نعمان الهيتي الذي شكل انتمائه السياسي ضبابية للبعض، فالبعض يضنه ماركسيا في حين يذهب البعض الاخر ليقول عنة انه قومي عربي الا انه في الحقيقة وصل الى مرحلة الوعي الفكري وأجاب ذات يوما على سؤالي بما هو انتمائك فرد " أنى فوق الأيدلوجيا"، ثم أضاف "ان الوعي بالعلم ضرورة، فالأمم لا تتقدم بالايدلوجيا، بل تتقدم بالعلم " 

ان الأيدلوجيا هي إصابة تجعل الفرد يحكم مسبقا على الاخريين دون ان يتعايش معهم اما الوعي فهي القدرة على الحكم على الاخريين من خلال الاختلاط بهم وتقيم ادائهم وتصرفاتهم.

توفيق الحكيم، الاديب والفيلسوف العالمي المصري الذي كان متيما وعاشقا لثورة الضباط الاحرار في مصر و التي قادها جمال عبد الناصر، نشر روايته (عودة الروح) التي كانت بمثابة الواعظ او الدليل لثورة الضباط الاحرار الذين كان يعتقد انهم سيخلصون البلاد من كل سيء، وذكرت الكثير من المصادر المصرية ان رواية عودة الروح كان الدافع الأساسي الذي اثار جمال عبد الناصر لقيادة ثورته في مصر. لكن بعد هزيمة 1967 والخسائر الفادحة التي تكبدها المصريين انتقل توفيق الحكيم من الايمان بالايدلوجيا القومية التي اثارها في عبد الناصر ورفاقه الى مرحلة الوعي وتخلص من أصابته بالايدلوجيا.

لقد تحول توفيق الحكيم من داعم اعمى للثورة ولزعيمها الراحل ولشعاراتها نتيجة ايمانه الروحي بالثوار بعد النكسة والهزيمة التي الى مرحلة الوعي بمرارة انه كان مخطئا في تقديراته وبدأ يتساءل كيف لفيلسوف وكاتب كبير مثلي يتحول الى مهرج؟ ولا يفكر ويعطي كل الدعم للحاكم دون اي ان يحسب حسابات، فماذا عن المواطن العادي البسيط؟

وما أكثر المهرجين في بلدي العراق من كتاب وفلاسفة ومثقفين مؤمنين بأيدولوجيات طائفية وعرقية ويفتخرون بها وبتخلفها، ولكنهم رغم الهزائم والفساد مازالوا يظهرون اعراض اصابتهم بالايدلوجيا المقيتة ولم يتمكنوا من الشفاء والتحول لمرحلة الوعي.  

عندما عاد لوعيه وتخلا عن مرض الأيدلوجيا كتب توفيق الحكيم ليكتب بعنوان (عودة الوعي) وقال لقد عاد الوعي لي، واني كنت سائر خلف الاندفاع الروحي والعاطفي، وخلف الفعل ورد الفعل وليس خلف التفكير الهادئ، ومن خلال هذه التجارب يسالني الكثيرين ممن يلتقوني عن حل معضلة العراق الذي يعاني من التصادمات الايدلوجية القومية والطائفية فأقول انها بعودة الوعي، فالعراق منبع الوعي الفكري، فهو من خط اول احرف الكتابة التي نشرت العلم المرحلة الاولى من الطريق الى الوعي. لذا فان اندفاع الجماهير خلف الشعارات الطائفية والدينية كان اندفاعا عاطفيا روحيا بعيدا عن الوعي.  

المشـاهدات 574   تاريخ الإضافـة 24/06/2024   رقم المحتوى 48175
أضف تقييـم