الجمعة 2024/12/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم
بغداد 17.95 مئويـة
نيوز بار
تصوير الهواجس الاغترابية في (مناجاة قلب)
تصوير الهواجس الاغترابية في (مناجاة قلب)
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

                                                             علوان السلمان

 

للشاعر حسين الشامي..

(بغداد) يا دجــــلة يا شــــاطئا

يا وجه تاريــــخ يلاوي الزوال                                                   

طوفي(بكـــــردستان)لم تلمحي                     

غير دموع صلبت بالـــــــــجبال                                                             وعانقي و جه(الجــنوب) الذي                                                          

ينحت فوق الصخر جرح(الشمال)  ص53                                   

 

الاشتغال الشعري مغامرة فنية تعتمد التكثيف والانزياح اللفظي الذي هو(تعبير عميق الفكرة مزدوج المعنى..).. بامتلاك منتجه قدرة فكرية مكتنزة ولغة موحية مشحونة بدلالات انسانية عميقة تفرض على المستهلك (المتلقي) التأويل من اجل

 فتح مغاليقه والوصول الى دلالاته ومعانيه..                                          

   وباستحضار المحموعة الشعرية(مناجاة قلب) التي نسجت عوالمها الشعرية انامل منتجها الشاعر حسين بركة الشامي..واسهمت مؤسسة دار السلام في نشرها وانتشارها/1999..كونها استغاثة اغتراب تدور في عوالم حسية محاطة بالافكار الذهنية..وهي تعتمد بنية اشارية قوامها اللغة الشعرية التي تنقل متلقيها الى افق تصويري ايحائي.. فيخوض غمارها ويكشف عما خلف مساراتها المشهدية.. ابتداء من العنوان الايقونة السيميائية الدالة بفونيميها المتناجيان بحوار منولوجي دينامي يستفز المستهلك وينبش خزانته الفكرية..وهي تعانق النصوص الموازية المضافة (الاهداء والتصدير والمقدمة التي جاء فيه(الشعر ليس قصيدة يحكمها الوزن..انما الشعر انفعال الفكرة بالوزن.. فاذا خرجت عن الوزن فقدت سمتها وصارت نثرا..على هذا تعاملت مع القصيدة.. ومن هذا اقدم قصائدي التي لم أكتبها لكي تنــشر.. فهل يــملك القلب الغــريب سوى الهمسات يكتــمها..سوى الآهات يحبسها.. مناجاة من القلب الى القلب..) ص12            

 

جداه خذ من مهجتي المي ومن جفني دموعي

وخذ الجراح رواؤها روحي ومنبتها ضلوعي

خذني اليك ضماد جرح او رفيقا من شـــموع

عل أرى حــزني ربيــعا او بقايا مــن ربــــيع

انت (الحسين) وفي صداك ترن الحان الخشوع

وعلى يــديك تغيب شــمس ثم تأذن بالــطلوع   / 17

   فالنص ينطلق من خندق نفسي مأزوم اعتمد الغنائية الشعرية التي تناولت المكان والطبيعة والاسماء موضوعا لها من جهة..ومن جهة اخرى تعامل المنتج(الشاعر) معها على انها معطى رمزيا او فكريا له خصائصه الجمالية داخل البنية النصية.. كون البناء الفني عنده يعتمد الرمز لتطوير الفكرة التي تتضمنها..فضلا عن ان النص بناء تركيبي يعتمد المعمارية المدروسة بتناسق الصور بوحدة فنية متناسقة.. فسجلت قصائده حضورا واعيا بادواتها اللغوية والتعبيرية المثقلة بالحياة والتأمل والحركة ..نتيجة مزاوجة المنتج(الشاعر) بين الذات والموضوع بتوظيف لغة المجاز التي تحيل الى اجواء الرمز الذي هو(تعبير عميق الفكرة ..مزدوج المعنى.)فضلا عن اعتماد الحوار المونولوجي بتصوير الذات في صراعها مع كينونتها الداخلية لخلق الصورة التي تعبر عن تجربة ذهنية باكتفائها بالاشارة للحظة المقتنصة بطريقة  تثير الادهاش وتعتمد الاختزال السابح في عوالم التخييل والتأويل..

 

  انا والشعر عصفوران    ...تحت سماء تشرين

  نســـوق الغيـــم قافلة       ونغفر لوعة الطين  

  (فحلو..ان يضيع المرء     بين الحين والحين)  

  انا والشعر عاصفتان        خلف دموع محزون

  تجوبان المدى غضبا        على وهج السكاكين  

  لتكتشفا جمال الشعر         بين الحور والعــين

  انا والشعر قنديـــلان        اوقـده ويطــــــفيني

  انا والشـــعر مرآتان          من احداق مسجون

   له من غربتي وطن         وعطر من رياحين   /ص19ـ ص20 ص21

 

فالمنتج(الشاعر) (يعالج الحياة التي تبقى سرا) على حد تعبير فرانك اوكونور.. فيصور الصراع الانساني والمكاني ـ متمثلا بالعراق وجودا جغرافيا بكل مكوناته ـ بالفاظ نابضة بالاحساس الوجداني مع توهج وصفي متغلغل داخل دائرة (النفسي والاجتماعي والجغرافي..)باستثمار بنية سردية شعرية تنزاح عن المسارات  الخطية من اجل نص ينبثق من عمق الواقع المأزوم فيكشف عن رؤية الشاعر الاجتماعية التي تتمحور على مستويين مترابطين:اولهما المستوى الحكائي وثانيهما المستوى الحسي الانساني. .وهو يكشف عن بؤس الواقع باستخدام اسلوب التقطيع المشهدي داخل النص لخلق جو غرائبي حكائي يشكل مجموعة من التداعيات التي تتوظف بقصدية تعطي بعض التفسيرات المتسلطة على ذهن الشاعر..مع اهتمام برسم الشخصية من الداخل للكشف عن البعد النفسي..هذا يعني انه يمازج بين نسقين فنيين: اولهما النسق الواقعي الذي يذوب داخل النسق التخييلي ثانيهما.. مركزا على هاجسه الانساني المنبثق من واقع متجسد في الحياة اليومية.. فضلا عن ترجــمة الاحاسيس والانفعالات الداخلية بابداع رؤيوي عــميق

 بتوظيفه تقنيات فنية محركة للنص..                                                        

ابتداء من بنائها الشكلي (العمود الشعري التراثي) الذي ارتبط بالمرزوقي ارتباطا وثيقا نتيجة شرحه حماسة ابي تمام وصار في متناول النقاد من بعده اصطلاحا ثابتا لذاكرة القصيدة العمودية التي تعتمد نظام الشطرين المتناظرين نغميا لا حرفيا..ليشكلا البيت الشعري الذي يعتمد الرؤية التي تبحث عن الصورة الشعرية المستفزة للذاكرة كي تخوض في غمار الاخيلة والانطباعات التي تنقل المستهلك(المتلقي) الى فضاءات بعيدة المدى لما فيها من صور مجازية متأتية من الواقع..حتى ان البعض تجاوزها..مما ادى الى تشكيل محطات حداثوية.. كون الشعر دفقات شعورية فنية جمالية لاتحدها ثوابت واشكال.. لذا تفردت المجموعة  بميزات استثنائية على المستوي الشكلي والمضموني واللغوي..اذ توظيف الرمز الذي هو (اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة..لغرض تصعيد التكنيك الشعري)..اذ فيه ترتفع التجربة الشعرية الى حالة من الشمول والصورة فيه تتحول الى رؤيا..

        هو الصدر والصدر اعطى الدماء    وغير عطاء الدماء حرام

        شهـــــيدان ذاك ابان الـــــــطريق    وهذا تحدى وكان الفطام)ص125

 والتناص الذي يعني (ان النص يتناغم مع نصوص اخرى)..على حد تعبير باختين في كتابه بلاغة الخطاب وعلم النص..

 (مد كفا لكربلاء تجد في النار// بردا وفي الدخان سلاما) ص115.. والبيت الشعري متناص وقوله تعالى(يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ) الانبياء/الآية/60...

والتضمين الشعري كقول المنتج مضمنا قول الشاعر نزار قباني(فحلو..ان يضيع المرء/بين الحين والحين) ..فضلا عن توظيفه اساليب فنية كالتنقيط(النص الصامت) الدال على الحذف الذي يستدعي المستهلك لملء فراغاته(فقدناك حسب....اناشيدنا // بانك فيها الهوى والحبيب)ص99.. والنداء (الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان الشاعر تراكما كثيفا مترابط الوحدات وهو يعتمد النمو الزمني ..)اذ فيه تتوافد الصور من القلب وتتراكم فوق بعضها والشاعريوقظها من سباتها لينسجها بعقلانية فكرية مشوبة بالخيال..(يا ابا المنبر الجريح وحسب المرء//ان يقتفي الحسين...اماما) ص114..   والتكرار الجملي الدال على التوكيد (انا والشعر) الدائري الاستهلالي االذي شكل لازمة النص .. وظاهرة ايقاعية لاشباع المعنى واضفاء موسقة مضافة على جسد النص من اجل تحقيق بواعثة المتمثلة في الباعث النفسي والايحائي باعتماد لغة يومية ..مع اضفاء جمال فني وثراء دلالي وايقاعي..

 

هاكم كؤوس الحب فارتشفوا      يفديكم الآتــــــون والســـــلف

هاكم عيون الوصـــل ارقـــها     الا يشـــق لـــدرة صــــــــــدف  

يا ايها الآتــــــون حســــــبكم       شرفا بأن يرجــــوكم الشرف

لم أدر حين رايت أوجـــــهكم       والشوق في الاضلاع يرتجف

هل نحن في حلم أم افتضحت      أكــــوابنا أم جـــاءت النـــــجف؟  / ص55

     

     فالنص عند الشاعر ينطلق من الخارج الى الداخل بحكم رؤاه المثقلة بالرفض والاغتراب فكانت تلامس الذات الجمعي وتشاركه همه..لذا فهو يسحب متلقيه باضاءاته الفنية والجمالية وايحاءاته التي تنطوي على دلالات متميزة بعمقها للغوص والتامل في صوره التي تجسد مكنونات وخوالج الذات الشاعرة بدلالات درامية تكشف عن ازمة الذات والموضوع..عبر قوة خياله في عملية الخلق الشعري التي تتأتى من مجازات الصورة الشعرية التي هي (تعبير عن عملية الخلق الجمالي لعناصر الرؤيا الذاتية المستمدة من المعاناة الانسانية العامة ثم التدرج الى نقل ذلك الى واقع الاشياء الموضوعي..) كما جاء في معجم المفصل في اللغة والادب..اضافة الى كثافة العبارة وانسجام مفرداتها..التي تسهم في النمو الفكري والاسلوبي والحسي في النص  الذي يقوم على بنية تركيبية تتشكل من :

 

الجانب الدلالي + الجانب الايقاعي + الجانب الرؤيوي

 

  فكان النص افرازا موضوعيا لعمق التجربة في ظل المعطيات الحياتية التي تجسد اللحظة الشعورية بمجملها مرتبطة بوحدة عضوية تنمو نموا متوازنا الى نهايتها نافذة الى جوهر الاشياء... وهي  تجمع الوحدة الشعرية التي تتشكل من:  (الصوروالالفاظ والانفعالات والمشاعر والتجربة..)  مبنى ومعنى..

 

يا حاملا وعد الخلاص لامة       كادت على شوك الطريق تضيع                   

   تناهب الطوفان حلم شراعها      وبوجهها سيف الهزيمة يشــرع                  

     هدهدت محنتها  فكان بكاؤها       لحنا على القلب الكـــبير يوقع                     وحملت غربتها مشاعل وحدة     لولاك ما كانت تلم وتجمع  /ص76

 

 فالنص يمتلك قدرة استعادة الاحداث المضمرة التي اختزنت في الذاكرة حتى صارت مصدرا لانتاج سردا مشحونا بالصور والمواقف التي تمازج بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي عبر واقعية الحدث.. فضلا عن اعتماد المنتج النص الدعائي الذي هو شكل من اشكال الاسقاط النفسي.. وتصوير الهواجس الداخلية للشخصية

الحاملة لموقف ورؤية...

                                                                       

هذا العراق دماؤه مطـــــــــلولة          وربيعه حــــــــطب وارض بلقع

فالامهات لدى الـــــــفرات ثواكل         ورضيعه من بؤس دجلة يرضع

ورجاله والعزم ملء فلوبـــــــهم         تهب الرقاب مشــــــــانق لا تقنع

تلوي اكف الموت خلف حصارها         جزع الردى منها وليست تجـزع /ص77

 

فالمنتج(الشاعر) (يعالج الحياة التي تبقى سرا) على حد تعبير فرانك اوكونور.. فيصور الصراع الانساني والمكاني ـ متمثلا بالعراق وجودا جغرافيا بكل مكوناته ـ بالفاظ نابضة بالاحساس الوجداني مع توهج وصفي متغلغل داخل دائرة(النفسي والاجتماعي والجغرافي..)باستثمار بنية سردية شعرية تنبثق من عمق الواقع المأزوم فتكشف عن رؤية المنتج( الشاعر) الاجتماعية التي تتمحور على مستويين مترابطين:اولهما المستوى الحكائي وثانيهما المستوى الحسي ..وهو يكشف عن بؤس الواقع باستخدام اسلوب التقطيع المشهدي داخل النص لخلق جو حكائي يشكل مجموعة من التداعيات التي تتوظف بقصدية تعطي بعض التفسيرات المتسلطة على ذهن المنتج( الشاعر).... فضلا عن ترجمة الاحاسيس والانفعالات

 الداخلية بابداع رؤيوي مكتظ بالاسئلة ...

                                                   

اين منا(العراق) شمسا ونهرين   ودفـــــــــئا ونـــخلا وربـــــــــــــوعا ؟ا

اين منا(العراق) يغفو(الجنوب)     الســـــــمح في ساعديه طفلا وديعا ؟ا

و(الشمال) الحبيب يعزف لحن     الثلج ســـــحرا ليـــــــوقظ الينبـــوعا

اين منا تــلك(القــباب) الــتي        تختطف الشمس من سناها السطوعا؟  /ص48

 

فالمنتج (الشاعر) يحاول تطويع اللغة في انزياحاتها عن مساراتها المألوفة..فيعمد الى تعالق الرؤى وارتباطها والحالة النفسية ..فيقدم نصا يحفل بانزياحات الذاكرة وتوحيد الثيمة الشعرية المنحوتة بطقوسها المتمردة بصيغ تعبيرية اسهمت في تشكيل الصور الشعرية بصفتها فلسفة جمالية بتكوينها العضوي الواعي الذي هو وسيلة الشاعر لانجاز وظائف نفـسـية وتخييلية وتأثيرية من خلال الغوص في اعماق الذات للتعبير عن الابعاد النفسية والانفعالية والانسانية كي يمنح النص جمالية ويكسبه مضمونا عميقا..كونها فعالية تقوم على التشبيه والمجاز والاستعارة والانزياح..وتوليد الدلالات وبناء المعاني عبر سياق درامي يستند الى التصادم بين المتناقضات من خلال الفاظ تمركزت فيها الطاقة الايحائية بجميع مستوياتها وتراكيبها ودلالاتها..مما جعل الشاعر يهتم بالجانب الجمالي والصورة الشعرية ونغمة اللفظة الموحية لخلق ايقاع داخلي يوازي الايقاع الخارجي..فقدم نصا مشحونا بالصور والمواقف التي تنحو منحى ذهنيا يكشف عن قدرة فنية متناسبة والموقف الفكري وانعكاساته الوجدانية التي اعتمدت المنطق الواعي بتلمس الواقع في بناء فني والتعبير عن تناقضاته بالحلم والرمز واللغة..مع سبر اغوار النفس وفق رؤية تلامس الواقع وهي توظف رموزها لتعميق مضامينها مع تجاوز الفكرة الى مضمون اعمق واكثر شمولية..

 

(غضب يلف المقلتين    وسماح بحر في اليدين)

فجراح اهلي من سراييفو //لاولى...... القبلتين

فانشر لواء المشرقين   // هدى يغطي المغربين

وانا العراق بكى الفرات // لديك حزن الشاطئين

فانظر لجرحك مرة  // وانظر لجرحي مرتين    / ص40ـ ص41

فالنص يحمل شحنات من القلق النفسي المحرك لخزانة متلقيه الفكرية للتامل..وحل ما فيه من المعالم المبهمة ..المنبعثة من كينونة الشاعر الذي يشغل حيزا فاعلا بشعريته التي تمثل نمطا تعبيريا متميزا بمعطياته الفنية وتقنياته الشكلية التي تستوعب التجربة والرؤيا ومتطلبات الحركة الحياتية والكونية..

وبذلك قدم المنتج (الشاعر) نصوصا شعرية قائمة على رؤيتين :اولهما الرؤية الاجتماعية.. وثانيهما الرؤية الانسانية من خلال التركيز على الحدث والمؤشرات الزمنية.التي يتدفق الشعر فيها فيعطي قيمة معانقة للموسقة الشعرية التي غطت عوالم البيت الشعري بجمرته اللاهبة وهي تتراقص بين اصابع منتجها (الشامي) متسمة بطابعها الحزين الذي تتدفق من بين ثناياه علامات الامل المشرق..

(فان كنت قد حطمت قيثارة الهوى // فما زال في اوتار قلبي ارتعاشها)ص35

فكانت بمثابة تحقيق للذات من خلال انتقاء الصورة الشعرية مرورا باللغة وتسخير طاقات البحور الشعرية ومنحها لايقاعها الخارجي ومن ثم تحقيق الجمالي والفني المرتبط بمستوى الابداع..

 

فائدة..

ـ ميخائيل باختين 1895ـ1975..فيلسوف ولغوي ومنظر ادبي روسي..درس فقه اللغة وعمل في سلك التعليم..واسس(حلقة باختين)  النقدية عام 1921..

ـ فرانك اكونور 1903ـ 1965..شاعر وروائي وناقد ومترجم ايرلندي..

المشـاهدات 268   تاريخ الإضافـة 29/06/2024   رقم المحتوى 48543
أضف تقييـم