الأحد 2024/9/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 26.95 مئويـة
نيوز بار
تيار فني نضالي فقد صيته مع رحيل رواده المسرح العمالي في المغرب من الازدهار إلى الموت
تيار فني نضالي فقد صيته مع رحيل رواده المسرح العمالي في المغرب من الازدهار إلى الموت
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

الرباط- بدأ المسرح في المغرب منذ الفترة الرومانية مع مسارح في ليكسوس وزيليس، حيث كانت العروض باللغات الأمازيغية واللاتينية والقرطاجية، حيث تأثرت المسارح الرومانية بالمكون الأمازيغي، ما أضفى عليها طابعا ثقافيا محليا. وبعد الفتح الإسلامي، تراجع المسرح الروماني بسبب تعارضه مع الثقافة الإسلامية، لكنه استمر في أشكال شعبية مثل الحلقة والبساط وسيدي الكتفي والتبوريدة وعبيدات الرما.وفي بداية القرن العشرين، تطور المسرح المغربي المعاصر بفضل الفرق الأجنبية التي قدمت عروضا في مدن مغربية، مما حفز ظهور فرق مغربية مثل الجوق الفاسي. أما في فترة الحماية الفرنسية، فغلبت المواضيع الوطنية على المسرح المغربي، إذ يعتبر عبدالقادر البدوي والطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج من رواد المسرح في المغرب، حيث استندوا إلى التراث المحلي والغربي معا. ولكن ماذا عن المسرح العمالي في المغرب؟ متى بدأ؟ ومتى انتهى؟ وإلى أي حد يمكن إحياؤه من جديد في خضم الظروف الاقتصادية الحالية؟يُعَدُّ المسرح العمالي تيارا مسرحيا يركز على تمثيل قضايا الطبقة العاملة والمجتمعات المهمشة ويهدف إلى تعزيز الوعي الاجتماعي والسياسي لدى الجمهور، ويتميز بأسلوبه الواقعي والمباشر في تصوير حياة الناس اليومية والظروف الاقتصادية والاجتماعية للعمال والطبقات الفقيرة، كما يستخدم كأداة للنقد الاجتماعي الصارخ وهذا يجعله منصة فنية للمطالبة بالعدالة والمساواة في المجتمعات.تكمن أهمية المسرح العمالي في قدرته على تمثيل القضايا والمشاكل التي يواجهها العمال في حياتهم اليومية بشكل مباشر وواضح، إذ يعمل هذا النوع من المسرح على تحفيز التفاعل والتواصل والروح المعنوية بين الطبقة العاملة من أجل بناء مجتمع أكثر تلاحما وتضامنا.بدأ المسرح العمالي في المغرب تحديدًا في فترة الاستعمار عام 1952 مع عميد المسرح المغربي الراحل الأستاذ عبدالقادر البدوي، الذي كان وقتها شابًا عاملًا بشركة التبغ، والذي أسس أول فرقة مسرحية عمالية تحت اسم “فرقة أشبال العمال”، بينما كان مؤلفًا ومخرجًا وممثلًا في هذه الفرقة التي انضم إليها مجموعة من العمال ومارسوا فيها فن المسرح وقدموا عروضًا لجماهير الطبقة العاملة. أصبحت هذه الفرقة ذات شعبية كبيرة واستقطبت بعد ذلك جمهورًا من مختلف الطبقات والانتماءات.وفي أوائل الستينات من القرن العشرين، ظهرت باقي الفرق المسرحية تحت قيادة الراحل عبدالقادر البدوي التي اهتمت بقضايا الطبقة العاملة وعملت على تنمية وعيها وتعزيز دورها في المجتمع مثل فرقة المسرح البدوي. كانت هذه الفترة المهمة في تاريخ المغرب تشهد تحولات اجتماعية وسياسية كبيرة بعد الاستقلال أسفرت عن تأسيس فرق مسرحية عديدة في المدن الكبرى مثل وجدة، والدار البيضاء، والرباط، وفاس، وقدمت عروضًا تناولت قضايا العمل والإنتاج والحقوق العمالية. وكان لهذه الفرق دور كبير في نشر الوعي بين العاملين والمساهمة في دفع عجلة الإنتاج، من خلال تقديم عروض مسرحية تحمل رسائل توعوية وترفيهية في الوقت نفسه.قدم الراحل عبدالقادر البدوي في عام 1960، مسرحية “يد الشر”، التي كانت مزيجًا من جميع المسرحيات التي قدمت قبل هذه الفترة، مثل “العامل المطرود”، و”كفاح العمال”، و”المظلومون” وغيرها. كانت هذه المسرحيات تحمل أفكارًا محدودة، لذا قرر المؤلف أن يجعل من “يد الشر” مسرحية ذات أبعاد قوية، فاختار أن يحول إحدى شخصيات الطبقة العاملة إلى وزير ينقلب على رفاقه، ليصبح “يد الشر” التي تضرب حقوق ومصالح الطبقة العاملة. ومع تسلسل الأحداث يكتشف هذا الوزير أنه كان مجرد وصولي وانتهازي.توزعت الأدوار البارزة في هذه المسرحية بين عبدالقادر البدوي، مصطفى تومي، محمد الحبشي، الشعيبية العدراوي، نعيمة المشرقي ومحمد الخلفي. وكان أول عرض لهذه المسرحية في المسرح الملكي بالدار البيضاء، حيث تابع الطيب الصديقي هذه المسرحية، وكان يجده البدوي ذا توجه فرانكفوني، يمارس مسرحًا معاكسًا للهوية الوطنية، إذ استطاع الصديقي استقطاب نعيمة المشرقي، الشعيبية العدراوي، محمد الخلفي، محمد الحبشي، محمد ناجي ومصطفى الشتيوي. هؤلاء الستة كانوا يشكلون الأضلع الرئيسية لمسرحية “يد الشر”، وهذا الرحيل الجماعي جعل البدوي يوقف المسرحية.ورغم دخول مسرح البدوي إلى المسرح الاحترافي مباشرة بعد الاستقلال وتقديمه لعروض فنية متنوعة للجماهير العريضة سواء على خشبة المسرح أو على شاشة التلفزيون ورغم طرحه لمختلف القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية في ألوان فنية مختلفة ما بين الكوميدي والتراجيدي والواقعي والتعبيري والتراثي، إلا أن عبدالقادر البدوي ظلت نصوصه تحمل دائما واقع وأحلام وهموم وتطلعات الطبقة الشعبية والعمالية والفئات المهمشة والمنسية.ويعتبر الراحل عبدالقادر البدوي أحد عمالقة المسرح المغربي، حيث كرّس نصف قرن من عمره في إثراء وتحديث هذا الفن النبيل. من خلال فرقة مسرح البدوي، التي أسسها وعمل فيها جنبًا إلى جنب مع شقيقه الفنان عبدالرزاق البدوي، قدم البدوي المئات من الأعمال المسرحية والتلفزيونية التي تركت بصمة لا تُمحى على المسرح المغربي، إذ استمرت هذه الشراكة الفنية المثمرة من عام 1965 حتى 1995، حيث قرر عبدالرزاق لاحقا الانفصال وتأسيس فرقة مسرح البدوي في عام 1997 بعد سلسلة من التصريحات المتبادلة. وتجسدت تجربة مسرح البدوي كرمز تجاوز الحدود ليصبح جزءا من المناهج الأكاديمية في العديد من الجامعات المغربية والعربية والدولية محققا اعترافا عالميا وإثراء ثقافيا فريدا.وتأثر المسرح العمالي في المغرب بالتوجهات الفكرية والفنية التي كانت سائدة في فترة معينة، حيث تمثل بوضوح في المسرح الواقعي والملتزم الذي كان يعبر عن قضايا الشعب وهمومه، وهذا النوع من التوجهات ساهم في ترسيخ المسرح العمالي كجزء أساسي من الحركة الثقافية والفنية في المغرب، لكنه للأسف لم يستمر طويلا كجزء أساسي من المشهد المسرحي المغربي حيث بدأ يتلاشى ويختفي من الساحة المسرحية كليا.ويعتبر اختفاء المسرح العمالي في المغرب خسارة ثقافية كبيرة، فهل هو نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة التي غيرت ملامح المجتمع المغربي أم أنه بسبب تراجع الدعم الحكومي للفنون والثقافة والذي أثر على استمرارية هذا النوع من الفنون الراقية؟ هل له علاقة بتراجع النقابات العمالية التي كانت تمثل قاعدة دعمه أم أن السبب في انحسار هذا النوع من المسرح يعود إلى تفضيل الجمهور لأشكال الترفيه الأخرى التي تقدمها وسائل الإعلام الحديثة أم أن كتاب هذا التيار في خبر كان؟تعكس نهاية المسرح العمالي في المغرب حالة من الغموض والتجاهل، حيث تتقاطع انعدام الكتابة المخصصة لهذا التيار المسرحي مع نقص الدعم الثقافي للفرق المسرحية، كما يظهر عدم اهتمام الأجيال الصاعدة بالتمسك بالتقاليد المسرحية النضالية التي أثرت في تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي، إذ إن تراجع هذا التيار ليس فقط خسارة للتراث الثقافي، بل يمثل أيضا فقدانا لصوت النضال والمقاومة في ساحة الفن والثقافة.

 

عبدالرحيم الشافعي

 

المشـاهدات 90   تاريخ الإضافـة 15/07/2024   رقم المحتوى 49539
أضف تقييـم